العدد 2407 - الأربعاء 08 أبريل 2009م الموافق 12 ربيع الثاني 1430هـ

نحو وعي رسمي ومجتمعي بمفهوم «العدالة الانتقالية»

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

تقوم فكرة العدالة الانتقالية على ملخص مفاده، إنهاء عوالق الماضي المكون من انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان وتعويض الضحايا ومحاسبة الجناة وجبر الخواطر، وذلك من خلال منهجية تراتبية قائمة على إبراز الحقيقة أولا، وإنصاف الضحايا بعد ذلك، وإيقاع المصالحة بين من وقعت بينهم النزاعات والانتهاكات والتجاوزات في مراحل الصراع، ويؤسس مفهوم العدالة الانتقالية للتخلص من الشوائب التي تبقى عالقة في ذاكرة المجتمع والسلطة فتشوه جوهر الحق والعدالة.

فكرة العدالة الانتقالية لا تعني مطلقا -فيما تعنيه- شرعنة الثأر والتشفي ونكء جروح الماضي، وإنما تهدف إلى استدعاء تجارب أساءت لمفهوم المجتمع الإنساني المتحضر الذي تسعى كل المجتمعات للوصول إليه، وتحقيقه، وتعتبره خيارا استراتيجيا لا مجال للتفريط به.

قامت العدالة الانتقالية في مجتمات عدة، منها ما تم في بلدان حكمتها أنظمة قمعية، ومنها في بلدان تعرضت لنزاعات أهلية أو حروب مسلحة، أو في أنظمة عنصرية، أو في مجتمعات نشبت مواجهات بين المجتمع والسلطات لأسباب سياسية، وغيرها مما نتج عنها وجود جان «مجرم» ومجني عليه «ضحية».

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجاني والمجني عليه، لا يعني بالضرورة أن الجاني هو الرسمي دائما، والمجني عليه هو طرف شعبي، فردا أو جماعة. وإنما يتحدد الجاني والمجني عليه بحسب محددات الميزان القانوني عند تحقق كشف الحقيقة، والتي تعتبر المرحلة الأولى من مراحل العمل على الأخذ بمبدأ العدالة الانتقالية.

وفي عصر يعتبر فيه الإنسان مخلوقا لا يحق لأحد أن يسلبه حقه في الحياة والكرامة والحرية والمساواة العادلة، فإن الأخذ بمتطلبات تحقيق العدالة الانتقالية أصبح مظهرا من مظاهر المجتمع المتحضر أو الراغب في الانتقال من مرحلة التخلف والتراجع إلى مرحلة التقدم والرقي والحضارة.

هناك أكثر من 25 بلدا في العالم تشكلت فيها لجان من ناشطين حقوقيين وقانونيين ورسميين وأطباء ومثقفين اضطلعوا بمهمات تتعلق بمرحلة الانتقال من ماضٍ مرَ على السلطات والمجتمع مثقلا بالتجاوزات والانتهاكات والاعتداءات على الحقوق الطبيعية للإنسان كإنسان، إلى مرحلة علاقة صافية نزيهة بين السلطات والمجتمع ترسم حدود وأطر واستشرافات المستقبل، بعد غلق ملفات الماضي بشجاعة وأمانة ومسئولية عالية. وانعكس ذلك على الظروف السياسية والاقتصادية بشكل إيجابي على كل من الأرجنتين، بيرو، كولومبيا، ليبيريا، جواتيمالا، نيبال، نكاراجوا، سيراليون، باراغواي، نيجيريا، يوغوسلافيا، جنوب إفريقيا، بوروندي، أوغندا، كينيا، تيمور الشرقية، كمبوديا، بورما، العراق، لبنان، الجزائر والمغرب. كلها تجارب إنسانية مارست حقها في الأخذ بمبدأ العدالة الانتقالية.

غير أن هذه التجارب التي نضحت من هذه البلدان لا تتشابه فيما بينها أبدا، إذ إن كل تجربة لها خصائصها ومحدداتها ومعالمها التي تميزها عن التجارب الأخرى، وهو ما يكشف بالطبع عن جوهر الاختلاف بين مخرجات كل حالة نزاع وصراع تقع في كل مجتمع في هذا العالم. وبالتالي فإن كل مجتمع بحاجة لأعمال إبداعاته وإنجازاته في تشكيل جوهر ومظهر تجربته في الأخذ بمبدأ العدالة الانتقالية والعمل وفق مفهومها العام.

فوائد الأخذ بمبدأ العدالة الانتقالية، أنها تكرس مفهوم المجتمع الديمقراطي، وتدمج جميع أطراف المجتمع في البناء التنموي المواكب لمرحلة الانتقال من نهاية الخصومة إلى مرحلة المصالحة السياسية.

كما أنها تساهم في تدوين تأريخ صادق أقرب إلى الحقيقة منه إلى الكذب والتدليس، ومن الفوائد المهمة الناتجة عن الأخذ بمبدأ العدالة الانتقالية هي، المساهمة في عدم تكرار جرائم الماضي وإبراز هذه الجرائم شاخصة أمام الإدراك الاجتماعي، كنتاج سيئ وضيع، لا يجوز القبول به أو مقارنته بأي حال من الأحوال في المستقبل، من قبل الذات أو الآخر.

أما عوائق الأخذ بمبدأ العدالة الانتقالية في البحرين، العوائق القانونية المرسوم بقانون رقم (56 / 2002)، أما العوائق السياسية فإنها تتمثل في تجاهل السلطات المعنية بهذا المشروع الحضاري كوزارة الداخلية مثلا كطرف مهم في السلطة، وحضور ممثلين عن الوزارة في نشاطات وفعاليات العدالة الانتقالية لا يعني بالضرورة القبول بمخرجات الحوار في هذا الملف، وإنما من أجل إضفاء حضارية سلوك السلطات الأمنية عندما يكون المندوبون الأجانب ضيوفا علينا في المملكة.

كما أن تدني الوعي الحقوقي لدى المجتمع يمثل عائقا مهما في عملية الأخذ بمبدأ العدالة الانتقالية، وهذا العائق يعتبر الحجر الكأداء أمام نجاح مبدأ العدالة الانتقالية.

إذن، ومن أجل وطن يحث الخطى نحو مستقبل مشرق، علينا العمل على تشكيل فريق رسمي وشعبي يعمل بإرادة وطنية شجاعة نابعة من المسئولية الإنسانية، تشارك فيه لجان الأمم المتحدة المختصة، لضمان وتأكيد عدم الحيف من طرف على طرف.

وإبراز البحرين كإحدى دول العالم التي اختصت بتجربة متميزة تحقق نجاحا نحو تكريس العدالة المرتكزة على الحقوق لا تسقط بالتقادم، بدلا من، عفا الله عمّا سلف.

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 2407 - الأربعاء 08 أبريل 2009م الموافق 12 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً