في إشارة فاجأ بها الجميع، أكَّد الرئيس المصري محمد حسني مبارك «أن مياه النيل لن تتخطى حدود مصر مطلقًاً، وأن العريش هي آخر نقطة سوف تصل إليها خطوط المياه».
جاء ذلك في كلمته التي ألقاها بمناسبة افتتاحه مشروع محور صفط اللبن، بمحافظة الجيزة، وهو المشروع الذي بلغت كلفته نحو 900 مليون جنيه مصري، ويهدف «إلى انسياب الحركة المرورية بالقاهرة الكبرى حيث يربط محافظتي القاهرة والجيزة بالطريق الدائري». لم يشر مبارك إلى الدول المقصودة بهذه التلميحات المشوبة بمسحة تهديدية مبطنة، لكن تقارير كثيرة نشرت في الآونة الأخيرة، من بينها ذلك الذي بثته قناة «الجزيرة» القطرية، حذرت من «رغبة كل من إسرائيل وليبيا بالحصول على مياه النيل». وقد كشف العديد منها عن زيارات قامت بها وفود «إسرائيلية» لبعض الدول الإفريقية، ذات العلاقة بمياه نهر النيل، مثل أوغندا وإثيوبيا، من أجل التباحث معها حول إمكانية حصول «إسرائيل»، وبشكل «شرعي»، ومن خلال اتفاقات موقعة مع تلك البلدان على حصة من مياه النيل.
في البدء لابد من التأكيد، على أنه بعيداً عن دور حيازة المياه في تأجيج عناصر الصراع العربي - الإسرائيلي، أو مشكلات المياه في مصر، هناك أزمة مياه على المستوى العالمي. ورد الحديث عن هذه المشكلة العالمية في تقرير، نقلته وكالات الأنباء العالمية، وشارك في إعداده «أكثر من 24 جهازاً تابعاً للأمم المتحدة، وصدر قبل انعقاد مؤتمر عن المياه بأسطنبول». يقول التقرير إنه «بحلول العام 2030 فإن نصف سكان العالم تقريباً سيعيشون في مناطق تعاني نقصاً حاداً في المياه، وإن عدد سكان العالم 6.6 مليارات نسمة قد زاد طلبهم على المياه ومن المتوقع أن يشهد زيادة قدرها 2.5 مليارات بحلول العام 2050، ويحدث معظم النمو السكاني في الدول النامية والكثير منها في مناطق تكون المياه فيها شحيحة أو غير صالحة للاستخدام».
أما على صعيد الخطورة النابعة من شحة المياه الصالحة للاستخدام في مصر، فيبدو ذلك واضحاً في مداخلات الندوة التي شارك فيها مجموعة من الخبراء الأفارقة، ونقل ملخصاً لوقائعها الكاتب في موقع «الأخوان المسلمون»، خالد عفيفي والتي أكدوا فيها على «أن المتوسط العالمي لنصيب الفرد من المياه لا يقل عن 1000 متر مكعب سنويّاً في حين يبلغ في مصر 800 متر مكعب فقط مرشحة للانخفاض في ظل الزيادة السكانية واحتياجات التنمية، محذراً من إمكانية دخول مصر إلى حيز الندرة المائية إذا وصل نصيب الفرد إلى 500 متر مكعب».
إذاً هناك مشكلة قائمة ومستقبلية تواجه الحكومة المصرية وتتحدى قدرتها على توفير مياه صالحة في وقت فيه مصر تعاني من عاملين يتكاملان بشكل سلبي يؤدي إلى تضاعف حجم تلك المشكلة، الأولى هي الزيادة السكانية التي ماتزال خارجة عن نطاق سيطرة الحكومة المصرية، والتي تستنزف نسبة عالية من هذه المادة التي أصبحت حيوية، والثانية هو الاستخدام السيئ لها، الأمر الذي يضاعف من سرعة تراجع حصة الفرد من كمية المياه التي هو في أمس الحاجة لها. يعزز من خطورة تلك المشكلة التغيرات المناخية، التي قد تؤدي كما يقول عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين سعد خليفة إلى احتمال «فَقْدِ مصر نحو 70 في المئة من مياه النيل». ويستشهد خليفة بتقرير شبكة الأنباء الإنسانية التابعة للأمم المتحدة الصادر مؤخراً والذي يتوقع «أن تُؤديَ التغييرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة إلى تسارع تبخر مياه النيل؛ وهو ما سيترتَّب عليه انخفاض كميات المياه العذبة الواردة لمصر من نهر النيل».
على نحو موازٍ يلخص الأمين العام الأسبق لمركز بحوث الصحراء سامر المفتي، سوء واقع الثروة المائية في مصر قائلاً «وضع المياه في مصر حرج وإذا اكتفت دول منابع النيل بالحياد فمصر في مشكلة بسبب تناقص كميات المياه، وبتوقيع أربع من دول المنابع على الاتفاقية بشكل منفرد أضيفت مشكلة أخرى إلى مشكلات المياه في مصر».
ويذهب الاستشاري العالمي في شئون المياه ممدوح حمزة، إلى أبعد من ذلك، حيث يعتبر «مسألة مياه النيل قضية أمن قومي من الدرجة الأولى والمساس به مسألة حياة أو موت، المساس بمياه النيل مقدمة لإبادة الشعب المصري وجريمة ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي». نظراً لعجز «بعض الخزانات الجوفية المتجددة في الدلتا التي تأتي من مياه النيل، ومعدل الأمطار السنوية في مصر لا يسمح بقيام الزراعة أو الشرب».
لكن الخطر الأشد الذي يحفّ بمياه النيل هو ذلك القادم من «تل أبيب»، الهادفة إلى «سرقة مياه النيل». يكشف ذلك بالتفصيل التقرير الصادر في العام 2010، عن مركز الأرض لحقوق الإنسان، والذي جاء فيه «أن إسرائيل قامت بحفر آبار جوفية بالقرب من الحدود المصرية، وتعمل من خلال مشروع (اليشع كالي) على نقل المياه الجوفية المصرية إليها. كما يقوم مشروع (يؤر) بنقل المياه إلى إسرائيل وبإمكان هـذا المشروع نقل مليار متر مكعب، لري صحراء النقب، منها 150 مليون متر مكعب، لقطاع غزة، وهو ما يؤثر على موارد مصر المائية مستقبلاً».
هذا يؤكد ما أفصحت عنه صحيفة الـ «لوفيغارو» الفرنسية، عندما حذرت من أن مسألة المياه العربية لم تعد مجرد هواجس، مستندة في ذلك على نتائج الجولة التي قام بها وزير خارجية «إسرائيل» منذ العام 2009، أفيغدور ليبرمان، والتي اعتبرتها الـ «لوفيغارو» تهديداً خطيراً لمستقبل مصر. فقد رأت الصحيفة في تلك الجولة وهي «الأولى منذ 25 عاماً، تمهيداً لحرب المياه في الشرق الأوسط، والتي سوف تبدأ في قلب القارة الإفريقية». وأضافت الـ «لوفيغارو» أن الوزير الصهيوني الذي زار إثيوبيا وكينيا وأوغندا لأنها تشكل دول منبع النيل، قد مارس ضغوطاً «على إثيوبيا لبناء سدود على نهر النيل، مع الوضع في الاعتبار أن 85 في المئة من حجم مياه النهر التي ترد إلى مصر تأتي من النيل الأزرق الذي ينبع من إثيوبيا».
وقارنت الصحيفة بين ما تقوم به مصر لدرء ذلك الخطر الخارجي، وبين ما تخطط له دولة العدو قائلة إن «مصر تموّل حفر الآبار في كينيا لتنظيف البحيرات الأوغندية، ولكن إسرائيل تساهم في الوقت ذاته في بناء السدود في إثيوبيا وثلاثة مشاريع جديدة في أوغندا... هذه الإغراءات التي تمارسها إسرائيل تتجاوز حدود المنافسة الدبلوماسية مع مصر، لأن الموضوع بالنسبة لها هو الوصول إلى مياه النيل».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2901 - الأحد 15 أغسطس 2010م الموافق 05 رمضان 1431هـ
سد النهضة خطر يهدد نهر النيل
يعد سد النهضة من اهم الاسباب الحالية التى تهدد نهر النيل والتى تحدث بفضل الاخوان المسلمين عندما حكموا مصر