العدد 1002 - الجمعة 03 يونيو 2005م الموافق 25 ربيع الثاني 1426هـ

احتدام الداخل السوري

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

حتى وقت قريب بدا الاحتدام الداخلي في سورية مقتصرا على الجانب السياسي، والاساسي فيه كان افتراق بين السياسة الرسمية ومواقف الجماعات المعارضة سواء كانت تعبيراتها الداخلية وابرزها التجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم الاحزاب الرئيسية للمعارضة، أو في تعبيراتها الخارجية وابرز تنظيماتها جماعة الاخوان المسلمين قبل ان ينضم اليها الى هذا النسق من المعارضة الخارجية التيار الاميركي ممثلا بحزب الإصلاح السوري الذي يقوده فريد الغادري.

ووسط هذا الوضع من الاحتدام السياسي في سورية، كانت ثمة تفريعات تتعلق بخلاف السياسة الرسمية وتناقضها مع مطالب ومواقف منظمات حقوقية وهيئات مدنية مثل لجان احياء المجتمع المدني وجماعات حقوق الإنسان في سورية.

غير أن الاحتدام السوري، اخذ بالاتساع في الفترة الاخيرة، ليس فقط في جانبه السياسي لجهة تعدد وتنوع الاطراف في الداخل ومنها توسيع جبهة حلفاء السلطة بعد ضم الحزب القومي الى التحالف الذي يقوده حزب البعث، وولادة عدد من الاحزاب الجديدة في سورية، بل بامتداد الاحتدامات الى داخل حزب البعث عشية انعقاد المؤتمر القطري العاشر للحزب والمفترض عقده بداية يونيو / حزيران المقبل، وقد زادت الاحتدامات عما سبق في انتقالها الى الجانب الاقتصادي الذي تعددت مظاهر التعبير عنه في الفترة الاخيرة.

ان السبب الرئيسي للاحتدام بين السلطة والمعارضة هو اختلافهما في تشخيص الواقع السوري وبالتالي عدم توافقهما بشأن الوسائل والآليات المطلوب اعتمادها في التعامل مع الواقع، الامر الذي رسخ افتراقا عبر عن نفسه في اعتقالات واستدعاءات أمنية تمت ضد نشطاء وشخصيات سياسية مازالت مستمرة.

اما سبب الاحتدامات المتصاعدة داخل حزب البعث فاساسها المنافسات الجارية بين قيادات وكوادر البعث عشية المؤتمر القطري العاشر المقبل، إذ من الواضح، انه وفي ظل الارتباك القائم داخل البعث وضبابية التوجهات والاحتمالات الممكنة سواء بالنسبة إلى حزب البعث أو لسورية، يحاول كل طرف أو تيار داخل البعث اقامة تجانس يدخل فيه المؤتمر ليؤثر على نتائجه اللاحقة. وعلى رغم ان تعبيرات الاحتدام داخل البعث بدت واضحة في الانتخابات الحزبية لاختيار اعضاء المؤتمر القطري، فتم ابعاد بعض الشخصيات، أو تصعيد بعضها، وجرى تسريب تعليقات على هذه النتائج الى الصحافة العربية، فقد كان لمشاركة نشرة كلنا شركاء لسورية التي يديرها ايمن عبدالنور وهو شخصية بعثية معروفة، دور كبير في التعبير عن الاحتدام داخل البعث، خصوصا بعد مانشر فيها من نقد لممارسات قيادات بعثية من الصف الاول اتهمها "بالتقصير والفساد وعدم الكفاءة" بينهم اعضاء في القيادة القطرية، وكذلك الامين العام المساعد للحزب عبدالله الأحمر الشخصية الثانية في الحزب، والذي رد على ذلك النقد في مذكرة مطولة نشرتها كلنا شركاء، تبعتها تعليق انتقادي لمحرر النشرة.

وكانت الى جانب ما سبق تعبيرات اخرى عن الاحتدامات داخل البعث منها ما نشر بشأن افلاس مجموعة الديري الاقتصادية بحلب ونشرت اسماء لمسئولين كبار شركاء في رأس مالها بينهم عضو القيادة القطرية ورئيس الوزراء السابق مصطفى ميرو ومحافظ حمص اياد غزال، وهو امر استتبع فتح ملف فساد للمدير العام لمؤسسة الوحدة فايز الصايغ الذي انتخب أخيرا عضوا في المؤتمر القطري وسط توقعات باحتمال وصوله الى القيادة القطرية المقبلة.

والجانب الآخر من الاحتدامات السورية الصاعدة، يمثله الاحتدام الاقتصادي، وقد تصاعدت في الآونة الاخيرة اعتراضات من جانب رجال اعمال من الصناعيين والتجار بشأن تمييز بعض رجال المال والاعمال من ذوي العلاقة الخاصة بالسلطة، والاعتراض على الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وعجز الاجراءات الحكومية عن معالجتها، بل ان الاحتدامات عبرت عن نفسها في الاعتراض على نتائج انتخابات غرف التجارة التي تمت أخيرا وتدخل الحكومة فيها، وقد اضطرت وزارة الاعلام السورية الاسبوع الماضي الى منع تداول العدد الأخير من مجلة "المال" التي تصدر في دمشق بسبب انتقادات وجهها رجل اعمال سوري الى سياسات الحكومة التي وصفها بانها "حكومة تصريف اعمال".

ان احد تعبيرات الاحتدام الاقتصادي برز عشية عقد المؤتمر الوطني الأول للصناعة السورية، إذ صاغ الصناعيون لاول مرة مطالب هدفها اجراء تغييرات قانونية واجرائية في الوضع الاقتصادي، اقترنت بالتأكيد على ان المؤتمر "لن يكون مؤتمر خطابات وتسجيل حضور" في ظل ما يعانيه قطاع الاعمال السوري، وما تشهده سورية من ضغوط وتحديات من الخارج.

خلاصة القول، ان الواقع السوري يشهد احتدامات داخلية متنوعة ومتصاعدة، باتت تتطلب حركة نشطة من جانب السلطات لمعالجة هذه الاحتدامات، أو على الأقل التخفيف منها من خلال اجراءات عاجلة، تتوافق مع مطالب الاصلاح السياسي والاقتصادي التي كررتها المعارضة على مدار السنوات الماضية، ومن دون المضي في هذا الخيار، فان من شأن الاحتدامات القائمة اذا استمرت متصاعدة ومن دون معالجة، ان تفاقم الأوضاع السورية، وتدفع سورية الى ظروف خارج السيطرة في وقت تتعرض فيه لتحديات داخلية وخارجية كبيرة

العدد 1002 - الجمعة 03 يونيو 2005م الموافق 25 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً