يناقش المقال التحليلي لهذا الأسبوع التطورات الجارية في برنامج الخصخصة. باختصار يمكن القول إن الحكومة أصبحت تعتبر الخصخصة خيارا استراتيجيا للمستقبل الاقتصادي للبحرين. في قراءة سريعة لموضوع الخصخصة يلاحظ تسجيل تطورات منها: منح دور ريادي للقطاع الخاص في إنتاج وإدارة الكهرباء، تحويل تشغيل مينائي سلمان وخليفة بن سلمان للمستثمرين، تأسيس شركة لإدارة أصول القطاع العام في المشروعات السياحية والعمل على تحويل حلبة البحرين الدولية لعهدة القطاع الخاص.
فيما يأتي تقرير عن التطورات الجارية في برنامج الخصخصة.
أولا: قطاع الكهرباء
قررت الحكومة في شهر أبريل/ نيسان الماضي تحويل إدارة محطة الحد "المرحلتين الأولى والثانية" للقطاع الخاص ويتوقع إرساء العقد على إحدى الشركات الدولية في وقت لاحق من العام الجاري أو بداية العام المقبل. يذكر أن محطة الحد تعتبر الأهم في الشبكة الوطنية بسبب سعتها الإنتاجية والتي تصل لنحو 1050 ميغاوات عند الضرورة، أي أكثر من نصف الطاقة المتوافرة في الوقت الحاضر والتي تبلغ 1843 ميغاوات.
بالإضافة إلى أنه يلزم القرار الحكومي الشركة الفائزة لإدارة محطة الحد اتخاذ خطوات لإضافة 60 مليون غالون يوميا من المياه المحلاة وذلك في إطار الخطة الثالثة لمشروع توسعة المحطة. يذكر أن بمقدور محطة الحد إنتاج 30 مليون غالون يوميا من المياه في الوقت الحاضر.
كما أكدت الحكومة أن القطاع الخاص سيتولى إنتاج أية توسعة جديدة للكهرباء في المستقبل. بحسب مجلة "ميد" يبلغ نمو الطلب على الكهرباء في البحرين نحو 7 في المئة سنويا الأمر الذي يؤكد الحاجة لإنشاء محطة جديدة لإنتاج ما بين 250 و 300 ميغاوات كل سنتين.
يذكر أن شركة الخليج للاستثمار الكويتية وشركة "تراكيبل" البلجيكية تعملان في الوقت الحاضر على إنشاء محطة طاقة خاصة لإنتاج ما بين 950 ميغاوات و1000 ميغاوات بكلفة 189 مليون دينار. ومن المنتظر أن يتم الانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع قبل حلول صيف العام ،2006 إذ سيتم تزويد الشبكة الوطنية بـ 420 ميغاوات على أن يتم تزويد المتبقي في العام .2007
ثانيا: ميناءا سلمان وخليفة
في حال سارت الأمور كما خطط لها فمن المحتمل توقيع تشغيل عقد تحويل إدارة الخدمات في ميناء سلمان في المنامة وميناء خليفة بن سلمان في الحد لإحدى الشركات الدولية قبل انتهاء فصل الصيف. المعروف أن ميناء خليفة بن سلمان لايزال قيد الإنشاء. وقد تبين حديثا أن ثلاث شركات تتنافس فيما بينها للحصول على عقد التشغيل وهي "مارسك" الدنمركية و"هايتشسون بورت هولدينغ" والتي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها و"انترناشينال كونتينر سيرفسز" الفليبينية. وفي تطور خرجت شركة "ميرسي دوكس أند هربور" البريطانية من دائرة المنافسة. عموما فإن الشركات المتبقية ربما لا تقل خبرة عن الشركة البريطانية وخصوصا أن القائمة تضم شركة "مارسك" الدنماركية الشهيرة. يلزم العقد الشركة الفائزة باستثمار 25 مليون على أعمال التطوير طوال مدة العقد والتي تمتد لـ 25 سنة.
ثالثا: شركة خاصة لإدارة أصول الحكومة في القطاع السياحي
قررت الحكومة أخيرا إنشاء شركة لإدارة أصول القطاع العام في مخالف المشروعات السياحية في البلاد. وبحسب الإعلان فإن رأس مال الشركة الجديدة المزمع إطلاقها سيكون 250 مليون دينار. وسيتم بيع 60 في المئة من أسهم الشركة للقطاع الخاص وذلك بواسطة اكتتاب عام في وقت لاحق. المعروف أن لدى الحكومة حصصا استراتيجية في الكثير من المشروعات الحيوية على طول وعرض البلاد مثل درة البحرين والتي تبلغ كلفتها 490 مليون دينار والعرين والتي بدورها تبلغ كلفتها 283 مليون دينار "تسهم الحكومة بـ 50 في المئة في المشروعين الضخمين" فضلا عن المشروعات الأخرى مثل الترفيه العائلي وعقارات السيف.
ويلاحظ في هذا الصدد أن ندوة الإصلاح الاقتصادي والتي عقدت بتاريخ 24 فبراير/ شباط برعاية سمو ولي العهد كانت قد أكدت أهمية تأسيس شركة قابضة لإدارة أصول الحكومة في القطاع العام. وبحسب تقرير خاص عن البحرين نشرته مجلة "ميد" المتخصصة في شهر مايو/ أيار يوجد توجه لتحويل أصول الحكومة للمستثمرين ليس فقط في قطاع السياحة بل في مجالات قطاعات أخرى عموما.
رابعا: حلبة البحرين الدولية
أخيرا وليس آخرا، هناك نية جادة في تحويل إدارة حلبة البحرين الدولية للمستثمرين من القطاع الخاص. ومن المحتمل أن يحدث تطور نوعي قبل انطلاق سباق الفورمولا 1 في العام .2006 ويبدو أن الجهات المسئولة قد شرعت في تنفيذ المخطط وذلك بإجراء تقييم للشركات الراغبة بتقديم عطاءاتها لإدارة الحلبة. المعروف أن الحكومة استثمرت مبلغا وقدره 150 مليون دولار "57 مليون دينار" لإنشاء الحلبة. وبحسب المدير العام للحلبة "مارتن ويتكر" فإن مسابقة العام 2005 أسهمت بـ 160 مليون دولار "60 مليون دينار" في النشاط التجاري في البلاد. ويتوقع أن يسهم القطاع الخاص بتنفيذ المشروعات المقترحة مثل إقامة الفنادق وذلك ضمن المخطط العام الجاهز لتطوير هذه المنطقة الواقعة في جنوب شرق البلاد.
ملاحظات عامة
المؤكد أن برنامج الخصخصة يدخل ضمن الخطط الرامية لتحرير الاقتصاد من سيطرة القطاع الحكومي وهو توجه صحيح طال انتظاره. حقيقة نتمنى أن نرى تخصيص المزيد من القطاعات ويبدو أن هذا التوجه موجود بحسب مجلة "ميد" على الأقل. وللتأكيد فإننا نرى صواب برنامج الخصخصة حتى يتسنى للقطاع الخاص أن يقوم بدوره الطبيعي في الاقتصاد المحلي. المعروف أن القطاع الخاص بمقدوره أن يدير بشكل أفضل بسبب تركيزه على الربحية، ما يعني ضرورة تقديم القيمة والخدمة للمستهلكين. وللتوضيح فإننا لا نزعم بأن القطاع العام سيئ بل أن وظيفة الحكومة تكمن في تنفيذ القرارات وليس في منافسة القطاع الخاص في الأمور التجارية. وخير مثال على ذلك الدور المناط به لهيئة الاتصالات في التأكد من وجود منافسة بين الشركات العاملة في قطاع الاتصالات.
يلاحظ في الوقت الحاضر دور كبير وغير معقول للقطاع العام في الاقتصاد. على سبيل المثال يبلغ حجم المصروفات المقدرة لموازنة العام 2005 بنحو مليار و400 مليون، أي أكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أن القطاع العام يلعب دورا محوريا في إدارة دفة الاقتصاد. بمعنى آخر فإن الاقتصاد البحريني واقع تحت رحمة المصروفات الحكومية والتي بدورها تعتمد على الدخل النفطي "صحيح أن الأسعار مرتفعة لكن الأمور قابلة للتغيير فنحن نتحدث عن تنمية اقتصادية مستدامة وليس لمدة محدودة".
قبل الختام لابد من مراعاة الجانب الإنساني في عملية الخصخصة، إذ نؤكد ضرورة حل المسائل المتعلقة بالمواطنين والذين يفقدون وظائفهم بسبب البرنامج إذ يجب منح هؤلاء مجموعة مزايا مثل راتب تعاقدي مغري فضلا عن مكافأة سنوات الخدمة. ونرى أنه لا مناص من تنسيق الأمر مع الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1002 - الجمعة 03 يونيو 2005م الموافق 25 ربيع الثاني 1426هـ