العدد 1000 - الأربعاء 01 يونيو 2005م الموافق 23 ربيع الثاني 1426هـ

من رسخ قيم التقدم والديمقراطية والفكر العلمي في البحرين

المناضل الكبير أحمد الذوادي

مازال الحديث عن مناضلينا الشرفاء وعن دورهم البطولي وتضحياتهم الكبيرة متواصلا عن نضالهم الطويل والمرير من أجل استقلال البحرين وعزة وكرامة وحرية شعب البحرين، هذا الشعب المظلوم الذي ذاق ويلات التعذيب والتشريد والقتل المتعمد. هذا الشعب الذي حرم من أبسط حقوقه المشروعة كالعمل والسكن وظل شارد الفكر تائها جائعا فقيرا يمد يده إلى الأجنبي على رغم أن خيرات بلده من نفط وغاز تجنى بالمليارات ومصارفه التجارية أرباحها بملايين الدنانير. تضحيات كبيرة قدمها هذا الشعب، فهناك شهداء مجزرة القلعة الشنيعة العام 1954 التي راح ضحيتها شباب في مقتبل العمر وشهداء منطقة سوق المنامة أمام البلدية العام .1955 وشهداء وأبطال انتفاضة مارس/ آذار العمالية الخالدة العام 1965/ 1967 و1973/ 1974م.

خمسون عاما مضت لم يذق هذا الشعب طعم الحرية ولكنه كان يتذوق حلاوة النضال والاستشهاد فهو ملح حياته ومن دونه لا حياة له على أرضه المغصوبة خيراتها وكل ما فيها من نعيم يتلذذ به الأجنبي فكان الشعب يحارب ويقاوم ببسالة لا يهاب الموت صامدا متحديا كل مؤامرة تحاك ضده.

ولم تقتصر هذه التضحيات والنضال داخل البحرين فحسب، بل امتدت جذورها إلى أبعد من ذلك فكان هم كل بحريني منفي ومشرد عن وطنه أن ينال من هذا النضال بفكره وعلمه وحبه الشديد للدفاع عن أرضه وكرامته، فقاموا بدور بطولي عظيم في توحيد الشباب وضمهم وحثهم على الانخراط في صفوف جبهة التحرير الوطني البحرانية لكي يتسلحوا بفكرها ومبادئها وتطلعاتها ليصبحوا رفاقا مناضلين لا يخافون الموت ولا الاعتقال ولا تؤثر فيهم الغربة لأنهم متسلحون بفكر ومبدأ لا يفرقهم عن بعض مهما كانت الظروف والأسباب.

المناضل الكبير البطل الأسطورة أحمد إبراهيم الذوادي هو واحد من المناضلين الأكفاء ومن أبرز الشخصيات الوطنية في البحرين تتلمذ على يديه الكثير من الرفاق المناضلين الشرفاء وهم اليوم يؤدون دورهم بأمانة وإخلاص ينعمون بما حققه لهم هذا البطل العظيم.

وأحمد "أبوقيس" ابن الذواودة البار نشأ وترعرع على أرضها وترابها بين بيوتها وطرقاتها وتذوق من ملوحة مياهها ورسم على جدار كل بيت فيها علامة النضال والتضحية والنصر والحرية. وبيوت الذواودة المحدودة المسافة والنسمة تحيطها من الشمال رأس الرمان ومن الغرب العوضية ومن الجنوب فريق ابن سوار ومن الشرق تطل على البحر وهو المصدر الرئيسي لرزقهم في تلك الفترة، اشتهر أهاليها بالأمانة والإخلاص وحب الناس. وضرب بهم المثل في كل الصفات الحميدة، التصقوا باخوانهم أهالي رأس الرمان وابن سوار وشاركوهم الحياة المعيشية العملية وكانوا متحدين في السراء والضراء، ما غرس في نفوسهم الحب وروح المودة والتسامح.

اشتهرت منطقة الذواودة بعين اسمها عين ذواد، هذه العين الارتوازية ذات الماء العذب تقع على شمال المنطقة القريبة من رأس الرمان، وسميت بهذا الاسم لموقعها في المنطقة وتخدم جميع المناطق المجاورة لها.

ومثلما أهالي المنطقة يتمتعون بكل صفات الخير تشدهم الغيرة على أرضهم ووطنهم لاح في الأفق دور هذا البطل الذوادي الأصل الذي التهم حب النضال السري منذ نعومة أظفاره وهي خصال مغروسة في قلوب ووجدان كل بحريني من مختلف الفئات والأطياف.

نشأ البطل أحمد وسط أسرة فقيرة لكنه غني بمبادئه وكرامته وحريته، فعلى رغم عدم تمكنه من إكمال دراسته والحصول على أعلى الشهادات العلمية الجامعية، فإنه رجل ذكي، التهم العلم من صغره وبعد تخرجه في الصف الثاني ثانوي عمل مدرسا بوزارة التربية لمدة عامين، ثم تحول إلى وزارة العمل بصفة موظف ولكن دمه يشتعل حماسا وتطلعا إلى تحقيق أهدافه وطموحاته، فبجانب عمله التحق بالعمل النضالي وانضم إلى أعضاء وأصدقاء جبهة التحرير الوطني البحرانية، وشق طريقه النضالي بكل شجاعة واقتدار وأخذ يؤدي دوره بكل حذر، إلا أن الاستخبارات العميلة ظلت تلاحقه وتتربص به، فاعتقلوه وزجوا به في السجن، وذلك في العام 1961م وخسر وظيفته.

أحمد الذوادي البطل المرعب الثائر العنيد، أحد مؤسسي جبهة التحرير وموحد صفوف المناضلين الساهر الذي لا ينام، يتابع ويسأل عن رفاقه ليلا ونهارا، تؤلمه وتحزنه تلك الممارسات من اضطهاد وذل تجاه شعبه، فوقف شامخا مرفوع الرأس في وجه الاستخبارات العميلة ومتحديا قاهرا خصومه وأعداءه بمواقفه الشريفة، فأبعدوه عن تراب أرضه عن وطنه الأم الذي تغذى فكره وقلبه من هوائه وسمائه، أبعدوه خارج الوطن وعاش في الكويت لمدة سنتين ثم غادر إلى لبنان، وهناك التهم الحماس قلبه، فراح ينادي بالوحدة الوطنية، فأسس مركزا للنشاط السياسي والإعلامي وذلك لتغطية ودعم نشاطات مناضلي البحرين الحبيبة وعلى مدار ثلاث سنوات متتالية مثل فيها جبهة التحرير البحرانية في كل الأنشطة والمحافل الديمقراطية.

في العام 1964م، عاد البطل إلى أرضه الأم، فاهتزت البحرين بكاملها وثارت كالبركان الغاضب واشتعلت انتفاضة مارس الخالدة وفجرت بركانها الناري في وجه المستعمر والاستخبارات الخائنة، وكالعادة انبهر الأعداء من هذه الانتفاضة الجبارة، فقاموا باعتقال من هب ودب من دون تمييز ومنهم رفاقنا مناضلينا الشرفاء وأحمد واحد منهم لا يختلف عن رفاقه، طوقوه وحاصروه لكي لا يفجر لهم بركان غضبه من جديد، فاعتقلوه. وفي العام 1966م أبعدوه خارج البحرين نتيجة الانفجارين الكبيرين في سيارتي أحد ضباط المخابرات بوب وأحد العملاء.

أبعد البطل وتخيل لهم في إبعاده أنه سينتهي كل شيء وتستقر الأمور ولا يعلمون أنه أشعل نارا على هامته ومشى بها واقتحم المدى. وهناك من القاهرة منفاه الثاني واصل نضاله وكفاحه للخلاص من الاستعمار وقوانينه القاسية الفاشية.

وما أن نجحت الحركة الديمقراطية في انتخابات العام 1973م حتى عاد البطل إلى وطنه مرفوع الرأس محمولا على الأكتاف ملوحا بعلامة النصر، هكذا هم أبطالنا البواسل مهما يتعرضون له من تعذيب وتشريد وغربة، فإنهم يتناسون كل ذلك مجرد أن تحط أقدامهم أرض الوطن، ومن هنا بدأ النضال الداخلي جنبا إلى جنب مع رفاقه أعضاء جبهة التحرير الوطني البحرانية، ولكن للأسف سرعان ما ألقي القبض عليه هو وعدد من رفاقه وذلك في العام 1974م على أيدي البوليس السري، وظل البطل قابعا في السجن مع رفاقه ولمدة خمس سنوات ونصف السنة، وبعد أن أفرج عنه غادر إلى سورية وهي آخر منفى له، قضى فيها أكثر من عشرين عاما.

لعب البطل دورا مهما بجهوده الشخصية، فهو من أشد المولعين بالاطلاع والقراءة وله مساهمات كثيرة في مختلف المجالات وأهمها ما قدمه لإذاعة البحرين العام 1955 - 1956م، إذ أعد الكثير من البرامج وأسهم أيضا في تنشيط دور الأندية الثقافية والرياضية.

هو أحد مؤسسي أسرة هواة الفن ونادي النصر الرياضي، الذي اندمج مع العربي وأصبح تحت اسم نادي الفجر الثقافي والرياضي، ولكن السلطات الاستعمارية لم ترغب في استمرار هذا النادي ونشاطاته، إذ كان يضم بين أعضائه الكثير من المناضلين الوطنيين، ما حدا بها إلى إغلاقه نهائيا.

البطل أحمد الذوادي مرآة النضال السياسي ونوره الوهاج هو أول رئيس لجمعية المنبر التقدمي الديمقراطية - كاتب في السياسة والاقتصاد ومحاضر يمتلك الإلمام والمعرفة، لم يشتك أو يتألم من مرضه كثر ما يتألم ويشتكي من معاناة وطنه وهموم شعبه، همه الأول والأخير إسعاد شعبه ونيل حقوقه المشروعة، سعادته وراحته النفسية أن يرى شعب البحرين وهو ينعم بالحرية والديمقراطية.

هكذا هم أبطال البحرين قياديو ومؤسسو جبهة التحرير الوطني البحرانية رموز وطنية خالدة ستبقى إلى الأبد نجمة ساطعة بنورها في سماء البحرين الغالية، فهم الركن الأساسي والطريق المنير لكل جيل، يواصلون العمل بالشعور والإحساس والروح نفسها التي ناضلوا بها ومن أجلها في سبيل بلوغ الأهداف والغاية النبيلة ليحققوا لهذا الشعب الحياة الحرة الكريمة.

علي الوادي

العدد 1000 - الأربعاء 01 يونيو 2005م الموافق 23 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً