توالدت في الفترة الأخيرة ومن فترة ليست ببعيدة كثرة الاعتصامات والمسيرات السلمية المطالبة - كل واحدة بحسب اهتمامها - بحقوقها والتي ترى بل هي متأكدة حقا أنها منتهكة وبشراسة ولا من مجيب لها على رغم مرورها بجميع مراحل المطالبات الورقية الهادئة والاجتماعات والحوارات. .. فالمطالبون بالتعديلات الدستورية والعاطلون من جهة وضحايا التعذيب من جهة أخرى وأهالي المالكية والدير وسماهيج والنعيم من جهة أخرى كل يشكو حاله... ذاك يريد البحر وليلحق ما تبقى من خلال إيقاف بناء "حائط العزل" أو "سور الصين العظيم" كما يسميه البعض... وذاك يريد أن يوقف بناء فندق امتد إلى منزله في ليلة ظلماء... وآخرون يريدون قسائم سكنية في قريتهم لا يعلمون إلى الآن هي إلى من "ستوهب"... ولا ننسى اعتصامات المحرق الدينية وخليج توبلي... والقائمة تطول!
توالدت هذه الاعتصامات وتفنن أصحابها إلى أن وصل الأمر بأحدهم إلى التهديد باستخدام الطماطم والبيض الفاسد "كأداة ضغط جديدة ومبتكرة" بهدف ترويج فلسفة يريد أن يعلنها وتعبر عن وجهة نظره بالتأكيد... إلا أن المتتبع لسير الاعتصامات والمسيرات يرى أنها علامة من علامات الانفجار الأولي وهي أول خطوة عملية تلي الكلام والانتظار غير المحدد الأجل لفترة مقبلة لا يحمد عقباها، أرى بوادرها لا تختلف عن اللون الأسود الذي يزداد قتامة أكثر فأكثر كلما تقدمنا منه، لقضايا مصيرية مقلقة باتت معلقة لفترة من الزمن امتد أمل حلها من أول يوم لتضمينها في الميثاق وتوقيعه، ومن أول ساعات الإصلاح الذي بدأه جلالة الملك... وهي تراكمات وإحساس ببوادر متطورة ليأس لا أمل من انفراجه، حتى يتجه مطالبوها إلى الاعتصامات والمسيرات السلمية كخطوة عملية أولى ربما، إذ نراها وقد زينت الشوارع بلافتاتها وسماعاتها... كلها تنشد لفت الأنظار والضغط على الحكومة وإحراجها.
مجموعة ترى أن هذه الاعتصامات والمسيرات سمة حضارية يوجب وجودها في المجتمع حتى لو من باب الديكور! لولا أن كثرتها مثل كثرة البهارات على الطبخة! لتثبت للعالم بأن هناك حرية رأي مكفولة من شأنها أن تشجع المستثمرين على خوض غمار الاستثمار في بلدنا، في حين أن هناك آخرين يرون عكس هذا بالضبط... إذ يرون أن الاعتصامات والمسيرات السلمية ليست إلا "فوضى وغوغائية" وأناس لا تحمد ربها على "الخير" الذي هي فيه!! لتطبق أجندة "أجنبية وخارجية" في تهريب الاستثمارات إلى الخارج!
وتحاول ثلة من هذه الكتابات الخلاص إلى أن هذه الاعتصامات والمسيرات هي نتاج متخلف وآثار سيئة خلفتها لنا أيام انتفاضة التسعينات! ويجب الضرب عليها بيد من "حديد"! متناسين أنها حق كفله الدستور وكفلته المواثيق الدولية المهتمة بحقوق "الإنسان"!
ولكن الكثرة المبالغ فيها من متجاوبين ومشاركين في هذه الاعتصامات والمسيرات التي تجوب غالبية ساحقة من مناطق وقرى البلد... والتي يشارك فيها الحضور الغفير في مطالبها سواء الدستورية أو أي مطالب أخرى مناطقية أو غير ذلك... هي جديرة بالقراءة المتأنية فعلا... فهي مجموعة ضخمة تضم جميع فئات المجتمع ممن "يتشاركون" في الهم نفسه! إذ تساهم هذه الفعاليات العملية في تضميد "شيء" من الجراحات التي يعانونها، والتصديق على مشروعية المطالبة بها، فليس من المعقول أن يكون هذا الحضور الغفير من الناس وفي كل مرة من "المغرر بهم" والأغبياء الذين لا يعلمون أنهم يطالبون بتنفيذ أجندة خاصة بغيرهم، لا ناقة لهم فيها ولا جمل... ولا يعلمون أن هذه المطالب ليست إلا مطالب شعب لربما استسلم لحاضره ولكنه يريد أن يثبت لأبنائه في المستقبل بالأدلة القاطعة أنه طالب وبكل ما أوتي من قوة بحقوقه وحقوق أبنائه من بعده في المستقبل... ولكن "العين بصيرة واليد قصيرة".
إضاءة
يا جماعة الخير... الحاضر يخبر الغائب... إللي عنده فلوس وكل بحسب استطاعته أن يسافر السنة... ليس ترفا وترفيها... ولكن حفاظا عليكم وعلى أبنائكم... فجميع أنشطة ومهرجانات الصيف السابقة والتي فشلت في البحرين تم إيقافها... إلا مهرجان انقطاع الكهرباء والماء لم يتوقف بعد! فقد ساهم مساهمة فعالة في أن يقول للعالم كله إن البحرين "التي تنشد استقطاب السياحة والاستثمار" هي الملاذ الآمن لكم... لأنكم بتشوفون اللي ما شفتوه في عمركم كله... واللي ما يصدق يبدأ يحجز من الآن على البحرين، لأن مهرجان انقطاع الكهرباء والماء قد بدأ في الرفاع ومدينة عيسى وهو مقبل إلى جميع مناطق البحرين؟! وراحت عليكم
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 999 - الثلثاء 31 مايو 2005م الموافق 22 ربيع الثاني 1426هـ