العدد 1002 - الجمعة 03 يونيو 2005م الموافق 25 ربيع الثاني 1426هـ

الليبرالية الجديدة... "الصورة الجديدة للتوحش البشري"

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

"نحتاج الى القطع مع المعتقد الجديد أو الحتمية التاريخية التي يعلمها منظرو الليبرالية "أعداء الحتمية التاريخية الماركسية سابقا"، ورفض البديل الجديد: إما ليبرالية وإما بربرية!".

الفرنسي بيير بورديو

"الأغنياء ينمون أغنى والفقراء ينمون أفقر"، هكذا تسير الحال في الليبرالية الجديدة neoliberalism. عندما يسمع الناس هذه الكلمة فهم يفكرون في الجيش الأميركي بأفغانستان والعراق، بالاحتجاجات في سياتل وجنوى، ويراقبون رفض الأوربيين المتزايد لتطبيق الدستور الأوروبي الموحد، وفي التلويح باستخدام الآلة العسكرية الأميركية لنشر الحرية والديمقراطية، إذ يكون مفهوم الحرب ظلا لليبرالية في شكلها الجديد.

لو كان كل شخص على هذا الكوكب ليبراليا متحمسا للسوق الحرة، فستكون نهاية المسألة، وبهذا سيدخل العالم عهدا جديدا. لكن بالطبع. بعض الناس يعارضون السوق، وتأثيرات السوق وفلسفتها. إن السوق كنظام سياسي واجتماعي دائما ما يفرض ضد المعارضة، فالثورات والاحتجاجات في الغالب كانت ضد السوق أو من أجلها، وتلك حقيقة تاريخية لا خلاف عليها. في ديمقراطيات السوق الغربية ذات المجتمعات المستقرة والأكثر نجاحا في التاريخ. نجد أن مبدأ السوق الحرة مقبول من قبل أكثر من 90 في المئة من سكانها. والليبرالية الجديدة هي شكل توسعي لليبرالية السوق في إطارها الغربي، هذا رابطها الرئيسي، وهي ليست فتحا معرفيا، أو عقيدة سياسية جديدة، فالتوسع هو صفة ملازمة للسوق، والليبرالية عنصر مكمل من عقيدة التاجر التوسعي، من الخطأ إلقاء الليبرالية الكلاسيكية الى التاريخ، والترويج لوهم يصفه البعض بالفتح المعرفي، وهو ما يدعى بالليبرالية الجديدة.

يعتقد الليبراليون الجدد أو مروجو "عولمة السوق" بأن شكل المجتمع يجب أن يكون نتيجة عمليات محددة ذاتية، هذه العمليات يجب أن تكون تفاعلية ويشارك فيها كل أفراد المجتمع. وتذهب هذه الرؤية الى عدم الوثوق بأي تدخل بالسوق، ويدعون بأن توزيع الثروات هو نتيجة طبيعية لنظام السوق، ويرفضون فكرة إعادة توزيع الثروات كهدف في نفسه، إلا بما تفرضه السوق من آليات خاصة بها، تنتجها السوق بما يقتضيه نظامها الخاص.

ليبرالية الغرب الجديدة ترفض أي نظام لتخطيط المجتمع، سواء كان هذا النظام ذا مرجعية أخلاقية أو طوباوية أو دينية. يجب على المجتمع أن يتخلص من أية أهداف ثابتة، لذلك تجد الليبرالية الجديدة عدائية أصلا لكل المجتمعات غير الليبرالية والتي لا تخضع للتنافسية، فالليبرالي الجديد لا يرى الآخر ببساطة كمختلف، لكن كخاطئ ومخالف. هذا ما يجعل من الليبرالية الجيديدة عدوة للإنسان في حالات تساميه الاجتماعية، صديقة له في رغباته وطموحاته التوسعية والربحية، بمعنى أن الليبرالية الجديدة هي ذلك الإنسان الذي يصنعه السوق، إنسان الصراع والطلب والربح والتوسع والسرقة والغش والخداع والتزييف والثراء الفاحش والسيطرة والسطو المدني او حتى المسلح.

إن الرفض الليبرالي للقيم الأخلاقية يبدو رسميا في الفكرة الليبرالية لحقوق الإنسان، فالبشر خير وشر، ولهم جميعا حقوق متساوية. دعت الفلسفة الليبرالية الكلاسيكية للحرية كقيمة، حتى مع رفضهم اعتبارها قيمة. هذا ما يجعل اليسار الأوربي يخوض معركته الأخيرة في رفض الدستور الأوربي الموحد، والذي يصفه الكثيرون بأنه صورة نموذجية لليبرالية الجديدة، فالسوق الأوروبية المشتركة هي حقيقة الدستور الأوربي الجديد وليس الإنسان الأوربي.

يؤمن الليبراليون بالمساواة الرسمية بين المشاركين في المجتمع، لكن الغالبية فيهم يؤمنون بعدم المساواة أيضا في الموهبة. الكثير من الليبراليين كانوا متعاطفين مع النظريات الحيوية من عدم المساواة "نظريات الاختلافات العرقية الوراثية"، وهذه حال السوق، رابحون أذكياء خلقوا وفيهم دماء التجارة والربح، وآخرون تعساء لا يجيدون لغة التجارة والربح، أو هم أعراق تباع في السوق، ولما يعرفوا كيف يبيعون أو يشترون.

لابد أن تكون أية فكرة سياسية حديثة تحاول النظر في عالمية حقوق الإنسان متنبهة الى أهمية الربط المباشر بين السياسي والاجتماعي، لا يمكن أن ننتج ديمقراطية سياسية من دون الإعتماد في خط متواز على نظام اجتماعي متكامل، يضمن حياة الأفراد والطبقات المحرومة، وهذا ما يحتج به في الغالب اليسار السياسي الأوربي.

السوق الكونية

الليبرالية الجديدة غالبا ما تروج كعقيدة عالمية جامعة، والليبراليون يريدون أن يفرضوها على كامل الكوكب، وعلى كامل الإنسانية على اختلاف جغرافياتها. دعموا توسع المجتمع الليبرالي في كل مكان بالعالم ولو كلفهم هذا خسائر آنية كبيرة "تجارب أميركا اللاتينية كالأرجنتين والبرازيل".

الشكل الذي تستطيع هذه العقيدة أن تنمو فيه هو مجتمع السوق، فالسوق هو من يستطيع فرض التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي، لذلك أذهب الى استبدال منتجة العولمة المستهلكة "القرية الكونية" إلى منتجة أربطها بالليبرالية الجديدة وهي "السوق الكونية"، إذ إن القرية تحمل ضمنيا ملامح ومؤشرات الانصهار للثقافي والاجتماعي والسياسي بمعية الاقتصادي، وهذا ما تنكره الليبرالية الجديدة، فهي ترى أن الارتباط بالسوق المشتركة الكونية هو الطريق نحو اكتمال الروابط الأخرى.

ليست السوق الحرة ببساطة "تبادل" أو "تجارة"، ولا يستطيع أي شخصين يتبادلان المنتجات والسلع أن يشكلا سوق حرة في الإحساس الليبرالي الجديد، فعنصر المنافسة يتغيب في مجتمع الشخصين، السوق الحرة بالمفهوم الجديد أقل ما تحتاج له هو مجتمع ثلاثة أطراف - اثنان منهم في المنافسة - على سبيل المثال "بائعان متنافسان ومشتر واحد".

الضغط الناتج بين هؤلاء الثلاثة هو بنية طبيعية ومنظمة غير مفتعلة، هذه القوة تظهر إلى الوجود من دون أي عمل واع من قبل أي طرف من الأطراف الثلاثة. في الأسواق الحديثة هناك ملايين الأطراف، والليبراليون معادون إلى الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، ولقد آمنوا بالحروب الأميركية الأخيرة لأنهم بذلك "يفتحون الأسواق".

هناك قواعد خاصة لليبرالية الجديدة مثل "تصرف وفق الالتزام بقوى السوق"، "القبض على السوق ولا أهداف أخرى"، "سوق حرة من الأعلى للأسفل"، جميع هذه الترادفات تصل الى بنية مجتمعية غاية في التنظيم والاكتمال. الحقيقة أن السوق هي السلطة، ومتى انفصلت السلطة عن السوق. ببساطة ان الأيديولوجيا حين ترتبط بالسلطة تصبح فكرا، وحين تفشل تسمى بالوهم الجماعي. وفي الغالب الليبرالية الجديدة تلعب دور "الفكر" والمعارضون التعساء لليبرالية الجديدة هم أسرى "الوهم الجماعي".

الليبرالية الجديدة والقديمة

مفهوم "الجديدة" يعطي إحالة الى نوع جديد من الليبرالية. فماذا كان النوع القديم؟ المدرسة الليبرالية في الاقتصاد اشتهرت في أوروبا على يد البريطاني آدم سميث، هي دعوة لإلغاء التدخل الحكومي في الأمور الاقتصادية، إذ لا قيود على التصنيع، لا موانع على التجارة، ولا تعريفات، يقول سميث "التجارة الحرة كانت أفضل طريق لتطوير اقتصاد الأمم".

إلا أن "الليبرالية" لا تقدم فقط كمنظومة اقتصادية سياسية، بل من الممكن أن تقدم بمرجعية أفكار دينية أو اجتماعية. الليبرالية السياسية الأميركية كانت استراتيجية لمنع النزاع الاجتماعي. تلعب الليبرالية دور المسار التقدمي لطيف واسع من النظم السياسية التقليدية، لكنه بديل لا يستشعر الإنسان بل يسعى لإرضاء تلك الكتل الكبرى، وما بعدها من أمة الوسطاء المجتمعيين، أما الطبقات الفقيرة فهي خارج المعادلة.

يقول الليبراليون الجدد "سوق غير منظمة أفضل الطرق لزيادة النمو الاقتصادي، وهو ما سيستفيد منه كل شخص في النهاية" وحول العالم، فرضت الليبرالية الجديدة بالمؤسسات المالية القوية مثل صندوق النقد الدولي "IMF"، والبنك الدولي والبنك الأميركي للتنمية.

تنتشر الليبرالية الجديدة في جميع أنحاء أميركا اللاتينية. والمثال الأوضح لهذه الانتشارية يتمثل في تشيلي، فبعد انقلاب الاستخبارات المركزية المدعومة ضد نظام الليندي المنتخب بشكل شعبي في العام .1973 أصبحت تشيلي أول مستورد فعلي لليبرالية الجديدة. اليوم في أميركا اللاتينية، تقف الليبرالية الجديدة ضد برامج الخدمات الاجتماعية؛ وتهاجم حقوق العمل، وتعتبر أكثر دعواتهم إلحاحا في الولايات المتحدة هي "تخفيض الأجور" وتقليل مخصصات الضمان الاجتماعي، وفي المكسيك نجحت الليبرالية الجديدة في خفض نسب الرواتب الى 40 في المئة، بينما زادت كلفة المعيشة بنسبة 80 في المئة. هكذا تتحول الليبرالية الجديدة الى حلم القلة من أثرياء العالم بمزيد من الربح والثراء، فتنمو الإمبراطوريات وتزداد قوة، أما الإنسان فهو ببساطة ضحيتها الأولى

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1002 - الجمعة 03 يونيو 2005م الموافق 25 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً