يوم أمس زرت جدار العزل في المالكية للمرة الثانية خلال أسبوع، واستغربت كيف ان الجدار اكتمل بهذه السرعة الفائقة، وكيف تم تسليحه بالحديد والخرسانة، وكيف امتد إلى داخل البحر وعزل أهل المالكية عن مياههم التي عرفوها وعرفتهم منذ آلاف السنين.
الذاكرة عادت بي إلى العام 1979 ومن ثم إلى العام .1989 ففي العام 1979 كنت بدأت الدراسة في بريطانيا وكان أحد المحاضرين يتحدث إلينا عن تاريخ أوروبا، وعن "جدار برلين" الذي تم تشييده في العام 1967 ليفصل بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية. حين وصل إلى الحديث عن الجدار علق بالقول: "هذا الجدار سيبقى إلى الأبد، لأنه إذا حاول أحد إزالته فستقوم الحرب العالمية الثالثة وستقضي على البشرية، لأن الاتحاد السوفياتي وأميركا لديهما آلاف الرؤوس النووية على جانبي الجدار، وكل رأس نووي تفوق قدرته التدميرية ما شهدته هيروشيما اليابانية بمئات وآلاف المرات". وعليه، كان الاستنتاج، أن هذا الجدار سيبقى إلى أمد غير محدود ولن يزول.
جدار برلين كان يبلغ طوله نحو 155 كيلومترا، بينها 43 كيلومترا، كانت تشق برلين نفسها من الشمال إلى الجنوب، وكان محصنا بأكثر من مئتي قلعة لمراقبته، وكان يحرسه على مدار الساعة نحو 14 ألف شخص معززين بـمئات الكلاب البوليسية.
لم يكن أستاذ التاريخ الوحيد الذي كان يردد هذا الكلام، ففي العام 1988 "قبل عام من انهيار الجدار" قال الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران: "لا اعتقد أن سقوط الجدار أمر ممكن اليوم، فهذه قضية الأجيال القادمة". وقبل فترة وجيزة من انهيار الجدار في العام ،1989 كانت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تكرر اعتقادها بعدم قرب توحيد الألمانيتين وزوال الجدار.
في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ،1989 بعد عشر سنوات من سماع ما قاله أستاذ التاريخ، اختفى الجدار الذي عزل برلين الشرقية عن برلين الغربية، ولم تحدث الحرب العالمية الثالثة، بل تعانق الناس مع بعضهم بعضا وهم يعلنون "الإنسان أولا"...
الفرق بين برلين والمالكية ليس كثيرا، على رغم اختلاف الزمان والمكان. فجدار برلين كان يتحدى الإنسان، وجدار المالكية أيضا يتحدى الإنسان. الجداران يطرحان أن الإنسان ليس مهما وليس له أي اعتبار، والقانون الذي من المفترض أن يطبق على الجميع ليس له أيضا أي احترام أو اعتبار. وزير شئون البلديات والزراعة علي الصالح تفقد الموقع، ولكنه أيضا كاد أن يطرد من المكان هو ومن معه، على رغم أنه كان مكلفا من القيادة السياسية بالذهاب إلى الموقع ومن ثم كتابة تقرير عنه.
الغرب الديمقراطي يتحدث عن سيادة القانون على الجميع كشرط أساسي من شروط الديمقراطية، ولكن قبل الغرب كان الرسول "ص" يقول ذلك، فالناس "سواسية كأسنان المشط"، وأن عقوبة السرقة تطبق على الجميع حتى لو كانت فاطمة الزهراء "ع".
إننا ندعو إلى تطبيق حكم القانون على الجميع، وهذا ما يدعو إليه ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أعلنت الحكومة نيتها توقيعه. حكم القانون هو الضمانة للجميع، وهو ما ننشده جميعا، وهو ما أكده جلالة الملك من خلال طرحه المشروع الإصلاحي.
إن أهالي المالكية من الذين شاركوا بشكل واسع في الانتخابات البرلمانية في العام ،2002 وكانوا بذلك من القلائل في منطقة محسوبة على نفوذ الجمعيات السياسية المقاطعة. وعليه، لا ندري ما الرسالة التي تود السلطة إرسالها إليهم عبر عدم اتخاذها أي إجراء بشأن الجدار العازل؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1005 - الإثنين 06 يونيو 2005م الموافق 28 ربيع الثاني 1426هـ