العدد 1004 - الأحد 05 يونيو 2005م الموافق 27 ربيع الثاني 1426هـ

هل تتحقق القفزة النوعية في المؤتمر القطري لحزب البعث؟

محمد الحوراني comments [at] alwasatnews.com

-

مع انعقاد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث في سورية اليوم، السادس من يونيو/ حزيران، تتسارع الخطوات الإصلاحية في هذا البلد الذي طالما عانى من سيطرة الحزب الواحد على مقاليد الحكم، فضلا عن تحكم الأجهزة الأمنية في أدق تفاصيل الحياة اليومية للمواطن السوري، الأمر الذي خلق فجوة عميقة بين القيادة والشعب. واستمر هذا الوضع حتى تسلم الرئيس بشار الأسد زمام الحكم في سورية بعد وفاة والده. حينها عمد الرئيس الشاب الطموح الذي درس في بريطانيا وخبر عن قرب معاني الحرية والديمقراطية، إلى تغيير جذري في الحياة السياسية والاقتصادية السورية، تغيير يشعر المواطن السوري بإنسانيته ويدفعه إلى الزهو بانتمائه لهذا البلد.

وعلى رغم استمرار بعض التجاوزات في العهد الجديد إلا أن المواطن السوري شعر تماما بأن ثمة تغيرا في الحياة الاقتصادية والسياسية في بلده. واليوم مع انعقاد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث، والذي أراده الرئيس السوري قفزة نوعية في المسيرة السياسية والاقتصادية للبلد تتسارع الخطوات الإصلاحية التي من شأنها أن تخفف الضغط عن المواطن السوري وتعمق وحدة الصف الداخلي. ولهذا فإن القيادة القطرية لحزب البعث في سورية أصدرت تعميما في الشهر الماضي لجميع فروع الأمن والمخابرات بعدم التدخل في الحياة الاجتماعية والثقافية للمواطنين، وأعلمتهم بتعميمها هذا عدم الحاجة إلى طلب موافقة أمنية مسبقة للنشاطات الإنسانية والثقافية والاجتماعية، وحددت نحو 67 حالة لا تستدعي الحصول المسبق على موافقة السلطات الأمنية.

من جهة أخرى، وفي سابقة هي الأولى من نوعها منذ ما يقارب الربع قرن، تحدث المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين في سورية علي صدر البيانوني إلى رموز المعارضة والنشطاء السياسيين في البلاد، وذلك على لسان عضو مجلس إدارة منتدى جمال الأتاسي علي العبدالله، الذي فاجأ الحضور في المنتدى المذكور باعتلائه المنصة لإلقاء مداخلة "الإخوان المسلمين" من بين 17 مداخلة للقوى والهيئات السياسية الناشطة داخل البلاد بما فيها مداخلة حزب "البعث" الحاكم.

وفي خطوة تؤكد رغبة الرئيس السوري بإصدار قانون جديد للأحزاب وتوسيع المشاركة الحزبية في اتخاذ القرارات، أصدر القرار الجمهوري رقم 130 القاضي بضم الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى الجبهة الوطنية التقدمية. كما أصدر القرار الجمهوري رقم 17 القاضي بتسمية عصام المحايري عضوا في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية. ومن المعروف أن قيادة الحزب القومي السوري وأعضاءه عانوا فيما مضى على أيدي البعثيين وغيرهم.

من جهة أخرى، فإن الرئيس بشار الأسد ومنذ تسلمه للحكم في بلاده بدأ يعتمد على اختصاصيين شبان تلقوا علومهم في الغرب، واستدعى الكثيرين منهم من بلدان إقامتهم للاستفادة من خبراتهم في النهوض السياسي والاقتصادي لسورية. كما أن زوجته أسماء الأخرس مختصة في الشئون المالية وتربت في لندن، وهي اليوم تضطلع بدور اجتماعي كبير، إذ عملت على تشجيع النشاطات المدنية والأعمال التجارية الصغيرة. من جهة أخرى، فإن الرئيس السوري نحى الكثيرين من الساسة والضباط الذين عرفهم الشعب السوري ولفترة طويلة بأنهم الحيتان التي تبتلع كل ما في طريقها. غير أن بعض الدبلوماسيين والنقاد يقولون إن إخفاق الرئيس الأسد في كبح جماح السلطات الاقتصادية التي يتمتع بها كبار المسئولين والأقارب هو الذي سيحد من سلطاته تجاه الإصلاح الاقتصادي. ويرى بعض الخبراء أن الأسد إذا لم يحارب هذا الفساد فإن المصالح الكبيرة ستعمل على إبطال التغيير والإصلاح الذي يسعى إليه.

وفيما ينتظر الشارع السوري بفارغ الصبر انعقاد المؤتمر القطري العاشر فإن بعض المراقبين السياسيين يرون أن الحياة السياسية في سورية ستدخل مرحلة تحول نوعية بعد انعقاد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم الذي سيعقد اليوم، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن ذلك سيتحقق من خلال إصدار قانون للأحزاب يتولى إعادة تنظيم وهيكلة الحياة السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي فضلا عن النهوض الاقتصادي والخدمي الشامل. وكانت القيادة السورية اتخذت "قرارا سياسيا" يتعلق بالإعداد لقانون جديد للإدارة المحلية يؤدي عمليا إلى "انتخابات حرة" لجميع أعضاء المجالس البلدية البالغ عددها اكثر من 15 ألفا، بعيدا عن التعيين أو "القوائم المغلقة" التي كان يسميها حزب "البعث" الحاكم وباقي الأحزاب المنضوية تحت لواء "الجبهة الوطنية التقدمية"، الأمر الذي يعني انخراط السوريين لأول مرة في انتخابات بلدية حرة وديمقراطية في العام 2007 بعيدا عن الانتماء السياسي.

وإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين في سورية قد طرحت قبل أيام، ما أسمته بـ "رؤيتها للقضية الكردية" في البلاد من "منظور وطني يتجاوز ضيق اللحظة" متطلعا إلى "رحابة المستقبل"، فإن المحامي حسن عبدالعظيم الناشط في لجان إحياء المجتمع المدني والناطق باسم خمسة أحزاب محظورة، أكد أنه بدأ التحضير لعقد مؤتمر وطني شامل في سورية، مؤكدا في الوقت نفسه أن المؤتمر الوطني الشامل ستكون له انعكاساته الإيجابية على المجتمع السوري.

أخيرا بقي أن نشير إلى أن أنظار السوريين والعرب والمجتمع الدولي تتجه بكثير من الترقب إلى هذا المؤتمر، والتساؤل عن النتائج التي سيخرج بها المؤتمر القطري العاشر للحزب من توصيات ومقررات وتوجيهات وتوجهات، لاسيما ما يتعلق منها بمستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سورية.

ومن المفترض أن تؤسس هذه النتائج لمرحلة جديدة من التعاطي مع الشأن العام الداخلي أولا وقبل كل شيء، وكذلك مع الشأنين العربي والدولي، بما يضمن المزيد من الوحدة الوطنية القادرة على مواجهة التحديات المفروضة على جميع الأصعدة داخلية كانت أم خارجية. ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه عشية المؤتمر القطري العاشر هو: هل سيكون المؤتمر قفزة نوعية تخلص المواطن السوري مما علق بذهنه من ممارسات خاطئة من قبل بعض حيتان السياسة والأمن، أم أنه لن يكون أكثر من إبرة يحقن بها المواطن لتهدئته وتخفيف الضغط المفروض عليه؟

العدد 1004 - الأحد 05 يونيو 2005م الموافق 27 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً