قال السيدمحمد حسين فضل الله في خطبة صلاة الجمعة ان "إسرائيل" تقرر تنفيذ أكبر عملية هدم لمنازل المقدسيين شرقي القدس، ما سيؤدي الى تهجير ما يقارب ألف فلسطيني بحجة إقامة "مدينة داوود" في المنطقة التي تزعم أنه كان يستحم فيها من نحو ثلاثة آلاف سنة، في الوقت الذي يملك فيه أصحاب المنازل شهادات ملكيتهم لها قبل قيام الدولة العبرية التي ترتكز في شرعيتها الدينية على الأساطير التي حولتها الى حقيقة لدى الغربيين الخاضعين للمنطق اليهودي الأسطوري.
وأضاف فضل الله انها لاتزال تواصل بناء الجدار العنصري العازل الذي يهدد قرى فلسطينية، تصادر أراضيها، وتهدم منازلها، من دون أن نسمع أي اعتراض أو استنكار أميركي أو أوروبي ضاغط على اليهود في وحشيتهم التدميرية، هذا الى جانب القلق الذي تعيشه الساحة الفلسطينية بين حركتي "حماس" و"فتح" لاعتبارات انتخابية بلدية، ما قد يربك الواقع الفلسطيني على المستوى الأمني والسياسي الذي قد تستفيد منه "إسرائيل". ولا ندري ما الذي حمله رئيس السلطة الفلسطينية من أميركا، هل هي الوعود "العرقوبية" التي لا وفاء لها، أو هي مشروعات جديدة لحساب المصالح الإسرائيلية على حساب المصالح الفلسطينية؟
إن المرحلة الحاضرة هي مرحلة إضاعة القضية الفلسطينية في ثوابتها الوطنية، ما يفرض على الشعب الفلسطيني أن يكون واعيا لحاضره ومستقبله في حماية المشروع التحريري وامتداداته الجهادية، وذلك بالوحدة الوطنية التي تجمع الشعب وتحضن القضية كلها، ولا سيما أن الإعلام يحدثنا عن منظمات يهودية متطرفة تدعو الى اقتحام جماعي للمسجد الأقصى في ذكرى احتلال القدس، فكيف يقف المسلمون أمام هذا الخطر الجديد لمقدساتهم، وما هم فاعلون؟
أما العراق، فلايزال يعيش تحت وطأة المعاناة التي تصنعها قوات الاحتلال من جهة، والجماعات التكفيرية من جهة ثانية، ولاتزال الفوضى التي تسيل فيها الدماء أنهارا في العمليات الإجرامية التي تستهدف المواقع المدنية في غالبها، وتنطلق من حقد أعمى تغذيه عصبيات يرفضها الإسلام، كما قد يغذيه الاحتلال في خطته التي تعمل على الاستمرار في الاحتلال، والتي يفجر فيه البعض نفسه في تجمع مدني هنا وهناك، كما حدث في مدينة الحلة.
إن هذه الفوضى قد بلغت مستوى لا يطاق من السكوت عنه وعدم إدانته، لذلك ندعو علماء المسلمين - من السنة والشيعة - لإيجاد آلية مشتركة تعمل على استنكار وإدانة هذه الأعمال بالفم الملآن، وتؤكد أنه لا شرعية دينية لها، وأن من يرتكبها يستحق الإدانة في الدنيا، وينال الخيبة والخسران في الآخرة. ومن خلال هذا المناخ الإجرامي، نلاحظ هذه البدعة الجديدة التي تماثلت في العراق وباكستان، في تفجير المساجد وقتل المصلين، إذ يقوم بعض الأشخاص الذين خضعوا لعملية غسل لأدمغتهم بتفجير أنفسهم في المساجد، من خلال الإيحاء لهم بأن قتل هؤلاء المصلين في مساجدهم يعجل بهم الى دخول الجنة!
إن الخطورة تكمن في أن هذه الثقافة تحاول أن تقدم للعالم الإسلامي نموذجا من الشباب الذي لا يحمل في نفسه رحمة متوازنة، بل حقدا أعمى يسهم في تعقيد العلاقات الإسلامية - الإسلامية، ويعمل على تقويض حركة الوحدة الإسلامية لمصلحة الاستكبار، ما يستدعي حركة مضادة وسريعة من علماء المسلمين من السنة والشيعة، ومن منظمة المؤتمر الإسلامي، ومن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومن كل المرجعيات الدينية في مصر والعراق وإيران، لتعمل على حصار هذه النار الإرهابية الإجرامية التكفيرية التي تأكل الأخضر واليابس، بما لا يقل عن خطر الاحتلال نفسه.
أما في لبنان، فإننا نواجه التفجير الأمني الذي انطلق مجددا في اغتيال الصحافة عبر الجريمة التي طالت واحدا من رموزها، بعد أن واجهنا سابقا اغتيال السياسيين، وتفجيرات المواقع الاقتصادية والاجتماعية، ما يثير الكثير من القلق والإرباك من خلال خفافيش الليل وذئاب النهار. إننا ندعو المواطنين الى أن يتحول كل مواطن الى حارس للأمن، بحيث تكون له حساسية المراقبة للمجرمين أيا كانوا من الداخل والخارج، لأن لبنان يتنفس في استقراره وانفتاحه برئتي الأمن والحرية، فعلينا أن نحافظ عليهما. أما في المشهد الانتخابي، فإننا نريد من اللبنانيين ألا يعيدوا إنتاج لبنان الطائفي، بل يبقى في وجدانهم لبنان الموطن الذي يتطلب فيه الإنسان حقوقه ويعمل لتأدية واجباته من موقع مواطنيته لا طائفيته، كما نريد لهم أن لا ينتخبوا الشخص بذاتياته بل أن ينتخبوا القضية والبرنامج، ويتطلعوا الى لبنان المستقبل كيف يصنعونه، وليفحص كل واحد منكم ضميره ومسئوليته أمام الله، وليدرس كل واحد منكم خلفيات الأشخاص ومدى خضوعهم للوصاية الأجنبية، أو سقوطهم تحت تأثير المال السياسي الذي تشترى فيه الضمائر وتباع فيه المواقف. البلد يعيش أكثر أبنائه تحت خط الفقر، ويواجهون التخدير السياسي الذي يشغلهم عن آلامهم وآمالهم
العدد 1003 - السبت 04 يونيو 2005م الموافق 26 ربيع الثاني 1426هـ