العدد 2903 - الثلثاء 17 أغسطس 2010م الموافق 07 رمضان 1431هـ

مفاتيح الحل بيد أصحاب القرار

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اليوم، يكتشف من يشاهد المسرح السياسي البحريني من بعيد، دون أن يضيع في تفاصيله، ودونما الحاجة إلى بذل أي عناء، أن خشبة هذا المسرح تتأرجح، فهي تقوم على قدر تغلي وتهدد بالانفجار ملوحة بقوة وعنف، وفي اتجاهات مختلفة، بأجسام كل الواقفين على تلك الخشبة. مرحلة حرجة تحمل في ثناياها الكثير من المخاطر المدمرة التي تهدد بدوامة عنف جديدة يمكن أن تعصف بالأخضر واليابس. ليست هذه كلمات خطبة عصماء تحاول أن تبث الرعب في النفوس من خطر مفتعل، وليست هي أيضاً خطاباً ديماغوجياً، يسعى إلى نشر نذر مفتعلة بقدوم سحابة سوداء في أجواء صافية.

إنها في حقيقة الأمر قراءة علمية بأعصاب هادئة لواقع حركة الممثلين على مسرح الصراع السياسي البحريني، ومستقاة، في الوقت ذاته، من نشاطات تعمل وبوعي في غرس جذور غير حميدة عميقاً في تربة البحرين السياسية، وتبذل أقصى ما في وسعها كي ترعى وتحافظ على نمو شتلاته، كي تحمل بذورها المسمومة، التي تضمن تناسلها، ومن ثم اتساع رقعة تأثيرها. تؤكد كل ذلك مجموعة ملموسة من الأحداث والأنشطة التي يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:

1. الحملات الإعلامية المسعورة ضد مجموعة مختارة من رموز التيار الوطني الديمقراطي، تهدف إلى تشويه صورتهم في أعين المواطنين، من أجل تقليص شعبيتهم، ومن الحيلولة، إن أمكن، دون صولها إلى قبة البرلمان، بحرمانها، من أي فرصة نجاح في الانتخابات المقبلة، أو تقليص إمكانية نيلها الانتشار الجماهيري الذي تسعى إلى تحقيقه. خطورة مثل هذه الحملات، أنها، حتى وإن أصرّت على النفي، تحمل في ثناياها الكثير من بذور الإرهاب الفكري التي يمكن أن تنشرها على خشبة مسرح تلك الصراعات. هذه الحملات، وصلت بها الأمور، ومن أجل تحقيق تلك الأهداف، إلى درجة اختلاق اتهامات شخصية، ضد تلك الرموز، بعيدة كل البعد عن الصراعات السياسية. ما يجعلها حاضنة نموذجية لفيروسات الإرهاب، كونها ترتكز في حملاتها تلك على إثارة النعرات الطائفية، وتلفيق التهم التي تؤجج نيرانها.

2. لهجة التهديد والوعيد التي باتت تسود خطابات أجهزة عديدة في السلطة التنفيذية، وبعض الإجراءات التي رافقتها، من خلال السلوكيات التي لجأ إليها عدد من مؤسسات تلك السلطة، تجاه بعض المواطنين. وليس المقصود هنا ما قامت به الأجهزة الأمنية، وإنما مؤسسات أخرى تتعلق بالحقوق المدنية، بما فيها تلك التي تمس جوهر العلاقة بين الجمعيات السياسية والسلطة التنفيذية. يضاعف من خطورة تلك الإجراءات التي تشجع رعاية بذور غير حميدة لدى أجهزة السلطة التنفيذية، كونها بالقدر ذاتها، تعزز من خطابات العنف لدى الجهات المتضررة من تلك اللهجة أو الإجراءات السلطوية التي ترافقها، وتغذي نزعات العنف في صفوف المعارضة، وعلى وجه الخصوص منها تلك التي ترتكز على أسس طائفية. المحصلة النهائية لكل ذلك، هي سيادة خطاب العنف، وفي مراحل متقدمة الإرهاب، وسيطرته على القنوات التي يفترص أن تنظم نمطاً سلمياً توفيقياً يحكم جوهر العلاقات السياسية بين الطرفين.

3. موجة العنف التي بدأت تنتشر في الكثير من قرى البحرين، والتي تطورت من مجرد مظاهر احتجاجية محدودة زماناً ومكاناً، وذات أهداف مطلبية، إلى أخرى عنيفة، وعلى نطاق واسع، وغالباً ما تقود إلى صدامات بين من يمارسها وبين الأجهزة الأمنية، التي لم يعد نشاطها مقتصراً على وضع حد لتلك الموجة، بل تصعيدها كي تتحول إلى ظاهرة عنف مستمرة تتجلى في مداهمات المنازل، وما يصاحبها من اعتقالات تشوبها إجراءات عنيفة. ولربما آن الأوان كي تعيد الجهات المعارضة التي تقف وراء ذلك التصعيد في ردود فعلها، كي تضيع على أجهزة السلطة التنفيذية فرصة جرها إلى أساليب صراع تخدم تلك الأجهزة، دون أن تحقق أية مكاسب للمعارضة. ندرك أن مثل هذا القرار في غاية الصعوبة، لكن القيادة الحكيمة هي التي تستطيع أن تحدد، وفي صورة فعل وليس ردة فعل، أساليبها النضالية، ومراحل اللجوء إلى أيٍّ منها.

ربما يقال الكثير، في رحلة البحث عن من يقف وراء هذه الظاهرة السلبية، التي باتت تسيطر على الأجواء السياسية. وقد تتفاوت الاجتهادات الساعية إلى تشخيص العوامل التي أدت إلى توليد أجواء الإرهاب التي تسود البلاد، وقد نسمع الكثير من الفتاوى التي تحاول أن تلقي باللوم على طرف معين، تختاره بما يخدم مصالحها. لكن كل ذلك لن يجدي نفعاً، ولا يمكن أن يقود إلى إعادة الأمور إلى نصابها، بما يكفل استتباب الأمن ونشر السلام في ربوع البلاد.

ولعلَّ أول المطالبين، بأن يلقي كل شيء وراء ظهره، ويتوجه، وبنوايا صادقة حسنة، ويعتلي خشبة المسرح، حاملاً، كما يقول الرئيس الفلسطيني الراحل «غصن زيتون السلام بدلاً من مسدسات الحروب»، هو السلطة التنفيذية، وعلى وجه التحديد أجهزتها ذات العلاقة بالعمل السياسي. تحمل غصن الزيتون لا من أجل اللهث وراء «الأعراض»، بل للوصول إلى بذور الأسباب، اجتماعية كانت أم اقتصادية، بل وحتى سياسية، كي تضع يدها على الجرح وتوقف النزيف. أكثر ما يخشاه المواطن اليوم، أن يتصاعد مد موجات العنف، وتلجأ السلطة، ربما بتحريض من أطراف لها مصلحة مباشرة في الإضرار بالمشروع الإصلاحي، بكل ما زرعه من أمل في داخلية ذلك المواطن، إلى الخيار الأسهل بالنسبة إليها، وهو العودة إلى أيام «قانون أمن الدولة»، وتصادر الحريات، وتبيح لنفسها اتخاذ ما تراه مناسباً حينها لتبرير تلك السياسات، يحميها في كل ذلك، ادعاءاتها بأنها، إنما تُقْدم على ذلك من أجل وضع حد لكل شكل من أشكال الإرهاب.

يتوخى المواطن من الجميع، وفي مقدمتهم السلطة التنفيذية، أن يصغوا إلى صوت العقل والمسئولية، كي يقتلعوا جميعاً جذور العنف السوداء، التي متى ازدهرت، لن ترحم أحداً من جنونها، بمن فيهم من يتوهّم أن رعايتها تخدم مصالحه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2903 - الثلثاء 17 أغسطس 2010م الموافق 07 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 1:00 م

      ابن المصلى

      هذا الموضوع يجانب المصلحة في معالجة الأمور التي ان حسنت النية لذا الحاكم والمحكوم على حد سواء سيخرج الوطن معافى ان شاء الله تعالى عل الجميع التحلي بالقدر المطلوب من ضبط النفس فالوطن امانه في رقابنا جميعا وعلى كتاب الموائد الدسمة ان لايزايدوا على الوطنية عليهم ان كانوا صحفيين حقا ان يضعوا النقاط على الحروف وكشف القصور في جميع منحي الحياه واما سكب الزيت على النار لايزيد الوطن الا اشتعال للمواطن حقوق يجب ان يحصل عليها وهذه ليست منه من احد وحينما يحصل على كامل حقوقه سيصبح المواطن الخفير والجندي

    • زائر 13 | 7:52 ص

      شكرا للأستاذ عبيدلي

      نحن في حاجة لمثل هذه التحليلات إنه لا تصدر إلا من شخص ذو بصيرة \\\\ مع تحيات الندى أحمد

    • زائر 11 | 7:09 ص

      التعقل

      حقا يجب التعقل من الجميع واولهم رجال الأمن الذين هم اكثر عنفا واستفزازا للاهالي المساكين المظلومين -

      شكرا لقلمك يا العبيدلي

    • زائر 10 | 6:46 ص

      ستعود المعاناة وبعد ذلك سنجد الحل في مكان آخر

      ما جعل هؤلاء الشباب يقومون بما يقومون به شيء أكبر من أن يعالج بامور أمنية فلتكن لدينا الشجاعة الكاملة ولنقلها بصراحة وكما يقال كلنا أولاد رقية وكل من يعرف اخيه. ما حصل منذ الميثاق إلى الآن
      هو يبعث على الإحباط في النفوس فلم نكد نخلص من قانون أمن الدولة حتى بلينا برزية اكبر وهي التجنيس وسوّق لنا برلمان منقوص من كل النواحي

    • زائر 9 | 6:10 ص

      حتى لايقع الجميع في ظلمات هذا التصدع المخيف

      الى الكاتب الفذ ابن العبيدلي تحياتي الى هذا القلم الشريف الذي لا يخاف لومة لائم ، نتمنى من مثل هذه الاقلام النصوحة الصادقة ان تستمر حتى يثبت مسرح الاحداث هذا ولا يهتز لن في اهتزازه هذه المرة تصدع كبير سيرمي جميع الذين على خشبة المسرح في ظلمات هذا التصدع وهذا ما لانتمناه نحن المواطنين ولا اعتقد ايضا الجهة التنفيدية من السلطة ترغب فيه ، فمن ينقدنا من هذا الاهتزاز المخيف غير هذه الاقلام النظيفة

    • زائر 8 | 5:38 ص

      الى زائر 3

      ان كنت مواطناً فعلا ومن سكنة شارع البديع فانك تحتاج الى حراسة امنية توصلك الى السوق وترجعك الى منزلكل ، لانك في ازقة كابول او احياء بغداد ههههههه .كفى تلفيق ومبالغة لانك احد المحرضين والمخربين المندسين في صفوف الشعب وواقفاً مع مصلحتك ، وقد تكون من اصول غير عربية

    • زائر 7 | 3:43 ص

      المشروع الإصلاحي يحتاج إلى تطوير

      العالم يتطور يوما بعد يوم إلى الأفضل والأحسن واي مشروع يبقى على حاله ولا يواكب تطور الزمن يصبح في خبر كان والمشروع الإصلاحي إحدى هذه المشاريع لكنه ومنذ ظهوره إلى حد الآن لم يطرأ عليه تطوير بل ربما تراجع في بعض المحطات وهذا ما بعث على خيبة الأمل لدى الناس. وهذا هو أساس ما هو حاصل اليوم والتي هي نتيجة حتمية وإن لم يتدارك هذا المشروع وتضاف له بعض التحسينات الملموسة فسوف يفقد كل البريق وكل القيمة لدى الناس وعلى من يهم الأمر الإنتباه فشعور جيبة الأمل يعشعش في نفوس الكثيرين

    • ضفدع | 2:44 ص

      الشاهد.

      متى ماقلبنا صفحات الماضى واخص الماضي القريب نجد ان هناك اصوات نشاز تعوي كما الذئاب واخرى تنبح كمالكلاب واخرى تنهق(ان انكر الأسواط...) باذرة حبوب الفتنة (ـحريض من اطراف
      لها مصلحة مباشرة في الإضرار بالمشروع الإصلاحي) ويريدون الرجوع الى المربع الأول ظناً منهم انهم سيحصلون على أعلى معدل من المصالح الشخصية والفئوية وهذا مالا يتحقق ان شاء الله في ظل التعاون وكشف هذه النكرات للمجتمع والعالم ليضربواعلى ايديهم كالأطفال.

    • زائر 6 | 2:43 ص

      شتان بين ما تكتب ويكتبون .........

      شتان بين ما تكتب ويكتبون وهذا طبيعي بين المخلصين لهذا الوطن و المرتزقة ولولا ذلك ما عرفوا وعرفت نواياهم ولكن اين الغافلين عنهم انهم يريدون تدمير الوطن فالتتصدى لهم الاقلام الصادقة المخلصة وتفضحهم من امثال قلمك فانهم ابعد ما يكونوا عن الوطن وهمومه اين هم ساعات المحن يتوارون في جحورهم لانهم لا يعبأون بمصلحة الوطن فهل من مصفق لهم بعد اليوم ؟؟؟؟

    • زائر 5 | 2:35 ص

      الآمن ثم ألامن ثم الآمن..

      انا مواطن بسيط لدي ابناء يدرسون ويستخدمون الطرق العامة في غدواهم ورواحهم.. وانا وزوجتى نسوق السيارة للذهاب إلى السوق لقضاء حوائجنا ونسكن في المحافظة الشمالية..لا دخل لنا بالسياسية التي ينام ويصحو عليها وقعها الكثيرون..ما نريده هو العيش بسلام ففي كل مرة نخرج لزيارة او قضاء حاجة نضع يدنا على قلوبنا ونقرأ الادعية ونحمد الله على عودتنا سالمين..
      ما يحدث في الشارع غير مبرر يا سيدي حتى لو دبجت في حقه الاضابير..

    • زائر 4 | 1:42 ص

      ثانكس

      ثانكس

    • زائر 1 | 10:05 م

      كلام جميل

      شكرا لك كلامك في الصميم ومقالك رائع
      تحياتي لك

اقرأ ايضاً