العدد 1005 - الإثنين 06 يونيو 2005م الموافق 28 ربيع الثاني 1426هـ

لماذا يحن أهل المالكية إلى الفرضة والبحر؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من جميل ما يميز هذا الشعب أنه يواكب الجديد، يطلع على تجارب الآخرين دون عقد أو تشدد. سمته الأساسية الانفتاح على الخارج، وهي خصلة أورثها له ركوب البحر والعيش في جزر يحيطها الماء من كل جانب.

من مظاهر مواكبة الجديد، هذا الكم الهائل من المنتديات والحواريات على شبكة الانترنت، حتى لا تكاد تخلو منطقة ولا قرية من هذه المنتديات الالكترونية، بل ان بعض المناطق لها عدة مواقع تتنافس على تمثيل هذه المناطق والقرى.

على أن ما يميز موقع قرية "المالكية"، هو اختيار الشباب القائمين عليه مفردات مستمدة كلها من البحر، بدءا من تسمية المنتدى: "البحر العام"، إلى بحر الديرة، والبحر الاجتماعي والتربوي، والبحر الفني والتقني، والبحر العلمي والطبي، والبحر الرياضي والترفيهي. هذه البحور تتفرع إلى سواحل: الساحل الوطني والسياسي والديني والأدبي، وساحل الأسرة والطالب والدراسات الاكاديمية والكمبيوتر والانترنت والتصاميم والهواتف النقالة. السواحل نفسها تتفرع بدورها إلى فروع أخرى، اختار لها المشرفون اسما بحريا آخر: "الفرضة"، من فرضة الاستفتاءات الشرعية والبرامج، إلى فرضة الدرر الفاخرة... كلها مفردات بحرية تعكس الحنين إلى البحر. ولعل المرء يتساءل: هل جاء هذا الاختيار عفويا استيحاء من بيئة قرية ساحلية، أم ان المشرفين على هذا المنتدى كانوا يدركون بالحاسة السادسة ان القدر كان سيخبئ لقريتهم مأساة تذكرهم قسرا بجدار شارون في فلسطين المحتلة؟

على أن الفرق كبير بين أن تسمع وأن ترى. وهكذا كنت على موعد مع الجدار العازل صباح يوم الأحد الماضي، إذ كان بانتظارنا أحد شباب القرية في ذلك الشريط الساحلي المخنوق. كانت السيارة بالكاد تعبر ما تبقى من الشارع المحصور بين جدارين: عن يمينك جدار وعن شمالك جدار، كأن المتنبي كان يقصده حين قال:

وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيــــك تميــــــــــل؟

فعن يمينك جدار المتنفذ الذي يعتبر نفسه فوق القانون والدستور والحكومة وهيبة الدولة وأرزاق مئة عائلة بحرينية، وعن شمالك جدار لأمير دولة خليجية، لا يعرف يقينا أين تقع هذه القرية ولا أن له حديقة باسمه يحتدم الخلاف بشأن منطقتها الآن، رغم انها باتت مهجورة ليس فيها غير العوسج والأعشاب الضارة!

ما تبقى من الساحل "نتفة" صغيرة، ربما لا تزيد على مساحة ملعب كرة قدم، وفي هذه البقعة المحصورة بين الجدارين، تقف أمامك "طرادات" الصيادين والفقراء الكادحين، الذين يخرجون نهارهم لانتزاع لقمتهم ولقمات عوائلهم من البحر، ليبيعوا الصيد في سوق القرية القريب.

عددت الطرادات بنفسي، فكانت حوالي 65 طرادا، وعندما سألت الشاب المرافق عن العدد الاجمالي قال بأنها في حدود المئة، ولكن بعضها الآن خرج إلى البحر "كانت الساعة العاشرة والنصف".

واصطحبنا الشاب في جولة إلى عرض البحر. ومن بعيد، كنت تشاهد حدود المنطقة المحرمة. كنا أسعد حالا من وزير البلديات علي صالح الصالح الذي سبقنا في جولة مماثلة قبل يوم واحد، إذ تلقى صرخات تحذيرية من اثنين من حراس أعمال السخرة الذين يذكرونك بأيام تشييد الاهرامات على أيدي العبيد. أما في جولتنا فقد كان الاثنان جالسين أمام طاولة يلوحان لنا بأيديهما، ربما هي تعليمات السادة لتحسين التعامل مع الزوار الذين ستتكاثر أعدادهم في هذه الفترة للساحل المقتول!

كنت أفكر في العمال الاجانب، الذين يتم تسخيرهم في بناء الجدار العازل، بم يفكرون؟ فمما لاشك فيه انه لم يحصل لهم ان عملوا بمشروع بناء حاز على كل هذا الاهتمام والتغطية الصحافية في تاريخ البحرين! وبالتالي هم مستغربون من تردد الزوار على رؤيتهم في هذا الموقع المعزول، فهم لم يحلموا ان يكلف شخص نفسه التقاط صور لهم في مواقع العمل الشاق، فكيف أصبحوا في بؤرة الاهتمام بين ليلة وضحاها! بل ان وزيرا كبيرا زارهم، بصحبة عدد من نواب البرلمان ومسئولي المجالس البلدية والمحافظة، فضلا عن جموع من الصحافيين والمواطنين!

وعندما تدور حول المنطقة المحرمة، يجابهك قصر أحد الوزراء، وأمامه سفينة تلمح على ظهرها عددا من العمال أو "النوتية". وهناك فرضة أنيقة جميلة، لا تدري كم كلف تشييدها من الأموال، وكم يصرف عليها شهريا. على ان المبنى ولو بدا قصرا، إلا انه قصر صغير، ومن الواضح انه محطة ترويحية ليس إلا. ربما لأوقات الفراغ والاسترخاء من زحمة العمل الوزاري الشاق!

في وسط البحر، كنت أنزل يدي لألمس الماء قبل أن يصبح لمسه من المحرمات، في آخر لقائنا بالبحر. وفي نهاية الجولة، كنت أشاهد صغار السمك يتقافز هربا من محرك الطراد، وربما هربا من الساحل المختنق ويتجه نحو الأعماق، لعله يبحث عن حياة جديدة بعد ان ضيق عليه الجشع سبل الحياة. وربما ليبقى شاهدا على عصر نطمح أن يكون عنوانا للإصلاح، فيما يصر آخرون على اعتباره شاهدا على بقاء زمن السخرة والرق والفساد والاستئثار

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1005 - الإثنين 06 يونيو 2005م الموافق 28 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً