لم أكن أحلم يوما أن أجد أسرة بحرينية، يصل بها سوء الحال وتدني الأوضاع الاقتصادية والمعيشية إلى الحد الذي تعيش فيه في بيت تسكنه العقارب والحيات. وليس هذا ضربا من ضروب المبالغة، ويؤسفني أن يصل بنا الوضع المأسوي إلى هذا الحد، فهذه الأسرة التي أتحدث عنها تعيش في بيت مساحته الإجمالية 30 في ،50 ولكن المساحة الفعلية التي تقطن فيها هي 15 في 20 فقط. وهي مكونة من خمسة أفراد: الأم وابنها البالغ من العمر 22 عاما، وثلاث بنات أعمارهن ،26 و20 و18 عاما. والبيت يتكون فقط من غرفة واحدة متعددة الأغراض والاستخدام "النوم، الراحة، الجلوس، مشاهدة التلفاز، الأكل، الدراسة، استقبال الضيوف..." فهي تحتضن كل فعاليات ونشاطات الأسرة وعلى مدار الساعة. مساحتها صغيرة جدا لا تكفيهم جميعا لبسط بطانية النوم "المرقد" لجميع أفراد الأسرة، وبالتالي يفترش البعض الأرض حفاظا على المساحة، ولكم أن تتخيلوا أن هذه الغرفة تضم ليلا البنت البالغة من العمر 26 ربيعا، إلى جانب أخيها البالغ 22 عاما، والبقية الباقية، وحمام واحد فقط حجمه صغير جدا، بالكاد يستطيع المرء الدخول إليه. والمطبخ متعدد الأغراض ومن الصعوبة بمكان تحديد هوية المطبخ فهو مخزن وغرفة وحمام أيضا! ألم أقل لكم إن الحمام صغير جدا وبالتالي لابد من استغلال المساحات المتوافرة في المطبخ عوضا عن الحمام؟
الاحتياجات الأساسية في المنزل غير متوافرة، وإذا وجدت فهي في حال بائسة وتحتاج إلى صيانة. الثلاجة لا تقوم بمهمة التبريد ولا حتى المكيف الوحيد الموجود في المنزل لا يقوم بوظيفته، فبدلا من الهواء البارد ينتج عنه الهواء الدافئ، وهناك تلفاز صغير جدا، وخزانة واحدة متضررة جدا لجميع أفراد الأسرة، لا تحمي الملابس من الرطوبة ومن عوامل التعرية وبالتالي تفتقد أية أهمية.
الأم تشتكي من الوضع الصحي السيىء للمنزل، وخصوصا في فصل الشتاء وتساقط الأمطار، إذ إن سقوف المنزل جميعها نافذة لأشعة الشمس ولا تحميهم من الأمطار.
الأم طبعا مطلقة بسبب ما عانته من الويلات من طليقها، إذ إنه يعاني من أمراض نفسية "الأعصاب" وبالتالي لم تقو على العيش معه، وأصرت على الانفصال بعد أن تسبب لها بإعاقات، وهي تستخدم الآن العكاز للمشي، وتعاني من وجود ضعف شديد في غضاريف الرجلين، وقد اضطرت إلى العلاج في الأردن.
قصة هذا البيت قصة جدا محزنة، فقد خسرت في الحصول على مكرمة البيوت الآيلة للسقوط لوجود بيوت أكثر سوءا من بيتهم، والأم تؤكد أن البيت التي تسكن فيه مع أبنائها عمره الحقيقي تجاوز السبعين عاما، وقد ورثته من أبيها. أي أن البيت تم بناؤه في الثلاثينات، وبالتالي يعكس ذلك أولوية إعادة بنائه.
عندما سألتها عن حصولهم على بيت في الإسكان، ذكرت أن هناك بيتا للعائلة حصلت عليه من الإسكان، ولكن الذي يعيش فيه هو طليقها، ولا تقوى على العيش معه ولا حتى أبناؤها يرغبون في ذلك نظرا إلى سوء المعاملة التي يجدونها عنده. والاسرة ليس لها عائل، ولاسيما أن ابنها الكبير عاطل عن العمل، وكل ما لدى الأسرة للصرف هو الـ 48 دينارا التي تحصل عليه من وزارة الشئون الاجتماعية، والـ 15 دينارا التي تصرف لهم من الصندوق الخيري في المنطقة. هل تعتقدون أن بمبلغ 63 دينارا، تستطيع أن تفتح بيتا وتوفر معيشة حقيقية وخصوصا هذه الأيام؟
تذكر الأم أن أياما وأياما تمر على الأسرة، لا يجد أفرادها فيها ما يتناولونه سوى كسرة الخبز والماء الحار. كما أن غالبية أيام السنة تذهب فيها بناتها إلى المدرسة وإلى الجامعة دونما أي نوع من الطعام بحوزتهم، وليس بمقدورها توفير مصروف يومي لهم يتمكنون من خلاله سد رمقهم. وهذا أمر مؤلم جدا بالنسبة إلى الأم، ولكنها تقول: "ما باليد حيلة" حتى البنت التي تدرس في الجامعة تفكر مليا بأن تخرج من الجامعة وتنقطع عن الدراسة بحثا عن عمل لتحسين أوضاع أسرتها المعيشية، على رغم مستواها التحصيلي الجيد الذي يؤهلها لمواصلة دراستها الجامعية، وبالتالي أفضل مكسب لمساعدة أسرتها فيما بعد.
كل ذلك يمثل جانبا، وأما الجانب الأهم والذي "زاد الطين بلة"، فهو الوضع المزري لموقع المنزل، إذ يقع خلفه مباشرة مغتسل الأموات، وبالتالي مياه الصرف تسبح خلف المنزل مخلفة روائح كريهة جدا وبيئة غير صحية، وتجعله مرتعا خصبا للحيات والعقارب والحشرات الغريبة العجيبة، وبالتالي لا تجد أفضل من بيتهم ملجأ لتسكن فيه.
تقول الأم إنهم شاهدوا مرارا وتكرارا، ووجدوا داخل منزلهم حيات وعقارب، وبالتالي لا أمان لهم أثناء راحتهم وقت النوم، ولاسيما عند باب المنزل، وكثير من الضيوف عندما يأتون إلى المنزل يفرون هربا بعد مشاهدتهم الأفاعي المتحركة في وضح النهار.
الابن الأكبر عندما رآنا نتحدث إلى والدته عن المعاناة التي تعيشها الأسرة بهدف تسليط الضوء الإعلامي عليها لعل أصحاب الأيدي البيضاء يمدون يد العون والمساعدة لهم، رفض ذلك بحساسية مفرطة، وأكد أن هؤلاء جاءوا من أجل الفرجة على أوضاعهم. طبعا نحن نقدر ذلك ونشعر بدوافعه، ولاسيما السن التي هو عليها.
المجلس البلدي بالوسطى معني بالدرجة الأولى بدراسة واقع هذه الأسرة، ويجب عليه الاهتمام بطلب الأسرة والعمل على وضع المنزل ضمن أولويات البيوت الآيلة للسقوط، وعلى وزارة الشئون الاجتماعية النظر مليا بمقدار المعونات التي تصرف بشكل شهري للأسر الفقيرة بحيث تتناسب مع الظروف المعاشة. فالوضع المعيشي في غلاء دائم والمساعدات الشهرية مكانك سر، وبالتالي لا تتناغم ولا تنسجم مع احتياجات غالبية الأسر. الوضع يحتاج إلى دراسة، وعليه يجب تخصيص مبالغ أكبر للمساعدات، كما يجب تفعيل دور الباحثات الاجتماعيات ورصد الحالات المستعجلة والبت فيها، فأمثال هذه الأسر المحرومة التي تعيش بيننا كثيرة
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1005 - الإثنين 06 يونيو 2005م الموافق 28 ربيع الثاني 1426هـ