المتتبع لأنشطة وتصريحات عدد من أبرز قيادات جمعية الوفاق الوطني الإسلامية طوال شهر تقريبا سيتمكن ببساطة من اكتشاف ملاحظتين: الملاحظة الأولى، تتعلق بتراجع الحماس السابق تجاه المسألة الدستورية، والمطالبات بالتعديلات الدستورية، إذ طرأت عدة تغيرات ملموسة في الخطاب السياسي لجمعية "الوفاق". فبعد أن كان خطابا متشددا إزاء القضية الدستورية، ويحمل عدة ثوابت لا يمكن حتى الحديث عنها، مثل صلاحيات مجلس النواب وعدد أعضاء مجلس الشورى، أصبحت هذه القضية غير واضحة البتة في خطاب الجمعية الجديد، وظهر مضمون جديد لخطاب جديد يقوم على إثارة قضايا كانت خلال العام 2002 من القضايا "الهامشية"، والتي لا "جدوى من إثارتها" باعتبارها "ليست صلب المشكلة".
هذا المضمون أصبح يتحدث أكثر عن الدوائر الانتخابية، وكيفية الخروج بنظام انتخابي جديد، ليظهر مشروع نظام انتخابي مبتكر للغاية من أحد رؤساء المجالس البلدية المحسوبين على الوفاق، يتضمن إقامة نظام انتخابي يوزع الدوائر الانتخابية إلى ثلاث دوائر "صغرى ومتوسطة وكبرى"، في الوقت الذي أكد فيه أن هذا الطرح هو موقف ومبادرة شخصية تهدف إلى تطوير النظام الانتخابي البحريني ليكون أكثر عدالة، وليكون أكثر قدرة على تمثيل شعب البحرين من خلال المشاركة السياسية، وليس مشروعا رسميا من "الوفاق" نفسها.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فتضمن المضمون الجديد للخطاب الوفاقي تأكيد "عدم عدالة توزيع الدوائر الانتخابية"، وضرورة إعادة النظر فيها، كونه لا يمثل الواقع الديمغرافي البحريني لنسبة تصل إلى أرقام خيالية. وهذه الأطروحات نشرت في الصحافة غير مرة، ولكنها بحاجة إلى التحليل، وأعتقد أنه من المهم أن يستمر المراقبون في تحليل هذا المضمون وتحديد أبرز نتائجه المتوقعة.
أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بموقع الملفات الساخنة في خطاب "الوفاق"، فمنذ سنة تقريبا كانت قياداتها تثير القضايا باختلافها طبقا لأولوياتها، مثل الفساد، التجنيس، ضحايا التعذيب، التمييز، وغيرها. وكانت التحليلات حينها، تؤكد أن تبني الجمعية هذه الملفات يعود بالدرجة الأولى إلى سعيها إلى الحفاظ على ارتباطها بالشارع، والقواعد الشعبية العامة بهدف التقليل من ظاهرة الاحتواء والتهميش التلقائي في النظام السياسي البحريني الناجمة عن إنشاء مجلس النواب، وغياب أي تمثيل للجمعية فيه. كل ذلك على رغم تأكيد قيادات "الوفاق" بشكل مستمر أن هذا الاهتمام نابع بالدرجة الأولى من الأهداف التي تأسست عليها الجمعية وإلى برنامجها السياسي العام. مثل هذه الملاحظات تعطي عدة تحليلات للسلوك السياسي للجمعية، فهي تشير إلى وجود تغييرات تدريجية في مواقفها. وهي تذكر بطرح أحد الأكاديميين البحرينيين المنشغلين بالعمل السياسي، والذي أكد - على رغم موقفه المقاطع - أن التحالف الرباعي وتحديدا "الوفاق" على أتم الاستعداد للمشاركة في الانتخابات المقبلة، إذا ما تقبل النظام تحريك أحد الملفات التي قد تساعد على تعظيم المكاسب السياسية للتحالف، وأبرزها مسألة تعديل الدوائر الانتخابية.
حينها لم أكن أتوقع أن يكون لهذا الطرح جدوى فعلية على أرض الواقع، ولكن متابعة عمل الجمعية خلال الفترة الماضية يعكس خلاف ذلك، ويؤكد هذا الطرح، وخصوصا مع الإعلان عن قيام "الوفاق" بإجراء مشاورات لاتخاذ قرار من مسألة المشاركة أو المقاطعة في الانتخابات المقبلة بعد أن كانت مسألة المشاركة مرتبطة بالتعديلات الدستورية. إلا أن البرنامج المنظم للتحالف الرباعي لإقامة فعاليات ضغط جماهيرية - مثل المسيرة المطالبة بالإصلاح الدستوري التي ستقام في السابع عشر من الشهر الجاري - ستبقى من دون جدوى إذا كان التحليل السابق لخطاب "الوفاق" صحيحا
العدد 1003 - السبت 04 يونيو 2005م الموافق 26 ربيع الثاني 1426هـ