سيناريو الانسحاب الأميركي من العراق (الانكفاء، إعادة الانتشار، التموضع) الذي ينتهي في مطلع اليوم الأول من سبتمبر/ أيلول المقبل بدأ يثير المخاوف ويطرح أسئلة بشأن «ماذا بعد؟».
رئيس أركان الجيش العراقي بابكر زيباري قال إن الانسحاب يسير في شكل جيد و«لكن المشكلة ستبدأ مع حلول عام 2011» عندما يصبح عدد قوات الاحتلال لا يزيد عن بضع مئات من الجنود. زيباري أشار في مؤتمره الصحافي إلى مخاوف وطالب بإيجاد أساليب أخرى لتعويض الفراغ ما بعد العام 2011 لأن «الجيش لن يكتمل قبل العام 2020».
رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي يرى أن الجيش يمتلك تلك الجاهزية «لحماية أمن العراق وسيادته» معتبراً أن القوة ليست عسكرية (مادية) وإنما في «ديمقراطيته ووحدته الوطنية». وبناء على هذه الفرضية المثالية (المتخيلة) يرى مستشار رئيس الوزراء علي الموسوي «أن جدول الانسحاب سيسير وفقاً للخطة المرسومة، ولن يتأثر بتأخير تشكيل الحكومة أو الحوادث الأمنية».
عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي فرياد راوندوزي أدلى برأيه مؤكداً أن «القوات العراقية ستحتاج إلى وقت أطول بعد العام 2011 لتكون قادرة على حماية الحدود الإقليمية». مرجحاً أن يضطر العراق إلى الاعتماد على الولايات المتحدة «في ما يتعلق بالجهد الاستخباراتي».
نائب القائد العام للقوات الأميركية في العراق الجنرال مايكل باربيرو أشار إلى جاهزية القوات الجوية العراقية (مئة طائرة) لتسلم زمام مسئولية حماية الأجواء بعد انسحاب القوات الأميركية نهاية العام المقبل.
كذلك اتجه مستشار نائب الرئيس الأميركي جون بايدن لشئون الأمن القومي أنتوني بلينكن إلى القول «إن الانسحاب حاصل لا محالة» وبالتالي لا عودة عن تلك الاتفاقات التي وقعت في نوفمبر/ تشرين الثاني في العام 2008 وقضت بالانسحاب من العراق خلال ثلاث سنوات تنتهي في اليوم الأول من مطلع العام 2012.
في السياق نفسه كرر الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس الكلام حين أشار إلى «أننا نعمل ضمن المهلة لإنهاء مهمتنا القتالية» في العراق. والمهمة القتالية ناقشها الرئيس باراك أوباما في اجتماع عقده الأربعاء الماضي مع فريقه للأمن القومي وقرر بشأنها أن تنتهي في 31 أغسطس/ آب الجاري مهما كانت الاعتبارات الأمنية والظروف السياسية. وهذا ما أعاد التأكيد عليه وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس حين أشار إلى التزام واشنطن بالاتفاق مع الحكومة العراقية على تنفيذ الانسحاب ضمن المهلة الزمنية مشيراً إلى أن «الوضع على الصعيد الأمني يتطور إيجابياً».
الانسحاب إذاً لا تراجع عنه مهما كانت المبررات السياسية أو الثمن الأمني (الفراغ المتوقع) وهو بدأ في مطلع الشهر الجاري وسيستقر على 50 ألفاً من قوات الاحتلال ستكون وظيفتها المعلنة المساعدة في تدريب الجيش العراقي قبل الخروج النهائي في مطلع العام 2012، وبعدها تباشر واشنطن التفاوض على مهمة «المئات» ودورهم في بيع أسلحة وتجهيزات عسكرية وأمنية.
هكذا إذاً وبكل بساطة (وقاحة) تعلن إدارة الولايات المتحدة عن نهاية حقبة وبداية أخرى. لا اعتذار، لا تعويض، لا تبرير لماذا وقعت الحرب، ولماذا دمر العراق، ولماذا قوضت الدولة، ولماذا أطلق المارد الطائفي – المذهبي من الزجاجة، ولماذا قتل مليون إنسان خلال الاحتلال وبعده، ولماذا شرد أو طرد أو نزح الملايين من مواضع إقامتهم، ولماذا نهبت الثروات، ولماذا استنزفت الطاقة، ولماذا تأسست حكومات تابعة على المحسوبية والرشوة والفساد، وغيرها من أسئلة وعلامات استفهام.
الجواب الرسمي الأميركي لم يتجاوز حتى الآن حدود «لقد فعلناها وعليكم تحمل مسئولية فعلتنا». وهذا النوع من الأجوبة الوقحة يصعب تصنيفه لأنه أصلاً غير صالح للشراء أو البيع. ولكن بالإمكان مقاضاته وإحالته على المحكمة الدولية حتى لا يتكرر درس العراق بعد مرور فترة زمنية يكون خلالها الشعب الأميركي (دافع الضرائب) نسي كل التفصيلات وجرائم الحرب التي ارتكبتها إدارة واشنطن في عهد «تيار المحافظين الجدد».
الانسحاب الأميركي ليس بريئاً وهو لا يقل خطورة عن الاحتلال. والتكافؤ في الكفتين يعود إلى أن الاحتلال تم بالضد من العالم وبذرائع مختلقة ومعلومات كاذبة، والانسحاب يتم من دون اعتذار أو تعويض أو محاكمة عادلة للإدارة التي اتخذت قرار العدوان. وهذا الأمر يؤكد عدم وجود ضمانات تمنع تكرار الجريمة في فرصة أخرى.
محاكمة إدارة جورج بوش الابن مسألة مهمة لأنها تشكل في حدها الأدنى التعويض المعنوي للكارثة التي نزلت بالعراق وشعبه، وربما تفتح الباب على احتمال عدم تكرار المهزلة (المأساة) ضد دولة أخرى. فالانسحاب من العراق لا يلغي مقدمة الموضوع في اعتبار أن النتيجة تقدم الدليل على هوية المجرم وطبيعته وسلوكه. وإذا لم تتعلم الولايات المتحدة الدرس من كارثة العراق ونكبة بلاد الرافدين وتعاقب دولياً على فعلتها تصبح احتمالات تكرار المجرم لأعماله واردة حين تأتي لحظة مناسبة في ظرف آخر.
لا يكفي أن تدعي الإدارة الأميركية البراءة حتى يسقط العراق حقه في المقاضاة والتعويض والمحاكمة العادلة. فهذا النوع من الانسحاب والتهرب من المسئولية وإنكار الخطأ كلها أدوات للتجميل ولا تفيد في المحاسبة لأنها في المحصلة العامة تعطي ذريعة في المستقبل أن تعاود إدارة جديدة في واشنطن الهجوم على دولة أخرى بذرائع واهية ولأسباب مختلقة.
مهما كانت النتائج التي سيتركها الانسحاب من العراق لا تغطي الأسباب (المقدمات) التي تسلحت بها واشنطن للهجوم والعدوان. وسواء نجحت حكومة بغداد (التابعة والفاسدة) في ضبط الأمن والسيطرة على الفراغات وسد الفجوات والفوضى أو فشلت في مهمتها الموكولة فإن المبدأ (الأصل) لا يتغير بالفروع وهو أن الظلم لا يصحح إلا بمعاقبة الظالم في محكمة دولية اقتصرت وظيفتها حتى الآن على ملاحقة الصغار والضعفاء بينما الكبار والأقوياء يرتكبون جرائم حرب من دون سؤال.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2899 - الجمعة 13 أغسطس 2010م الموافق 03 رمضان 1431هـ
عبد علي عباس البصري
الحكومات الطائفيه استمرت تنقسم على نفسها ، سوى كانت سنيه او شيعيه ! والعراق ما زال يعاني من نقص في الطاقه الكهريه وهي اليوم عصب الحياه . وين الزراعه وين بلاد الثروات المعدنيه والمائيه . اذا الحكومات اذا لم تكن تضم في صفوفها اولا : جميع اطياف الشعب شمال وجنوب شيعه وسنه عرب وتركمان ثانيا : الكفاءات العراقيه ثالثا: التعاون على القضاء على الارهاب وقطع ايديهم مهمى كانت اطيافهم وتوجهاتهم . عندما تكون الحكومه بهذه الكيفيه يكون الجيش وتكون الداخليه .
عبد علي عباس البصري
(شكرا وليد انويهض ) الولايات المتحده لم تسقط صدام لكونه دكتاتورا بل اسقطته لكونه حكومه ، وهي لا تريد ان تكون حكومه في العراق اصلا ، تريد العراق بقره حلوب او وكلب الحراسه مقلم المخالب ومخلوع الانياب ، ليستمر ادرار الحليب . اصلا الجيش العراقي ، لم تكتمل جاهزيته لا من حيث التنظيم ولا من حيث التسليح ؟ وهذا هو الواقع . والحكومات الطائفيه التي لا تقوم على الكفائات الشعبيه ايضا مرفوضه جملتا وتفصيلا . وغير قادره على الاستمرار اذا لم تكن تعتمد على قانون البقاء للاقوى في الكفائات لا في الطائفيه .