لمصلحة من تنسحب الولايات المتحدة من العراق في مطلع 2012 وأفغانستان في مطلع العام 2014؟ أجوبة الإدارة الأميركية تبسيطية وتصل أحياناً إلى حد السذاجة السياسية. واشنطن تعتبر أنها نجحت في تأسيس «ديمقراطية» حزبية في بلاد الرافدين وهي تستعد لتسليم السلطة إلى حكومة شرعية ومنتخبة من الشعب قادرة على إدارة الأزمة والدفاع عن سيادة الدولة وحدودها الإقليمية. كذلك تعتبر واشنطن أنها في طور النجاح في تأسيس «ديمقراطية» رئاسية في أفغانستان وهي واثقة من إمكانات السلطة في تسلم مهمات الدفاع عن الحدود وحماية الدولة وسيادتها ووحدتها.
الأجوبة الأميركية ليست دقيقة وهي بحاجة إلى قراءة واقعية حتى يمكن إدراك مخاطر الكارثة التي أنزلتها واشنطن في البلدين المحتلين. فالكلام عن «ديمقراطية» في العراق وأفغانستان مجرد أوهام اصطنعتها الإدارة الأميركية لتبرير العدوان والتغطية على الفشل والفساد والنهب والسطو والسرقة وتلك الفوضى الهدامة التي عصفت بالبلدين.
القراءة الأميركية تبسيطية وساذجة لأن حال العراق لن تستقر بخروج الاحتلال كذلك حال أفغانستان وذلك لسبب واضح وهو أن البلدين يتعرضان لانقسامات أهلية (طائفية مذهبية أقوامية) في العراق وتشرذمات أهلية (قبائلية مناطقية) في أفغانستان. وهذا التفكك الأهلي العابر للحدود يشكل نقطة ضعف تمنع نمو «ديمقراطية» وسلطة عادلة ومتوازنة تؤمن بالحوار السلمي والتعايش وتبادل المواقع والتنمية. فالنظام في العراق الذي يعاني من الفوضى الأمنية والتمزق الطائفي - المذهبي لا يمكن له أن يستمر أو يتكيف مع فراغات تهدد بتقويض الهوية وما تبقى من عناصر توحيدية تجمع أطراف البلاد في دولة واحدة مستقلة وذات سيادة. والنظام في أفغانستان الذي يواجه اضطرابات أمنية في الأقاليم معطوفة على تجاذبات قبلية - أقوامية ممتدة إلى خارج الحدود يرجح أن ينهار بعد خروج قوات الاحتلال.
التصريحات الأميركية عن ديمقراطية عراقية وأخرى في أفغانستان مجرد كلام ينطوي على تبسيط يذهب إلى حد السذاجة السياسية في التعامل مع أنماط من التكتلات الاجتماعية المتخلفة اقتصادياً وثقافياً. فالكتل التي تستقطب الناس تعتمد على آليات عصبية طائفية ومذهبية وأقوامية وقبلية لا صلة لها بالأفكار النظرية (الورقية) عن الديمقراطية والحرية الفردية والأخوة والمساواة. ولأن آليات الفرز العصبي (التعصب والعصبة) تلعب الدور الأساس في تحديد الاختيارات السياسية تصبح «الديمقراطية» مجرد وعاء (إناء) يأخذ لون الجماعة الأهلية التي تتحرك القوى الفاعلة ميدانياً في إطاره وبين جدرانه.
«الديمقراطية» العراقية بعد الانسحاب الأميركي في مطلع 2012 ستتحول كما هو وضعها الآن إلى «ديمقراطيات» سنية وشيعية وكردية وتركمانية وعربية وفارسية وغيرها من تجمعات أهلية تتركب منها بلاد الرافدين. و «الديمقراطية» الأفغانية بعد رحيل الاحتلال في مطلع العام 2014 ستتحول إلى «ديمقراطيات» بشتونية وطاجيقية وأوزبكية وبلوشية وهزارية (شيعية) وغيرها من تكوينات أهلية عابرة للحدود باتجاه إيران وباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى.
هذا الواقع الاجتماعي - التاريخي لم تخترعه الولايات المتحدة ولكنها ساهمت في إعادة انتاجه بعد الاجتياح العسكري للعراق وأفغانستان من خلال إيقاظ العصبيات الكامنة والتلاعب بها وإثارتها بذريعة أنها تشكل حماية للقوات المحتلة وتحصن المواقع والقواعد والقوافل من الهجمات المضادة.
الإدارة الأميركية في عهد تسلط «تيار المحافظين الجدد» على قرار واشنطن لعبت دوراً في إخراج المارد الطائفي - المذهبي والقبلي والأقوامي من باطن الأرض حين أخذت بتقويض العناصر التوحيدية وإعادة إنتاج وبلورة هويات صغيرة وضيقة للتعريف بشخصية المواطن. وكان هدف الإدارة من وراء إثارة الفتن الأهلية أعطاء فرصة لقوات الاحتلال في تركيز سلطتها ومواقعها وحمايتها من عمليات المقاومة. وأدت هذه السياسة التفكيكية إلى تشريح الجماعات الأهلية وتوزيعها على «مقاومات» داخلية تتقاتل على الغنيمة متناسية الطرف المسئول عن إنزال هذه الكارثة على العراق وأفغانستان. وبسبب الاستقطابات الأهلية وتنافرها إلى جزئيات (هويات) صغيرة وضيقة نجحت واشنطن في حماية قواتها من ضربات المقاومة وأخذت رويداً تلعب دور «الوسيط» أو «المصلح» الاجتماعي بين القوى المتجاذبة على تقاسم السلطة والغنيمة.
هذه الصورة الرمادية التي أخذت تتمظهر في المشهدين العراقي والأفغاني تكشف في النهاية عن مخاطر تقويضية في البلدين بعد الانسحاب الأميركي على دفعات من العام 2010 إلى العام 2014. فالتسلم والتسليم لن يكون كما كان حال فيتنام حين تراجعت الولايات المتحدة وانسحبت مهرولة لمصلحة حكومة هانوي في الشمال. هذا المشهد الفيتنامي غير واضح في صورة العراق أو أفغانستان، لأن الانقسامات العصبية وامتداداتها الإقليمية والجوارية سيكون لها دورها في تعبئة الفراغات وإعادة إنتاج سلطات تابعة لا تقوى على التحرك من دون مظلات تقع على جانبها في الحدود المجاورة.
العراق الذي تفكك بعد الاحتلال وتقوضت دولته لن يتوحد بعد الانسحاب الأميركي باعتبار أن التكوين الأهلي لبلاد الرافدين أنتج سلطات محلية بديلة قادرة على زعزعة الوحدة ودفع مجموعاتها المتخالفة إلى فوضى دائمة وربما عابرة للحدود. كذلك أفغانستان التي تمزقت قبائلياً بعد الاجتياح العسكري وإسقاط سلطة «طالبان» لن تخرج موحدة بعد خروج الاحتلال باعتبار أن حكومة كابول لا تستطيع أن تلعب دور القوة الجامعة للأطراف نحو المركز ما يعطي فرصة للأطراف بالانفصال أو على الأقل تكوين سلطات مستقلة تتحرك في وسط فضاءات إقليمية وجوارية (باكستان وإيران).
الكلام الأميركي عن «ديمقراطية» عراقية وأفغانستانية تبسيطي ويرتقي في نوعيته إلى حد السذاجة السياسية. فالتسلم والتسليم سيتجه نحو فوضى غير بناءة وسيكون في معادلته الداخلية محكوماً بتوترات أهلية ممتدة اجتماعياً وجغرافياً إلى خارج الحدود. فالواقع التكويني التاريخي أقوى من النظريات العامة التي تواصل الحديث عن النجاح في تأسيس «نموذج» الانتخابات (الاقتراع والتصويت) وصناديق تبادل السلطة وتداولها بين القوى الفائزة. هذا الكلام هراء ويقال للتسويق المحلي في الشارع الأميركي بهدف التغطية على الفشل أو ربما النجاح إذا كان مشروع «تيار المحافظين الجدد» استهدف من البداية تحطيم العراق وأفغانستان وتحويلهما إلى نماذج تعزز كراهية الشعوب للديمقراطية في دائرة «الشرق الأوسط الكبير».
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2901 - الأحد 15 أغسطس 2010م الموافق 05 رمضان 1431هـ
عبد علي عباس البصري
عند خروج الاحتلال من العرق وافعانستان ، فلا بد من دوله تحل محل الامريكان اعاده انتشار ، وليس هناك دوله اكثر ملائمه سياسيا ودينيا وعرفيا من ايران فهي من ناحيه اجتماعيه اكثر ملائمه لافغانستان وان كانت تختلف معها في المذهب , وهي ايضا اكثر ملائمه مع العراق مذهبيا وأن كانت تختلف عنها عرقيا . والقضيه هنا ان تصبح ايران دوله اقليميه عظمى تظم ايران وافغانستان والعراق والبحرين ولبنان وجزء من المملكه العرابيه اسعوديه . فتفرض سيطرتها واديولوجتها وعاداتها وتقاليدها على الآخرين وذلك بقانون البقاء للاقوى
عبد علي عباس البصري
هذه الدنيا يا نويهض تتمظهر وتتموضع ، بما شاء الله لا بما شاء الناس ، وتلك الايام يداولها بين الناس . فيوم لك ويوم عليك . أما عن المظهر السياسي في افغانستان والعراق فكلاهما من صنع باتريوس الغبي صنع من العراق حبكه صعب على صانعها حلحلتها ،وهو الآن في افغانستان يصنع كما صنع في العراق ،الرجل مو سهل فلديه دكتوراه في العلاقات الدوليه ، يعني ماكر ولا يحيق المكر الى باهله. فلا العراق لديه جيش يحمى الحدود ولا دوله قوينه حافض على قيمومه الناس .
عبد علي عباس البصري
انا ذهبت الى العراق والى البصره فرأيت الكثير من الشعب العراقي ينقم على دول الجوار ، ويتهمونها بالتدخل لمصلحتها الخاصه . ويوعزون عدم الاستقرار الى هذه الدول . اذا المشكله ليست في مجتمع متنوع الاعراق او الاديولوجيات او الاحزاب او المذاهب . في عدم الاستقرار ! مشكله افغانستان تكمن في تدخل بعض الدول البعيده والقريبه من افغانستان ، وهي هذه الدول التي ايدت الطالبان من اراضيها ضربت الطالبان؟!!! ولك في الهند والصين عبره دوله قويه متحده مع اختلاف الاعراق.
عبد علي عباس البصري
ليس الخوف من الانقسامات الطائفيه في المجتمع العراقي او الافغاني ، ففي النهايه حوار ومصالحه وتقاسم المناصب ومن ثم دوله كما قال الامام على عليه السلام (لا بد للناس من امام بر او فاجر ليسترح مؤمن ويسراح من فاجر) اذا نظام الحكم حاجه ملحه في كل المجتمعات وفي كل الازمنه ، مثلا لبنان باتت تحت وطأه الحروب الاهليه فما برحت حتى اسست دوله (وان كنت باوليد انوهض غير راضي عنها) بس هي دوله تحفض القانون . بس المشكله في التدخلات الخارجيه ومدى تأثيرها على لامجتمع العراق او الافغاني ، مما يقلق الكثير من دول ال
عبد علي عباس البصري
الاخ نويهض المحترم لك جزيل الشكر والامتنان على طرحك المختصر ، بس وللآخرين رأي . اولا : وان كان في الاعلام الامريكي ان الولايات المتحده دخلت العراق لتأسيس دوله ديموقراطيه الى ان الواقع غير ذلك ، فهي أسست دوله ديموقاراطيه على طريقتها الاستعاماريه ، تريد دوله هزيله متى صلحت لمصالحها فبها أو اصقاطها بأسم الديموقراطيه ؟! وأنشاء دوله اخرى وببساطه وبأسم الديموقراطيه . فتنه انتخابات استثنائيه ترشيح رأيس آخر وبأسولب الاعلامي المضلل ،فحكومه ربمى احسن للمصالح الاستعماريه كماهو في جنوب السودان.