العدد 1005 - الإثنين 06 يونيو 2005م الموافق 28 ربيع الثاني 1426هـ

تحالف أمل وحزب الله

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اكتساح تحالف أمل - حزب الله لكل مقاعد الجنوب اللبناني ليس امرا غريبا. فما حصل هو الصحيح والمتوقع. والفوز ليس له علاقة بقانون الانتخابات وانما بتاريخ الجنوب السياسي "المقاوم" وموقع الأسر السياسية ودور العائلات الاجتماعي في الحياة العامة للمنطقة. فالتحالف كان سيكتسح المقاعد بغض النظر عن طبيعة القانون الانتخابي سواء اعتمد المحافظة أو نصف المحافظة أو القضاء أو النسبية أو الأكثرية. فما حصل له علاقة بخصوصية منطقة الجنوب وموقع تلك الدائرة "المحافظة" في تاريخ لبنان الحديث.

مشكلة الجنوب ليست أمنية فقط والتصويت للتحالف لم يقتصر على هذا الجانب المهم. المشكلة مركبة وهي ذات أوجه مختلفة منها الأمني "الدفاعي" ومنها الاجتماعي "الاقتصادي" ومنها السياسي وهو له صلة بالتهميش الذي اصاب الأطراف لمصلحة تركيز التنمية في مناطق المركز "بيروت والجبل".

المشكلة لم تبدأ في الستينات والسبعينات من القرن الماضي وانما وصلت في تلك الفترة إلى أوج ازمتها، فهي بدأت منذ نكبة فلسطين في العام 1948 حين تعرضت البلدات الجنوبية لضغوط عسكرية انعكست سلبا على الحياة العامة لأهالي المنطقة. وترافقت تلك الاعتداءات بانهيار قطاعات انتاجية واسعة من الزراعة والصناعات الحرفية التي كانت تعتمد في تصريف منتوجها على السوق الفلسطينية.

هذا الجانب الاجتماعي - الاقتصادي لم تلحظه الدولة "المركز"، كذلك لم تعطه أهمية خاصة تلك الأسر السياسية التي كانت تمثل المنطقة الجنوبية في المجلس النيابي والحكومات والإدارات الرسمية. فالعائلات كانت تلعب وظيفة محصورة في ذاك التوكيل الرسمي الذي اعتمدته الدولة في صوغ علاقاتها السياسية مع أطراف الجمهورية وتحديدا الجنوب والبقاع والشمال.

هذا الإهمال الأمني المترافق مع التهميش الانمائي وتقصير الأسر السياسية في لعب دورها في تطوير المنطقة وتلبية حاجاتها الضرورية من تربية وضمانات صحية واجتماعية افسح المجال للاحزاب اليسارية والوطنية والقومية في النمو المحدود في بعض القطاعات المتضررة من توكيل العائلات وإهمال الدولة. إلا أن نمو التيارات الحزبية في الخمسينات والستينات لم ينجح في تشكيل قوة اعتراض حقيقية لذاك التوزيع السياسي لمراكز نفوذ العائلات. فبقي اليسار على أنواعه مجرد مجموعات هامشية من المثقفين لا تملك تلك القدرات الشعبية "التصويتية" على تعديل احتكار تمثيل الأسر لأهالي الجنوب. واستمر هذا الوضع الأمني - الاجتماعي على حاله إلى مطلع السبعينات إلى حين ظهرت تلك الانتفاضة التي قادها الإمام موسى الصدر وشكلت قوة ضغط استثنائية في منطقتي الجنوب والبقاع.

حركة الإمام الصدر تعتبر نقطة تحول مركزية في الحياة العامة للحراك الاجتماعي - الثقافي في الجنوب والبقاع. فالحركة ليست طارئة وهي صاغت خطابها السياسي من حياة الناس وواقعهم مستخدمة لغة مفهومة جمعت بين الدين والسياسة وبين الاجتماع في مختلف وجوهه وثقافة الناس الشعبية والبسيطة. وبسبب تلك اللغة المصاغة من واقع الحراك الاجتماعي - التاريخي شكلت حركة الإمام الصدر مظلة سياسية جمعت تحتها كل القوى المتضررة من ذاك التوكيل الرسمي للعائلات والأسر "الشيعية". وتحت تلك المظلة الدينية - السياسية الجامعة تحركت القوى الاجتماعية لتغيير علاقات الواقع وكسر ذاك الاحتكار في التمثيل النيابي.

مقابل هذا الدور الخاص "الرافعة السياسية" الذي مثلته حركة الصدر لعبت سياسة الدولة "إهمال الجنوب أمنيا وتهميشه انمائيا" دورها في اعطاء شرعية شعبية لذاك الحراك الاجتماعي الذي أعلن تمرده على واقع لم يعد يلبي حاجات النمو وتطور الوعي عند أهل المنطقة. فالحركة الاجتماعية تغذت من روافد كثيرة منها التهديدات الإسرائيلية المستمرة، ودخول المقاومة الفلسطينية على خط الدفاع عن القرى الجنوبية، وصولا إلى تغييب الإمام الصدر، وانسحاب الدولة من تلك المناطق المتوترة، وصولا إلى قيادة الإمام الخميني الثورة الإسلامية في إيران وغيرها من عوامل ساهمت في النهاية في تكتيل قوى سياسية صاعدة تمثل الطور الجديد لذلك الانقلاب الشعبي على صيغ من العلاقات الأسرية التي لم تعد قادرة على لعب دورها السابق في تمثيل الناس.

تحالف أمل وحزب الله يمثل الآن ذاك الطور الجديد في حياة الناس في منطقتي الجنوب والبقاع. وما حصل في انتخابات الاحد الماضي ليس مصطنعا وانما يعكس واقع الحال لدوائر انتخابية دخلت في طور انقلابي على ما كان سائدا في خمسينات وستينات القرن الماضي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1005 - الإثنين 06 يونيو 2005م الموافق 28 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً