العدد 2906 - الجمعة 20 أغسطس 2010م الموافق 10 رمضان 1431هـ

تنجيمات البهائم تنذر بانحطاط العالم

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تناقلت وكالات الأنباء توقعات تمساح أسترالي اسمه «هاري» بفوز، «رئيسة الوزراء جوليا غيلارد بالانتخابات التشريعية الأسترالية، مؤكداً (هاري) بما أفصح به، توقعات استطلاعات الرأي ومكاتب المراهنات». وكما جاء فيما نقلته تلك الوكالات، فقد «تردد (هاري) البالغ طوله خمسة أمتار بضع دقائق قبل أن يلتهم دجاجة تحمل صورة غيلارد غير آبهٍ بدجاجة أخرى تحمل صوة زعيم المعارضة توني آبوت». وكان هاري قد سبق له وأن اتفق مع نظيره الإخطبوط «بول» في توقعات هذا الأخير بفوز منتخب إسبانيا بكأس العالم لكرة القدم هذا العام. طريقة «هاري» في تحديد خياراته تقوم على التهام إحدى الدجاجتين المتنافستين حول موضوع، سواء كان ذلك سياسياً حول فوز في الانتخابات، أو رياضياً يتكهن بفوز فريق في مباراة لكرة القدم.

سبقت شهرة «هاري»، كما يعرف الجميع، تلك الشهرة التي حظي بها الإخطبوط الألماني «بول» في الأسابيع الأخيرة من مونديال 2010، عند ما نافست أخباره نتائج فرق المونديال التي كان يتنبأ مسبقاً بنتائج مباراتها. وبعد مطابقة توقعات «بول» نتائج تلك المباريات، شاهدنا محاولات البعض، بعد أن نال «بول» من الشهرة ما نال، في أن يبني قصصاً حول «الصواب الخارق لتوقعات بول». وحاول البعض من تلك الاجتهادات، أن يرجع تلك «القدرات الفائقة التي بحوزة بول» إلى «أصول بول الوراثية من خلال تحديد مكان فقس بيضات»، فبينما أكد حوض «سي لايف» للأحياء المائية في مدينة أوبرهاوزن الألمانية «أن بول جاء من إنجلترا»، جاءت صحيفة «فيرينا بارتش» برواية أخرى تقول بأن «الحوض الذي تعمل به في كوبورغ قد سلم أخطبوطاً صغيراً إلى أوبرهاوزن في يونيو/ حزيران 2010». ولم تقف أهمية بول عند محاولات سبر أغوار أصوله الوراثية، وإرجاع ما حققه إلى «تفوق جذوره الجينية» بل انعكست أيضاً، وبسكل غير منطقي على ثمنه. لقد تطورت أمور العراف «بول، كي يتحول إلى سلعة عالمية أبدت مجموعة من الأثرياء الإسبان استعدادها لدفع 30 ألف يورو مقابل حقها في اقتنائه، وعرضه في إحدى الحدائق الإسبانية خلال مواسم السياحة. ونافس «بول» هذا العام، كما روت صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية كل من الفنانتين «ليلى علوي»، و «غادة عبدالرازق» في أثمان البلح التي تطلق عليه أسماء مع اقتراب شهر رمضان، حيث «بلغ ثمن كيلو بلح بول 12 جنيهاً».

بل وصل الأمر في أن تتناقل مواقع الإنترنت العربية قول أحد الكتاب في تفسيره لهذه الظاهرة بأنها جاءت نتيجة «لحالتين لا ثالث لهما وهما: 1) أن الأنسي صاحب هذا الأخطبوط لديه اتصال بالجان من جهة ويمتلك قدرات إيحائية أفلح في نقلها إلى الأخطبوط. 2) أن الأخطبوط بول قد حل فيه جان كافر يرغب في التلاعب بقناعات البشر الروحانية».

ولا يمكن أن يغيب عنا هنا ونحن نستعرض اجتهادات «المنجمين البهائم»، الببغاء السنغافوري «مائي»، الذي نال هو الآخر شهرته من وراء توقعاته بنتائج مباريات كأس العالم، حيث شاهدنا على الإنترنت مقاطع من فيديو يغادر فيها «مائي» قفصه ويختار قطعة الورق التي رسم عليها علم بلد الفريق الذي يتوقع فوزه، مهملاً الورقة الأخرى لعلم بلد الفريق الذي توقع له الخسارة.

وقبل تفشي فيروس هوس العالم، وعلى وجه التحديد بالمحتمع العربي، بالحيوانات المنجمة، كانت هناك موجة «جنون العرب» التي دأبت على متابعة حلقات التنجيم البشري التي اجتاحت برامج الفضائيات العربية، التي شدت إلى ما كانت تبثه محطاتها الملايين من المشاهدين العرب ممن «هوستهم» تنجيمات ممجوجة غلب عليها التكرار والاستخفاف بالعقول.

كل تلك الظواهر المتلاحقة تثير علامة استفهام كبيرة تقول، مالذي حل بالعالم؟ وكيف يسمح الإنسان لذهنه أن يلهث وراء خزعبلات مثل تلك التي يثيرها أي من «البهائم» الثلاثة، وربما هناك أخرى غيرها لم تصل إلى ما وصلت إليه هذه الأخيرة من شهرة عالمية؟

في البدء لابد من التذكير من أن التنجيم، وما يرافق ذلك من قرابين ليست جديدة على الحضارات الإنسانية، فقد عرفتها، تاريخياً، أمم وحضارات مثل الفراعنة في مصر وممالك ما بين النهرين في العراق، ومعهما الإغريق والرومان في أوروبا. كانت تلك الظواهر مقبولة حينها كونها تتناسب ومستوى تطور الفكر الإنساني، لكنها جميعاً تهاوت وتوقفت عندما كنستها الثورات العلمية المتلاحقة التي عرفتها الأمم المتقدمة، وبالتالي فكونها تعود اليوم من جديد، وعلى الصورة التي لمسناها في حالات، «هاري التمساح»، و»بول الإخطبوط»، و «مائي الببغاء»، فإن دلت على شيء، فإنما تدل، ودون أي تردد، على تدهور العالم وتدني مستوى تفكيره كي يصل إلى ما يمكن أن نصفه بـ «الانحطاط الذهني أو الفكري»، كي يقبل بما يتوقعه أحد البهائم.

كان يمكن أن نقبل بتوقعات تلك «البهائم»، لو كان تفسيرها يقوم على تنفيذها أوامر يصدرها لهم أصحابها ممن يملكونها ويقومون على تربيتها. وتلك الأوامر لابد لها أن تكون مستقرأة، ومن منطلقات علمية محضة ترتكز على قراءة منطقية لأرقام إحصائية صحيحة، وتقديرات إنسانية موزونة، للنتائج التي يجري توقعها سياسية كانت أم رياضية. كان العقل الإنساني المتزن سيقبل بقدرة الملك على توجيه «البهيمة» نحو اختيارها، بناء على علاقة نجح في تطويرها بينه وبينها كي تفهم لغته وتصغي لأوامره، تماماً كما نشاهده في عروض السيرك، حيث ينجح مدربو الأسود والنمور والفيلة، دون سواهم، وبفضل مهارات إنسانية يمتلكونها، في نسج تلك العلاقة بين الإنسان المرسل والآمر، والحيوان المتلقي والمنفذ، تمكنهم من جعل تلك الحيوانات تقوم بما لا يستطيع غيرها من فصائلها القيام به. لكن أن ينتقل الأمر إلى ما هو عكس ذلك تماماً، فهذا من دلائل تنذر بـ «انحطاط» المجتمع الإنساني، وليس رقي المحميات الحيوانية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2906 - الجمعة 20 أغسطس 2010م الموافق 10 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:22 ص

      شهدت عصور الإنحطاط أن الناس تتخذ لهم رمزا يقدسونه

      إن تاريخ البشرية شهد بأن تجار الدين أخذوا ينتفعون ويتكسبون بإسم الدين حتى دخلت "السنسكريتية " والبهائية طريقة لكسب الرزق لم تعد محاضرات الدين في التقشف والزهد بقدر ماهي ألعوبه وطريقة للكسب والإعلانات التي تظهر لشخص يدل مظهره على التدين لكي يعطي محاضرات باهظة الثمن بإسم الدين ... مع تحيات( (Nadaly Ahmad))

    • زائر 1 | 12:08 ص

      عالم الغيب هو الله

      كذب المنجمون ولو صدقوا...لان الله يبدل ويثبت ما يشاء

اقرأ ايضاً