وزارة الإعلام مهتمة جدا بتطبيق معايير الرقابة الدولية على المصنفات الفنية، فهي تلاحق المؤلفات والأشرطة والأغنيات المقلدة، حفاظا على حقوق الكتاب والمؤلفين والمبدعين والمغنين والمطربين والمطربات والفنانات. وهي خطوة تحسب للوزارة العتيدة على جهودها لمحاربة القرصنة الفنية وعمليات التزوير والكذب والخداع. إلا أن هنالك ثلاثة أنواع من الأشرطة طرأت على الساحة "الفنية": المنبوشة، المنفوشة والمنهوشة في غيبة جهاز الرقابة الحبيب!
ولنبدأ بالنوع "المنهوش"، والطريف أن وزارة الإعلام الموقرة التي تقوم بحماية المؤلفات وحقوق الطبع، هي التي تقوم بالنهش! فلا يرى المشاهد البحريني على شاشته الوطنية إلا أشرطة أكلها فأر الرقابة، حفاظا على "الوحدة الوطنية" وما تم تحقيقه من منجزات على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيروقراطية والانكشارية!
أما النوع "المنفوش"، فهو الذي يتم تهريبه من مجلس النواب دون إذن رئاسي ولا استئذان، وتحذف منه الشتائم والألفاظ النابية حفاظا على الوحدة الوطنية الرقيقة ومراعاة للذوق العام الرهيف في هذا البلد. فلابد والحال هذه من إجراء عملية جراحة وحذف وبتر، ثم تقديم النسخة المنقحة باعتبارها نسخة شرعية ووحيدة نازلة من السماء، والويل للنسخ الأخرى!
أما النوع الثالث "المنبوش" فهو أخطر أنواع المصنفات الفنية في هذا الزمان الطائفي العظيم! إذ يشهد الجمهور عرض فيلم مفبرك، كل مادته من أرشيف "أمن الدولة"، تفوح منه تلك الرائحة العطنة التي تزكم الأنوف.
هذا الفيلم تسلح به للأسف الشديد، وفدنا الرسمي الذي ذهب إلى جنيف ليمثلنا أمام "اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب" قبل ثلاثة أسابيع. وعندما شاهده الجمهور قبل أسبوع في الهواء الطلق هنا في البحرين، أصيب نصف الحضور بالضحك، فيما أصيب النصف الآخر بالكآبة! وما أصدق المتنبي حين توقع قبل ألف عام شيوع هذه الموجة من الأفلام "المصرية" الهابطة:
وكم ذا بمصر من المبكيات....... ولكنه ضحك كالبكا!
هذا الفيلم الذي وزعته ما يسمي بلجنة "الدفاع عن ضحايا الإرهاب" في جنيف، نسي مخرجه العبقري أن يضع له اسما، فنقترح تسميته بـ "النواب والإرهاب والكباب"، طمعا في منافسة أفلام عادل إمام الذي سيصاب بالكآبة من بروز فيلم ينافسه من بلد صغير جدا اسمه البحرين! وهو بذلك سيدخل تاريخ السينما من أوسع الأبواب، وسيحصل على أعلى الإيرادات.
فيلم "النواب والإرهاب والكباب"، بقدر ما أثار من حالات كآبة وضحك لدى المشاهدين، أثار لدينا الكثير من التساؤلات نطرحها من باب الحوار الوطني والنقد الفني والمكاشفة الديمقراطية أيضا!
بداية، إذا كان لكل فيلم موازنة معتمدة، وتمويل "رأسمالي"، ومخرج عبقري، فمن هو "التاجر" الذي وقف وراء تمويله؟ ومن هو المنتج الفعلي للفيلم، وخصوصا أن مادته مستمدة من أرشيفات أمنية لا تصل إليها يد المواطن العادي. ثم من هو المخرج العبقري الذي حرف كلام الشيخ علي سلمان وهو مازال حيا يرزق؟ أم سيلقى باللائمة على المترجم الذي "خربط" في الترجمة؟ ولماذا لم يخجل "المخرج" من "سرقة" مقاطع من مقابلة أجرتها قناة تلفزيونية خليجية الشهر الماضي، وكالعادة "من دون إذن ولا استئذان" ولا حتى إشارة للمصدر أو مراعاة لحقوق الطبع والنشر!
وإذا تجاوزنا هفوات المنتج والممول والمخرج، فلماذا صدرت النسخة "الأصلية" باللغة الانجليزية؟ ولماذا لا يترجم للعربية ليعرف المواطن فضائح الترجمة والتحريفات؟ وهل الفيلم من نصائح المستشارين "المستقلين" و"شبه المستقلين" المرافقين للوفد الحكومي؟ وما معنى "مستقل" في هذه الحالة؟
طبعا، نحن لا نصدق أن نائبا برلمانيا بسيطا في تفكيره يمتلك كل هذه القدرات الخارقة، حتى يتمكن من "فبركة" فيلم يحتوي لقطات "أمنية" نادرة، وفي ظرف أسبوع من إعلان تشكيل "لجنة الإرهاب"، وينقسم حوله الجمهور بين ضاحك وباك، إلا إذا كان هناك من يقف وراء الستار مثلما يجري في مسرح العرائس!
وإذا بدأت تتكشف وجوه العرائس، يحق لنا أن نتساءل بإخلاص: من الذي يحرك العرائس والدمى؟ من الذي يوزع الكباب؟ من الذي يوزع "الغوزي" الساعة العاشرة مساء كل خميس في مجالس "نواب الكباب"؟ فإذا احتدم النقاش ولم يجد النائب إجابة منطقية، صاح بالخادم: "انزل العشا للجماعة"!
إن مثل هذا النائب الطارئ على الساحة السياسية في غفلة من التاريخ، لا يمتلك أرشيفا من الصور الشخصية، فكيف يمتلك هذه اللقطات "الأمنية" القديمة؟
إنه عمل "أجهزة" ووزارات، وليس نائب "مستقل" لا يدري بما وراء باب بيته، ففي هذه الحال يجري استخدام كل "العرائس" من دون إذن ولا استئذان
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 999 - الثلثاء 31 مايو 2005م الموافق 22 ربيع الثاني 1426هـ