العدد 2407 - الأربعاء 08 أبريل 2009م الموافق 12 ربيع الثاني 1430هـ

الانتخابات اللبنانية المتقاطعة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

702 هو الرقم الذي استقر عليه عدد المترشحين للفوز بالمقاعد النيابية في الانتخابات اللبنانية التي ستعقد دورتها المقبلة في 7 يونيو/ حزيران. رقم المتنافسين مرتفع نسبيا ويرجح أن يتراجع بعد انتهاء المهلة القانونية للانسحاب سلميا من المعركة الساخنة بين لوائح «14 آذار» ولوائح «8 آذار».

بعد أسبوعين من اليوم تتوضح صورة القوى المتزاحمة على تعبئة 128 مقعدا في البرلمان اللبناني.

وارتسام صورة القوى لا يعني أن خريطة المجلس النيابي ستتبلور قبل فتح صناديق الاقتراع. فالصورة رمادية ومشوشة ويصعب تقدير النتائج بسبب تعقيدات النظام الانتخابي وتداخل الطوائف بالمذاهب والاكثريات بالأقليات والمناطق بالدوائر.

النظام الانتخابي اللبناني يشبه كثيرا لعبة «الكلمات المتقاطعة» التي تفرز المربعات إلى أسود وأبيض والكلمات إلى حروف وبعدها يتم جمع توزع الحروف في كلمات لتكتمل الصورة النهائية للمربع الكبير.

الانتخابات اللبنانية متقاطعة طائفيا ومذهبيا ومناطقيا. فالمقاعد مشطورة دينيا على كتلتين كبيرتين متساويتين بين 64 مقعدا للمسيحيين و64 للمسلمين. بعدها تتوزع المقاعد المخصصة للمسيحيين على مذاهب الطائفة. وأيضا تتوزع المقاعد المخصصة للمسلمين على مذاهب الطائفة.

التساوي الديني (الطائفي) يعاد توزيعه نسبيا على المذاهب. فكل مذهب يتمتع بحصة (كوتا) بحسب وزنه السكاني وتعداده لذلك يتفكك قانون التساوي إلى جزئيات صغيرة حتى تكون معظم الأقليات ممثلة في المجلس النيابي. فالطوائف والمذاهب كبيرة وصغيرة وهي في مجموعها يصل عددها إلى رقم 17 لابد أن تتمثل في البرلمان، ولكن هناك 6 طوائف مركزية وأساسية وصاحبة نفوذ في صنع القرار السياسي واحتلال المراتب الأولى والعليا في هرم الدولة. والطوائف الست هي الموارنة، السنة، الشيعة، الأرثوذكس، الدروز، والكاثوليك مضافا إليها طائفة سابعة وهي الأرمنية. فهذه الطوائف مجتمعة تهيمن على معظم المقاعد وما تبقى يترك للأقليات المسيحية والمسلمة الصغيرة.

بسبب هذه التقاطعات كان هناك صعوبة في جعل لبنان كله دائرة انتخابية واحدة. كذلك كان هناك شبه استحالة للتفاهم على اعتماد النظام النسبي خوفا من تفكك الكتل النيابية إلى عشرات تتنافس على المواقع والحقائب.

كذلك فشلت القوى في التفاهم على نظام الدائرة الصغيرة (128 دائرة) وهو الأنسب في لعبة «الكلمات المتقاطعة» ما أدى إلى دمج المربعات في دوائر أوسع وأخرج المباريات من تنافس الأفراد (مترشح واحد على مقعد واحد) إلى تحالف الأفراد في لائحة مشتركة ضد لائحة مضادة.

نظام اللوائح (القوائم) يعطل عمليا مفهوم الأكثرية والأقلية ويربط الضعيف بالقوي لأنه يقوم على معادلة مناطقية تعتمد على المذهب الأقوى في هذه الدائرة أو تلك ما يؤدي إلى تكريس سلطة زعامات محلية أو أمراء طوائف وحروب ومناطق.


أقضية ودوائر

بسبب نظام القوائم قسم «قانون 1960» لبنان إلى 26 دائرة (قضاء) توزعت على محافظات العاصمة والشمال وجبل لبنان والبقاع والجنوب. بيروت توزعت على ثلاث دوائر وحصتها 19 مقعدا. الشمال توزع على سبع دوائر وحصته 28 مقعدا، جبل لبنان توزع على سبع دوائر وحصته 35 مقعدا، البقاع توزع على ثلاث دوائر وحصته 23 مقعدا، والجنوب توزع على سبع دوائر وحصته 23 مقعدا.

تشريح المقاعد على المحافظات، وتوزيع حصص المحافظات على الدوائر (الأقضية) جاء استجابة للمفهوم الديمقراطي في صيغته اللبنانية. فالديمقراطية في لبنان ليست عددية وإنما توافقية تقوم على فكرة التراضي بين الطوائف والمذاهب بغض النظر عن وزنها العددي وكتلتها التصويتية. وأدى هذا المفهوم الخاص للديمقراطية إلى صوغ نظام انتخابي لا يكترث للعدد لأنه أصلا قام على مبدأ المشاركة (الكوتا) وضمان كل فريق حصته سواء اتسع حجمه الديموغرافي أو تقلص. ونظام الدوائر المتوسطة الذي اعتمد القضاء وحدة صغرى أعاد ترسيم التنافس وفق قواعد طائفية ومذهبية في كل منطقة (محافظة). وبما أن كل منطقة ملونة طائفيا بمذهب هو الأقوى في هذا القضاء أصبح من الممكن ترجيح لائحة (قائمة) على أخرى بناء على حجم الكتلة التصويتية المذهبية لا على أساس البرنامج السياسي أو الاختلاف في الرؤية الاستراتيجية الدفاعية (الدولة أولا أو المقاومة أولا).

أقضية البقاع الشمالي (بعلبك - الهرمل) والجنوب (صور، النبطية، بنت جبيل) مثلا يشكل الشيعة غالبية فيها لذلك يمكن توقع فوز قوائم التحالف بين حركة أمل وحزب الله من دون منافس سوى من العائلات السياسية أو العشائر الشيعية.

أقضية طرابلس وعكار والمنية - الضنية في الشمال والدائرة الثالثة في بيروت وصيدا في الجنوب مثلا يشكل السنة غالبية فيها لذلك يمكن توقع فوز قوائم تيار المستقبل (سعد الحريري) المتحالف مع عائلات وقوى محلية في مختلف مناطق نفوذه.

أقضية بشري والكورة وزغرتا والبترون في الشمال وأقضية المتن وكسروان وجبيل في جبل لبنان مثلا يشكل الموارنة إلى الأرثوذكس والمجموعات المسيحية الأخرى غالبية فيها، لذلك يمكن توقع تنافس قوائم التيار الوطني الحر (ميشال عون) مع قوائم حزب الكتائب والقوات اللبنانية المتحالفة مع عائلات وقوى محلية على المقاعد المخصصة للمسيحيين في هذه المناطق.

هناك أقضية مختلطة تشكل القوة الترجيحية لتحالف «8 أو 14 آذار» إذ تتعادل النسب التصويتية بين المسلمين والمسيحيين أو بين المسلمين والمسلمين أو بين المسيحيين والمسيحيين. ويتوقع أن تشهد هذه الأقضية منافسات حادة لترجيح قوة على أخرى.

النتائج إذا ستبقى معلقة بانتظار رؤية خريطة التوازنات والتحالفات في أقضية الشوف وعاليه وبعبدا وبيروت الأولى وزحلة والبقاع الغربي - راشيا. فهذه الدوائر الست الموزعة على ثلاث مناطق (محافظات) تمتلك قوة تصويتية متنوعة في الانتماءات الطائفية والمذهبية. ومن يفوز بغالبية مقاعدها سينجح في تعديل مراكز القوى سواء على نسبة توزع الكتل النيابية أو على مستوى التأثير في صنع القرار السياسي المشترك.

المسألة الديمقراطية في لبنان كانت ولاتزال معقدة ومتداخلة وهي تشبه في نظامها الانتخابي لعبة «الكلمات المتقاطعة» لكونها تعتمد آليات تشطير تقطع المربع الكبير إلى مربعات صغيرة، والمربعات الصغيرة إلى كلمات وأحرف حتى تتشكل في النهاية الصورة الكلية للخريطة السكانية (الديموغرافية) والأهلية (الطائفية والمذهبية) والمناطقية (المحافظات والأقضية) وأخيرا السياسية (التحالفات والقوائم). وبهذا المعنى التوافقي يصبح العدد لا قيمة له في نظام المحاصصة (الكوتا). وتصبح الأكثرية لا قيمة لها في معادلة التراضي. وتصبح الموالاة أو المعارضة لا منطق لها في حكومة مشاركة تتمثل فيها الأقلية بالثلث الضامن (أو المعطل) ما يخلط أوراق المعارضة بالموالاة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2407 - الأربعاء 08 أبريل 2009م الموافق 12 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً