العدد 999 - الثلثاء 31 مايو 2005م الموافق 22 ربيع الثاني 1426هـ

السعودية... سباق مع الزمن لحماية مكتسبات المواطن ومصالح الوطن

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

قبل أعوام كان مجرد الحديث عن الانتخابات أو المشاركة الشعبية أو الحراك السياسي في المملكة العربية السعودية ضربا من الخيال، وكان كثير من المثقفين العرب والسعوديين منهم على وجه الخصوص يجعلون من الأوضاع السياسية في السعودية مادة للتندر، كما كانت المحافل الدولية تعج بغير قليل من الانتقادات التي توجه إلى السعودية على وجه الخصوص في مجال حرية الرأي وحقوق الإنسان.

لقد كان ملف الحريات وممارسة الحقوق السياسية في المملكة العربية السعودية مفتوحا على مصراعيه ومشرعا للنقد والتجريح، وحين أعلنت المملكة نيتها تنظيم أول انتخابات بلدية عامة أواخر العام 2003 كان هذا الإعلان بمثابة بالون الاختبار الذي حاولت الكثير من الجهات أن تعبئه بأكثر من طاقته من الهواء، حتى ينفجر وتتبخر أحلام السعوديين في تحقيق جزء من الحلم في الهواء.

لكن الأمور سارت على غير ما يشتهي المقامرون، وفور إعلان ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز توجه الحكومة لإجراء الانتخابات البلدية في أواخر العام 2004 بدأت الدوائر السعودية المختصة في سباق مع الزمن، واعتبارا من أكتوبر/ تشرين الأول 2003 "تاريخ الإعلان" سادت روح التحدي فريق العمل المكلف إتمام التحضيرات الخاصة بإجراء أول انتخابات بلدية. وحسنا فعل هذا الفريق عندما آثر العمل بصمت بعيدا عن الضجيج والبيانات الإعلامية والمقابلات الفضائية، التي كان من شأنها أن تضع الفريق تحت ضغط المتابعة ورفع سقف التوقعات، وربما تساهم في وأد التجربة قبل نضوجها.

إن الحديث عن السعودية ظل لفترات طويلة نوعا من المجازفة، لأن الكتابة عنها كانت تصنف بين نوعين لا ثالث لهما، فإما أن تتهم من قبل الناس بأنك متملق تتسلق همومهم وآلامهم عندما تكتب بشكل إيجابي، وإما أن تتهم بالتدخل في شئون الشقيقة الكبرى، وتتسبب في تكدير صفو العلاقات الأخوية إن أنت كتبت منتقدا لحدث ما أو لموضوع يخص السعودية. وأحسب أن هذا التصنيف قد أبعد الكثير من الكتاب الخليجيين عموما والبحرينيين منهم خصوصا عن الغوص في تفاصيل الحدث السعودي المهم جدا بالنسبة إلى واقع ومستقبل المنطقة عموما.

وأعتقد جازما أن هذا التردد والابتعاد عن الكتابة في الشأن السعودي قد آن له أن ينتهي إلى غير رجعة، لأن ما يحدث على أرض الجزيرة العربية يؤثر فينا بشكل مباشر، ولا أحد يعرف كيف يتعامل معه أفضل منا، فقد قيل "أهل مكة أدرى بشعابها"، ولعله من المهم التأكيد أن من المعيب أن نأخذ تحليلاتنا ونبني مواقفنا وفق ما يصلنا من الصحافة الأجنبية، بينما يمكننا أن نصل ونتواصل مع الحدث بصورة مباشرة.

إن ما دفعني لإثارة هذا الموضوع هو قلة الاهتمام الإعلامي بحدث مهم وكبير كالانتخابات البلدية السعودية، وشحة المعلومات والبيانات والتحليلات الخليجية والعربية عنها، بينما شاهدنا وسمعنا وكالات الإعلام الغربية والأوروبية والمراسلين من مختلف بلاد العالم يجوبون أرجاء المملكة ليعايشوا هذه التجربة الحية عن كثب. وقد يقول قائل إن الصحف العربية تعتمد على المراسلين العرب وعلى تقارير وكالات الأنباء العاملة في السعودية والتقارير والأخبار الرسمية الصادرة عن الجهات السعودية، ولهؤلاء أقول إن ذلك ليس كافيا لأن أحدا لا يمكن له أن يرتوي إذا سمع عن الماء، لأن المطلوب هو أن تحصل على الماء حتى ترتوي منه.

ثم إن من المهم الإشارة إلى أن لغة التواصل والتبادل المعرفي لا تعتمد على طريق ذي اتجاه واحد، فالانتخابات البلدية ليست مهمة للسعوديين فقط، وليس ما يعنينا منها متابعتها فقط، بل إننا مطالبون بالمساهمة في إنجاحها عبر تزويد المشاركين في هذه التجربة بالخبرات التي نمتلكها والتجارب التي مررنا بها، حتى لا يأتي اليوم الذي نقول فيه إن هناك تأثيرات أجنبية هنا أو أصابع خفية وراء هذا الموضوع أو ذاك.

إنني أعتقد أن معظم المثقفين العرب وغالبية المواطنين المنادين بالتطوير والانفتاح السياسي والاصلاح ومحاربة الفساد الإداري والمالي ورفع سقف الحريات وحماية حقوق الإنسان وتعزيز فرص المشاركة الشعبية في صناعة القرار في الوطن العربي قد خذلوا المواطن السعودي، بل وخذلوا جميع المواطنين العرب أيضا، ذلك أن سقف الحرية وتفعيل المشاركة الشعبية في الوطن العربي لن يتحقق إلا إذا تقارب مستوى الوعي بأهمية هذا النوع من الحقوق، وهو ما لن يتغير ويتحقق على أرض الواقع إلا إذا حدث التواصل الضروري بين المواطنين العرب في كل الأقطار العربية، وأدى إلى تبادل الخبرة والمعرفة والتجارب.

البعض سيقول إن السعودية مغلقة أمامنا، وأنا أقول ومن واقع التجربة إن هذا القول محض هراء تدحضه الحقائق على الأرض وخصوصا إذا تعلق الأمر بالمثقفين الخليجيين، فمن خلال التجربة استطيع أن أؤكد للجميع أن الأجواء في المملكة العربية السعودية مفتوحة بكل حرية لكل من يريد أن يعمل بعقلانية، وتهيأت لي فرصة المشاركة بشكل فعلي ومباشر في تقديم الكثير من المحاضرات والندوات المتعلقة بالمشاركة الشعبية في طول البلاد وعرضها ولم أتعرض يوما واحدا للمساءلة أو الاستدعاء من قبل أية جهة أمنية أو إدارية.

وإمعانا في التأكد والتأكيد على أن المشاركة الإيجابية في رفع مستوى الوعي بأهمية المشاركة الشعبية وتعزيز فرص الانفتاح السياسي عبر دعم التوجهات الرسمية لإنجاح الانتخابات البلدية أمر متاح ومرحب به، فقد قمت شخصيا بالتنقل بين الكثير من الحملات الانتخابية في الرياض والمنطقة الشرقية تحديدا، وكانت مشاركاتي موضع ترحيب دائم، وحتى لا يظن أحد أن هذه المشاركات أو الندوات كانت تقام في أماكن سرية أو بعيدة عن العيون، أقول إنها كانت تقام في قاعات ومواقع رسمية يتم استئجارها خصيصا لهذا الغرض، وعلى مرأى ومسمع من السلطات الرسمية.

وحين تتلون سماء الوطن بصور ويافطات المرشحين للانتخابات، وحين ترتسم على وجوه المواطنين علامات الدهشة والغبطة والسرور وهم يرون ويتحسسون ويعيشون نوعا آخر من حرية التعبير، ويستمعون إلى مفردات لغوية لم تعهدها آذانهم من قبل، وحين يرتفع سقف الحوار والقبول باختلاف الآراء، وتمارس حرية النقد والاعتراض على مرأى ومسمع من الناس جميعا وبعيدا عن أية حواجز أو سطوة للأجهزة الأمنية.

في تلك اللحظات الحساسة تنفتح أسارير الوطن ويتسع مداه وصدره ليحتضن كل المواطنين، دونما أي شعور بالتمييز أو الأفضلية، مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات والمسئوليات، لا يفرق بينهم إلا مقدار عطائهم وتفانيهم لخدمة الوطن والمجتمع. وحين تستمع إلى مداخلات الحضور، ترن في أذنيك كلمات وعبارات وتعقيبات لم تكن متهيأ لسماعها في هذه الأجواء وفي هذا الوقت بالذات.

إحساس مختلف في كل شيء وشعور بنشوة عارمة ينتاب المرء لدرجة القشعريرة، وهو يشاهد بأم عينيه هذا الكم الهادر من البشر وهم يتوافدون على المخيمات الانتخابية في السعودية احتفاء بهذا الحدث الذي لم يروه في بلادهم قبل الآن، لكنهم يتعاملون معه وكأنهم قد خبروه وعايشوه مرات.

وحتى لا تترسخ لدى الكثير من القراء معلومات خاطئة ومبتسرة عن المملكة العربية السعودية، أود أن أبين للقراء أنها تعج بالكفاءات والقدرات الوطنية في كل مجال من حقول العلم والمعرفة، وأن ما تتناقله بعض الروايات والقنوات الفضائية عن تدني مستوى الوعي وانخفاض الاهتمام بالثقافة والاطلاع على تجارب الدول المتقدمة في المجالات المختلفة هو كلام عار من الصحة ليس له أي أساس ولا يستند إلى دليل.

لقد شهدت الأيام المخصصة للحملات الانتخابية في السعودية عموما وفي المنطقة الشرقية خصوصا سجالات فكرية وسياسية ذات سقف عال يناقش المسائل كافة، بروح عالية من المسئولية والاهتمام، وبكل ثقة أقول إن ما تسوقه بعض أجهزة الإعلام العالمية عن السعودية حكومة وشعبا فيه الكثير من التزييف للحقائق ومحاولة لتسويق الجهل والقلق والعجز على المواطنين السعوديين، ومن دون شك فإن من المهم بمكان أن يبادر الجميع للاهتمام بما يجري في المملكة، ويقدم أفضل ما يستطيع من تشجيع ومساندة للخطوات الإصلاحية التي تقودها الحكومة هناك.

لقد عاشت السعودية في ظروف صعبة طوال عقود من الزمن، ولسنا في وارد محاكمة وتحديد المسئول عن كل تلك السنوات والفرص الضائعة أمام الانفتاح والإصلاح فتلك من مهمات ومسئوليات حكومة وشعب المملكة العربية السعودية، لكننا اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى بمد يد العون والتعاون مع أشقائنا هناك حتى نسهم في تجاوز عثرات الماضي ووضع لبنات المستقبل.

ومن دون أدنى شك فإن أمام الحكومة السعودية خطوات كبيرة وصعبة لابد من القيام بها، في سبيل تعزيز النهج الإصلاحي في المملكة بشكل يسهم في بناء جسور الثقة وحرية التعبير واحترام الرأي والرأي الآخر، ما سيكون له كبير الأثر في إحداث انفراج سياسي يخفف من الاحتقان والضغط الذي يمارس على المملكة من قبل كثير من الدوائر.

إننا في البحرين وفي سائر دول مجلس التعاون الخليجي معنيون بما يحدث في السعودية وفي أية دولة أخرى من دول المجلس، ولابد لنا من أن نتقدم لنقد الأخطاء ونطالب بتصحيح الأوضاع حتى يستطيع قطار الوحدة الخليجية أن يسير في طريق سالك ومعبد، ومن دون المكاشفة والمصارحة لن نتحرك قيد أنملة.

* كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 999 - الثلثاء 31 مايو 2005م الموافق 22 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً