"إن المرء بحاجة ماسة إلى الجمال حين يقترب من الموت" الملك العجوز أركيل ما الذي يسيطر كل عام على احتفالات الذكرى السنوية لتفجير مبنى التجارة في نيويورك، قام "يويوما" بعزف موسيقي لباخ، وقدم "كيرت مازور" وفرقة نيويورك السيمفونية "الجناز الألماني" ليراهم الأميركيون عبر شبكة التلفزيون والإذاعة العامة. ما كان الأميركيون بحاجة إليه في أوقات الشدة هو الجمال، ولم يساورهم الشك أبدا للحظة واحدة في أن الجمال شيء موجود. كان خيارهم الحداثة وما لم ينتبهوا له تحديدا هو كل ما تدعو له "مابعد الحداثة" من أن الشر "مات".
هذا التجديد الجماعي للإيمان بقوة الحقيقة والجمال لم يظهر فجأة صباح الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول .2001 لقد كان موجودا، كما أن ما بعد الحداثة لم تكن عصرا، بل فصلا، ومرحلة انتقالية تدريجية من عهد إلى عهد آخر. وما نراه الآن في المقابل هو ظهور أسلوب جديد أصيل لم يقم أحد بعد بصوغ عبارة جديدة له أفضل من "مابعد مابعد الحداثة".
لا يهم أين نحقق الجمال، أو ما هو الاسم الذي نطلقه عليه، طالما أن النتائج جميلة. وليس من المصادفة أن فناني مابعد مابعد الحداثة مستعدون بصورة متزايدة لاستخدام كلمة جميلة من دون وضعها داخل علامات الاقتباس الوقائية التي تعبر عن السخرية المابعد حداثية.
نحن في صدد الكثير من الحزن، والعالم لا يحمل هذه الأيام سوى نبؤات الشؤم، وفي هذا الزخم من مناقضات الجمال، نحتاج الى أن تعمد مؤسساتنا المدنية كافة نحو تدعيم الجمال، ولا يهم ما هو تعريفها للجمال، المهم أن نعمل سوية نحو صناعة الجمال وتنميته، بعد أن أصبحت أحوالنا تسير في تزاحم رهيب مع الكآبة والتراخي والاستسلام لليأس.
يقول بول مورافيتش، عضو مجموعة مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية الأميركيين "في محاولتي لتأليف أشياء جميلة فإنني أقول ما أعني وأعني ما أقول. والمفارقة في عملي ليست مابعد الحداثة بطلاقة اللسان، بل الأساس في جعل خبرة الجدل المنطقي الأساسي والغموض مسموعة". ويتفق معه لويل ليبرمان، وهو مؤلف موسيقي أميركي آخر رفض العدمية الشديدة للرياديين في الموسيقى إذ يقول "هناك بطبيعة الحال ردة فعل قوية من الحرس القديم، ولكن التيار آخذ في النهاية في التغير"، لعلها زاوية تتصف ببعض السعادة المفرطة، ونسأل الله أن لا تكون وصفا إجرائيا لحكمة الملك العجوز أعلاه
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1005 - الإثنين 06 يونيو 2005م الموافق 28 ربيع الثاني 1426هـ