تأسيساً على كل ذلك، لابد أن يكون لواشنطن أسبابها الخاصة التي تدفعها نحو الاستمرار في الإبقاء على صورة إيران كدولة «تمتلك سلاحاً نووياً تسعى لاستخدامه في سياسات عدوانية تجاه دول المنطقة»، والترويج، أيضاً، لاحتمال اضطرار واشنطن، انطلاقاً من مسؤوليتها الدولية في «الإبقاء على منطقة الشرق الأوسط بعيدة عن فتيل النزاعات القابلة للاشتعال»، إلى الإقدام - مجبرة بدوافع السلام - أن توجه ضربة وقائية لإيران، سواء قامت بذلك هي بشكل مباشر، أو عن طريق مباركتها لأحد حلفائها، الذين لن يكون هناك من بين صفوفهم أفضل من «إسرائيل»، التي تلتقي مصالحها هنا، إلى درجة التطابق، مع المصالح الأميركية.
يقف في مقدمة تلك الأسباب، محاولة الإدارة الأميركية الاحتفاظ بشعبيتها التي بدأت في التراجع من خلال نقل معاركها الفاشلة ضد أوضاعها الداخلية المستمرة في التدهور، إلى حروب خارجية مع أعداء من صنعها هي. هذه النقلة تكفي لشغل الرأي العام الأميركي عن مشاكله الداخلية، وفي المقدمة منها ذيول الأزمة البنيوية التي ولدتها شيخوخة آليات الاقتصاد الأميركي، وتحويل أنظاره نحو جبهات خارجية مثل «محاربة التسلح النووي الإيراني». ولعل من يتابع نتائج استطلاعات الرأي التي أعلنتها أكثر من مؤسسة أميركية، تتحدث جميعها دون أي استثناء عن تراجع شعبية الإدارة الجديدة، وفشلها في تحقيق الكثير من العهود التي التزمت بها خلال حملاتها الانتخابية، يكتشف بسهولة أهمية ذلك لتك الإدارة.
ثاني تلك الأسباب، هو خلق البيئة المناسبة، والظروف المؤاتية لنهب ثروات المنطقة، عن طريق تكديس المزيد من الأسلحة الأميركية فيها. فكلما علت طبول الحرب، وطغت أصوات عناصر عدم الاستقرار، كلما تهيأت دول المنطقة لشراء المزيد من تلك الأسلحة، بغض النظر عن جدوى القديم منها، أو امتلاك القدرة البشرية والفنية على تشغيل المتطور منها. ولاشك أن صفقات السلاح الأخيرة التي كشف النقاب عنها مع الكويت، والسعودية هي من المؤشرات القوية على ذلك. بل وصل الأمر إلى الإعلان على «عدم ممانعة إسرائيل» على السماح لواشنطن بتزويد السعودية بأسلحة كانت قد تقدمت بطلب الحصول عليها، منذ فترة، ولم تحظَ بموافقة الكونغرس إلا مؤخراً.
أما ثالثها، فهو التبرير لسياسة التسلح النووي الإسرائيلية، التي كثيراً ما سببت دعوات العديد من الدول، بما فيها دول غير عربية، في الأمم المتحدة، إلى إعادة النظر في الصمت الدولي على ترسانة السلاح النووي التي باتت بحوزة الدولة العبرانية، والخشية من استخدامها في حال اندلاع حرب في منطقة تغلي بالصراعات، وفي المقدمة منها الصراع العربي - الإسرائيلي. فبقدر ما يروج لمستوى التطور العالي الذي وصل إليه المشروع النووي الإيراني، بقدر ما يفسح ذلك المجال أمام تل أبيب كي تبرر استمرارها في تطوير مشروعات النووية، تحت مظلة الدفاع عن النفس، من «عدو»، تدرك «إسرائيل» أكثر من غيرها أنه لا يشكل تهديداً نووياً على حدودها.
أما رابع تلك الأسباب، فهو سعي واشنطن إلى إنهاك إيران في حروب مختلقة ومتكررة في آنٍ، تخوض معاركها من خنادق دفاعية محضة، يصعب عليها فيها أن تنتقل إلى مواقع الهجوم. هذه المعارك قد لا تصل إلى مستوى الصدامات العسكرية، لكنها تستنفذ قوى إيران في معارك سياسية وإعلامية، تحول دون نيلها الاستقرار الكافي الذي تحتاجه لتعزيز جبهاتها الداخلية في عمليات البناء والتطوير التي هي في أمس الحاجة لها اليوم، وفي توثيق علاقاتها الدولية مع الدول الصديقة على المستوى الخارجي. فكلما ضيقت واشنطن الخناق على طهران، على المستويين الداخلي والخارجي، كلما تحسنت الظروف التي تبرر توجيه ضربة سريعة لإيران، في حال اضطرار واشنطن اللجوء لهذا الخيار، رغم أنه مستبعد في نطاق الظروف الحالية القائمة.
يأتي بعد ذلك خامس تلك الأسباب، والذي هو محاولات واشنطن لتهيئة الرأي العام العالمي والإقليمي كي يكون جاهزاً لتقبل حرباً خاطفة وسريعة تقوم بها واشنطن، أو «إسرائيل»، من خلال وضع إيران في إطار قوة عدوانية في المنطقة، تشكل تهديداً مستمراً لأمنها (هذه المنطقة) بشكل عام، وخطراً على بعض دول مختارة فيها علة نحو خاص. لا تسقط واشنطن، كدولة عظمى وحيدة تنفرد اليوم بصياغة السياسات الدولية، احتمال اضطرارها تحت أية ظروف مستجدة إلى شن مثل تلك الحرب الخاطفة، التي ستحتاج إلى رأي عام يغض الطرف عن ذلك العدوان، إن لم يباركه. تحتفظ واشنطن بهذه الورقة كأحد السيناريوهات المحتملة في حال بروز أسباب جديدة تدفع باتجاهها، واضطرار واشنطن، بالتالي، للتصرف السريع إزاء تلك الظروف الطارئة.
نصل هنا إلى سادسها، والذي هو حرمان إيران من علاقات حسنة في أي تجمع إقليمي، أو عالمي، هي عضو مهم فيه، وتحتاج إلى علاقات حميمية مع أعضائه الآخرين. وهنا ينبغي، أن نأخذ بعين الاعتبار الثقل الذي تحظى به تلك التجمعات في العلاقات الكونية. فعلى الصعيد الدولي، هناك منظمة الأقطار المصدرة للنفط «أوبك» على المستوى الاقتصادي، ورابطة العالم الإسلامي، ومنظمة العالم الإسلامي، على المستوى السياسي. وعلى المستوى الإقليمي، هناك حوض الخليج العربي، الذي تسعى إيران كي تزرع نفسها كقوة صديقة في صفوفه. فتصوير إيران كدولة نووية ذات أطماع إقليمية يجردها من الكثير من العناصر الإيجابية التي تحتاجها لبناء علاقات مثمرة مع بلدان تلك التجمعات، وفي المقدمة منها الدول الخليجية.
تشخيص مثل تلك الأسباب، التي لابد وأن يكون هناك أخرى غيرها لا تقل أهمية منها، ربما يدفع إيران، إلى أن تحاول قدر الإمكان تقليص الخلافات الثانوية على الصعيدين الداخلي والخارجي، من خلال معالجة أسباب نشوب تلك الخلافات، والتفرغ، عوضاً عن الغرق في أوحال معارك تلك الخلافات الهامشية الثانوية، لتهيئة أوضاعها لمعارك أكثر إستراتيجية، قد تجبر على خوضها.
ولربما آن الأوان اليوم، أكثر من أي وقت مضى، كي تمد إيران يد الحوار وحسن الجوار مع دول مجلس التعاون الخليجي، أملاً في تشكيل كتلة سياسية - اقتصادية ضخمة تمتلك مقومات متينة للاكتفاء الذاتي الداخلي، وتحت تصرفها عناصر قوة متنامية تكفل لها إحباط أي مشروع لعدوان خارجي على أي من أعضائها بما فيها إيران ذاتها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2900 - السبت 14 أغسطس 2010م الموافق 04 رمضان 1431هـ
انها لعبة تخزين السلاح
أمريكا تخرج الفلم وإيران تؤدي أدوار الكومبارس ودول الخليج ممثلين ولاكن لا يحق لهم دور البطولة ,,,,,,,,,,,, أمريكا تطلق يد إيران تعبث يمين شمال حتى ينتشر الرعب في دول الخليج والدول العربية ,وبعدها تقتنع الدول العربية بخطر إيران وإيران ينفخخها جنون العظمة حين تغض أمريكا عنها الطرف,,,,, حتى تمر احداث الفلم وكل يقتنع بدوره في الفلم,,,, وبعدها تبدا لعبة التسابق في التسلح أيران ودول الخليج
حلم تعتبره إيران كابوس إن هي حلمت به, فضل عن تفكر فيه
آن الأوان اليوم، أكثر من أي وقت مضى، كي تمد إيران يد الحوار وحسن الجوار مع دول مجلس التعاون الخليجي
تحليل جميل
ارى بأن رأي الكاتب صائب و انا اتفق مع رأية 100%
و عجبني التحليل الدقيق و المفصل...
أكرر بأن امريكا ما زالت تكذب على الشعوب و الانظمة من اجل مصالحها الذاتية...و هي تثير الحروب و الفتن و نهب ثروات الدول حتى تحرك مصانعها و اقتصادها على حساب الشعوب...انا اعتقد ان امريكا يديرها رجال اعمال لا يملكون قيم انسانية!!!