تترنح الأمم المتحدة في الوقت الراهن بين أهوال المشكلات العالمية التي أنشئت أساسا للتصدي لها مثل السلم والاستقرار والتنمية وما إلى ذلك وبين مشكلاتها الداخلية المتمثلة في الفساد واعتراض بعض الدول المتنفذة على عملية الإصلاح التي تنوي القيام بها.

وبعد عام من الفضائح بسبب الاحتيال في برنامج النفط مقابل الغذاء الذي أشرفت عليه في العراق واعتداءات جنسية من جانب قوات حفظ السلام التابعة لها، أقرت الأمم المتحدة الأسبوع الجاري وثيقة جديدة للإصلاح تطغى عليها المقترحات الاميركية. وتلغي الوثيقة لجنة حقوق الإنسان ومقرها جنيف والتي تضم في عضويتها دولا تعتقد واشنطن أنها ترتكب انتهاكات رئيسية لحقوق الإنسان بينما شكلت لجنة أخرى ينتخب أعضاؤها بعد الحصول على موافقة ثلثي أصوات أعضاء الجمعية العامة "الذين سيتعرضون بالطبع للترغيب والترهيب الأميركي!".

ومن الفقرات المدهشة في الوثيقة الاقتراح المثير للجدل والذي لا يخلو من نكهة أميركية بشأن دواعي استخدام القوة لإنقاذ مدنيين من سوء معاملة حكوماتهم وهو مفهوم استاءت الدول منه في بداية الأمر بوصفه ينتهك السيادة الوطنية للدول الأعضاء. بيد أن الهيمنة الاميركية على المنظمة الدولية تتجلى في مشروع قانون أميركي يهدف إلى فرض الإصلاحات وفقا لمرئيات البيت الأبيض ويشدد على تطبيق إجراءات مراقبة أشد فعالية على كبار المسئولين والا... فإن الولايات المتحدة ستخفض مساهمتها المالية في موازنة الأمم المتحدة بنسبة 50 في المئة.

إن وجود مقر المنظمة في نيويورك واعتمادها في تصريف شئونها على موارد غالبيتها أميركية بالإضافة إلى استغلال واشنطن لحق الفيتو لإجهاض كل قرار لرفع الظلم عن المستضعفين يجعل من الأمم المتحدة كيانا فارغا لا معنى له لطالما نادى المخلصون بإصلاحه. لكن حتى في عملية الإصلاح نجد أن الدول العظمى تضع بصماتها من خلال الشروط المسبقة وهي تستهدف هذه المرة موازنتها التي هي عصب حياتها. لذلك ينبغي التفكير في إيجاد موارد بديلة قبل أن تفقد المنظمة هامش الاستقلالية الذي تبقى لها وحتى لا تصبح كيانا أحادي التوجهات