العدد 1000 - الأربعاء 01 يونيو 2005م الموافق 23 ربيع الثاني 1426هـ

توصيفها فن... وفلسفتها خارج الحد!

الفنون البصرية الأميركية

المنامة - عادل مرزوق 

تحديث: 12 مايو 2017

إليانور هيرتني ناقدة فنية تنشر مقالاتها على مستوى عالمي، وهي محررة مساهمة في مجلة "الفن في أميركا" ومؤلفة كتاب "وضع حاسم: الثقافة الأميركية عند مفترق الطرق وما بعد الحداثة". تتصف بمحاولات السبر في الفن الأميركي. في احد مقالاتها تحاول وضع تصور للفن الأميركي، وتحديد الأطر التي تحتويه، ووجدت أن الصعوبة لا تكمن في الإحاطة بما ينتج فقط، بل تنتقل لمحاولتك تسمية ذلك بتلك المسميات القاتلة، لذلك لا يمكن أن يجمع ما تنتجه الفنون الأميركية سوى توصيف وحيد ويتيم اسمه "فن".

لا يمكن أن تتلخص الاتجاهات الفنية في الفن الأميركي إلا أن توصف بعبارة "لوحة تجريدية إيمائية" والأجمل من التصنيف هو أن نحاول التعلق بكل فنان من هؤلاء الفنانين، والتفكير في كيفية قيام هؤلاء الفنانين بتوسيع الفهم والتعريف للفن ذاته.

ليست هناك صورة محددة لما يسمى بالفن الأميركي، بمعنى ما الذي يختص به فن من الفنون ليعتبر فنا أميركيا محضا، فالفضاءات الإبداعية التي كانت تشاهد في الصين أو مصر أو التشيك أصبحت تنتج في أميركا. لذلك من الصعب أن نبحث في خصوصية مميزة للفن الأميركي.

سينما التركيب

تحاول إليانور هيرتني السبر عبر هذا العالم الجديد للفن، وتعتقد أن هذا السبر يحتاج إلى عقل متفتح واستعداد للتخلي عن الأفكار المسبقة التكوين. ويتضح ذلك في أية عملية مسح لبعض الفنانين المثيرين للنقاش.

ومن أكثر الفنانين شهرة في هذه الأيام ماثيو بارني "فنان ومخرج سينمائي في نيويورك". ويجمع بارني بين الإخراج السينمائي والفن التركيبي، ولو أن معظم تركيباته تتألف من المواد المستخدمة في مناظر ومواقع أفلامه. وتعد تحفته الفنية فيلما بعنوان: "Cremaster" يبلغ طوله سبع ساعات ويتألف من خمسة أجزاء. ومع أن كل جزء يمثل فيلما روائيا من حيث الطول والصقل البصري، فإن هناك اختلافات مهمة بين ما تراه في دار السينما المحلية وما يقدمه بارني من أفلام. ويشتمل كل فيلم على 12 سطرا من الحوار فقط، وهو حافل بالشخصيات الغريبة المظهر وبمخلوقات تجتاز خطوط الجنس والنوع. وهناك امرأة تشبه الفهد، وشخصية خرافية تقوم بالرقص النقري، واسكتلندي يعزف على القرب، وشخصية تمثل الساحر هاري هوديني، وملكة مأسوية تقلب موازين اي توقع. وتشير أجزاء الفيلم الخمسة إلى كل شيء من رقصات بازبي بيركلي في هوليوود في فترة الثلاثينات من القرن الماضي إلى المجرم القاتل غاري غيلمور إلى الطقوس الماسونية. ويتسم السرد القصصي للفيلم بالغموض.

وما يجعل "السينمائي" بارني واحدا من أكثر الفنانين الذين يدور حولهم الجدل بشأن الطريقة التي يدمج فيها الثقافة الشعبية، والخيال الشخصي الخاص، والإشارات إلى الفن الراقي والهندسة المعمارية، والصور المثيرة، في عالم سينمائي معقد ويحتاج إلى مهارة وجهد كبيرين يتميز بقوته في الإقناع بحد ذاته ويصعب فهمه. وتحتاج أعمال بارني بل تتطلب مشاهدات متكررة نرى فيها رموزه الخاصة المعدة بحرفية عالية تندمج معا بطرق تزداد ترابطا وانسجاما.

الفن بوصفه الحياة

ويقدم مثل أمثال هذا الفنان انعطافا جديدا في حلم الحركة الريادية القديم لمحو الحدود بين الفن والحياة. ويتحول الفن إلى حياة في عمل هؤلاء الفنانين، من منطلق معين. ويؤكد هذا الشعور أيضا بعضا من أكثر الأساليب ابتكارا للفن العام المعاصر.

وتطالع إليانور هيرتني اشتغال هؤلاء الفنانين بالعالم الفعلي، إذ يقوم الفنانون بابتكار أعمال لا تختبر إلا عبر الإنترنت. ومن أكثر هؤلاء الفنانين طموحا ماثيو ريتشي الذي ابتكر عالم كونيات كاملا يقدم ويتم توضيحه بأسلوب غامض إلى حد ما على موقعه الإلكتروني. واستنادا إلى خرافات الخلق للعالم الغربي وباستخدام التكنولوجيا المتفاعلة المستخدمة في ألعاب الإنترنت، يتركز مشروع ريتشي على مجموعة من سبعة عوامل فلكية تالفة تمثل أجزاء مختلفة من الدماغ. وتلقى هذه المواد من السماء وتسقط على الأرض وتتبعثر إلى أجزاء عبر القارات السبع. وتندمج هذه المخلوقات المفككة ثم تنقسم، منتجة مجموعة لا نهاية لها تقريبا من السرد القصصي الذي يمكن لجمهور الشبكة الإلكترونية أن يتعقبوه.

التكنولوجيا الرقمية مع وسائل الإعلام التقليدية والدمج بينهما محطة إبداع تتميز بها الفنانة شاه رضا سيكندر، وهي فنانة مولودة في باكستان وتقيم في نيويورك تخصصت بدراسة رسم المنمنمات التقليدي. وهي معروفة برسومها المائية التي تدمج فيها أوجها للصور الهندوسية والإسلامية للنساء بطرق خيالية، إلا أنها ابتكرت خلال إقامتها في تكساس "رسما" رقميا تختفي وتظهر فيه ببطء صور ونصوص ورموز مكسرة مأخوذة من التقاليد الفنية الآسيوية والغربية في سطح صندوق مضيء صغير. وتسمح هذه العملية لها بصنع صورة تخطيطية للهوية ذات الطبيعة المختلفة الألوان كما يختبرها الفنانون المهاجرون في عالم فن العولمة المعاصر.

ومع هذه الأطر الحديثة فإن الامور لا تتقاطع مع التراثي، وأنها لا تمثل ضبابية للتراث التاريخي للفنون، فعلى سبيل المثال، يقوم والتون فورد برسم رسوم للطبيعة تشتمل على الواقعية الشديدة والتشكيلات الرائعة للرسوم الطبيعية لفنان القرن التاسع عشر جون جيمس أودوبورن للزهور والحيوانات.

ما يجمع بين كل هذه المتغيرات هو كلمة بسيطة من حرفين "فن"، لذلك لابد الا نحاول التقوقع داخل توصيف عام لظاهرة الفن الأميركية الحديثة، بل علينا ان نختبر كل نموذج من النماذج على انه حقل منفصل وتجربة خاصة تمثل عالما خاصا بالفن.

من هنا تأتي صعوبة النقد، ولم يعد من الممكن الكتابة عن الفن المعاصر في الولايات المتحدة كسلسلة من التطورات الرسمية أو كتتابع منظم للحركات. ولكن الفن يصبح بدلا من ذلك وسيلة لترشيح وتصفية المعلومات المتنوعة والمتناقضة التي تنهال علينا من كل صوب. ويتمتع الفن المعاصر بحرية الاقتباس من كل فرع، وكل تقليد فني، وكل أسلوب للعرض والتقديم، وبذلك يصبح التعقيد والإثارة والعمق الفكري بالدرجة نفسها كالعالم الذي قام بإنتاجه





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً