اليوم ذكرى 5 يونيو/ حزيران . 1967 ومنذ 38 سنة يتكرر السؤال: ماذا فعلنا للخروج من الهزيمة؟ وكيف تصرفت الجهات المسئولة عن تلك الكارثة لمحاصرة عناصر الضعف في الأمة؟ حتى الآن لا نحصد سوى الخيبات. فالأنظمة تخاف من شعوبها ولا تثق بالناس وتحاصرهم.
قبل أكثر من 800 سنة أوقع القائد الايوبي صلاح الدين أول هزيمة كبيرة في قوات الفرنجة "الصليبية" في حطين. وكانت هذه المعركة بداية مواجهة مفتوحة امتدت أكثر من 100 سنة انتهت بتحطيم ممالك الفرنجة وإخراجها نهائيا على يد قوات المماليك. المعركة كانت طويلة امتدت أكثر من 200 سنة وانتهت إلى ما يجب أن تنتهي إليه: عودة الحق إلى أهله.
لم يبدأ صلاح الدين من فراغ بل أسس حروبه على تلك النجاحات العسكرية التي حققتها الدولة الزنكية "عماد الدين، ونور الدين". ولم تنته الحرب ضد الفرنجة في عهد صلاح الدين بل امتدت قرابة قرن بعد رحيله وانتهت في عهد دولة المماليك. فحرب التحرير جرت في ثلاثة عهود وقادها رجال ينتمون إلى دول ثلاث. وهذا يؤكد وحدة المعركة ووحدة الهدف ووحدة المصير بغض النظر عن الطرف الذي يدير الحرب ويحدد أساليبها وتكتيكاتها.
صلاح الدين الايوبي اكتشف قبل ألف عام من أيامنا بعض البديهيات التي اشتغل عليها قرابة 20 سنة تمهيدا للمواجهة مع الفرنجة. ونحن حتى الآن لم ندرس تلك القوانين التي اشتغل عليها صلاح الدين فنستفيد منها لإعادة تأسيس تلك المواجهة الطويلة المطلوبة.
صلاح الدين مثلا اكتشف أهمية وحدة الجبهة المصرية - الشامية فاشتغل على توحيد بلاد الشام ومصر. واكتشف نقاط ضعف الجبهة المصرية فقام بتعزيز قلاعها ومدنها. ولاحظ أن نقطة ضعف المسلمين في البحر فعمد إلى تحصين الثغور وتجهيزها لصد كل محاولات الاختراق. واكتشف أن الفرنجة يحاولون نقل اسطولهم إلى البحر الأحمر لتطويق بلاد الشام ومصر فأرسل قواته إلى اليمن ليضبط العمق الاستراتيجي لقواته ويقطع الطريق على الفرنجة.
بعد أن انتهى صلاح الدين من تطوير عناصر القوة السياسية بدأ يعمل على استنهاض الحال الثقافية - الدينية فاستفاد من شبكة المدارس النظامية، واعتمد على جيوش المتعلمين، وطور تنظيم جيشه فاستقدم أصحاب الخبرة من ضباط العراق "الموصل تحديدا" واستخدم معارفهم لتحسين أدوات القتال، واستقدم تلك الفرق المتخصصة في رمي الرماح والنبال لاختراق الدروع البشرية للفرنجة. كذلك طور المنجنيق "تشبه المدفعية في أيامنا" لاختراق الحصون والقلاع الافرنجية.
لم يكتف صلاح الدين بهذه الجوانب بل استنجد بالعلماء والفقهاء لبث روح التضحية، واتصل بالقاضي الفاضل وتراسل معه واتبع توجيهاته وتعليماته. فصلاح الدين لم يترك ثغرة إلا واقدم على سدها حتى لا تشكل نقطة ضعف في جبهته الداخلية، فاستخدم كل الوسائل التقنية والعلمية والتنظيمية والثقافية، وأعطى لكل صاحب حق حقه حتى اتسعت مساحات مجاله العسكري وبات في استطاعته تجييش القوى من مصر والعراق وبلاد الشام.
بعد ذلك أخذ صلاح الدين يعمل على اضعاف جبهة خصومه فاستغل كل الثغرات لضربهم وتشتيتهم وزرع الخلافات بينهم. كذلك اقدم على توقيع اتفاقات تجارية مع بعض مدن أوروبا الجنوبية "المتوسطية"، واغراء تلك الممالك حتى لا تشارك في الحروب أو تدعم أو تمول الحملات التي كان يتوقعها ردا على بدء هجماته.
لم يبدأ صلاح الدين حربه إلا بعد عمل جدي استمر قرابة 20 عاما ترك خلالها الاعداء يرتكبون الأخطاء مستفيدا منها كذريعة حتى حانت اللحظة، وضرب ضربته الكبرى في حطين... وبعدها تهاوت المدن المحتلة وتفككت الممالك واحدة بعد أخرى. تجربة صلاح الدين قبل أكثر من 800 سنة غنية بالدروس وعناوينها تعطي الكثير من النقاط الثابتة التي لم تتغير حتى أيامنا منها تلك المتعلقة بتحصين الجبهة الداخلية وتوحيد القوى السياسية وتطوير العدة والعتاد وأدوات الحرب والاستراتيجيا العسكرية وغيرها من عناصر يأتي في طليعتها احترام المثقف والتعامل معه بتواضع والاستفادة من علومه ودوره في تطوير عوامل القوة "القاضي الفاضل مثلا".
كل هذه الخطط أسهمت في صناعة النصر وهذا ما يجب أن تستفيد الأنظمة العربية منه للخروج من هزيمة 5 يونيو، ولكن من ينظر إلى العالم العربي يرى أن دوله تعمل على عكس خطط صلاح الدين واستراتيجيته. فهل من ضرورة للتذكير بالسؤال: ماذا فعلنا للخروج من الهزيمة؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1003 - السبت 04 يونيو 2005م الموافق 26 ربيع الثاني 1426هـ