أحاول عبثاً ألا أتطرق لموضوع كتابة التاريخ، سبق وأن أشرت في عمود سابق لهذه القضية، فما الحاجة للتكرار. لكنني في الواقع، أعجز عن تجاهل كل الإشارات والعلامات والتفاصيل الصغيرة التي تلقى أمامي هنا وهناك. كما إنني لست مكلفة بتتبع أحوال الكتّاب والكتابة، لكنني رغم ذلك أجد كتّاب التاريخ يختبئون في كل تفاصيل الأفلام التي أبحث فيها أسبوعياً. أعجز عن تجاهلهم فليعذرني القارئ.
تقفز أمامي في كل أسبوع نماذج كتابة مختلفة، تثير جميعها التساؤلات، تقرع أجراس إنذار كثيرة. أناقش متخصصاً هنا أو مثقفاً هناك فيزداد الأمر تعقيداً وتظهر أمامي أوصاف عديدة فهذه كتابات مستقيلة، وتلك خائنة، وثالثة شقية وهلم جرا.
فيلم «الكاتب الشبح» الذي نناقشه في هذا العدد، وهو آخر الأفلام التي شاهدت حتى وقت كتابة هذا المقال، أثار فيما أثاره لدي من إشكالات قضية الكتابة مرة أخرى، الكتابة التاريخية على وجه التحديد وتأتي هذه المرة في صورة سيرة ذاتية لشخصية شهيرة تختزل حقبة من تاريخ أمة.
يضعك الفيلم أمام نموذجين من كتّاب السيرة الذاتية، قد لا يختلفان كثيراً في الناتج النهائي، لكن البدايات هي ما اختلفا فيه. ارتأى أحدهما تسطير السيرة الذاتية لرئيس وزراء مستقيل، بحسب ما أملاه عليه صاحب السيرة. هي كتابة رسمية إذن، التزم فيها كاتبنا بكل ما طلبه صاحب السيرة. وصاحب السيرة حين يكون شخصية صانعة لتاريخ بلادها أو مؤثرة في قرارها السياسي بشكل كبير، يصبح ممثلاً للجانب الرسمي وتصبح الكتابة ناطقة بلسان رسمي.
الكاتب الثاني، جاء أسلوبه مختلفاً منذ البداية، ربما لأنه لم يكن يملك خلفية سياسية في الكتابة، وربما لأنه أراد أن تكون كتابته «شقية» كما وصفها أحد المثقفين ممن ذكرت أعلاه، في مقابل الكتابة الرسمية.
كاتبنا الثاني أراد كتابة مختلفة، يتقصى فيها الحقائق بنفسه، يسرد فيها سيرة الشخصية المشهورة من منظوره هو، أو من أي منظور آخر سوى منظور ورؤية صاحب السيرة.
الطريف أن كلا الكاتبين، صاحب الكتابة الرسمية، وصاحب الكتابة الشقية، وجدا أنفسهما في لحظة ما وقد تحولا إلى صحافيين يستقصيان الحقائق ويريدان كشف الغموض عن مناطق مظلمة لم يشأ صاحب السيرة الاقتراب منها.
كلاهما تحول لكاتب شقي ربما لأن الاثنين أخلصا لما يكتبان، وربما لأن الكتابة قطعاً تستدعي الإخلاص. وربما لأن كاتب الفيلم أراد أن يقول أن الخونة واللاأشقياء، واللامتمردين من الكتّاب، لا مكان لهم في التاريخ.
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 2897 - الأربعاء 11 أغسطس 2010م الموافق 01 رمضان 1431هـ
الشقاء عنصر الجذب
إذا لم تكن شقيا في كتاباتك فلن يقرأك أحد. والشقاء هنا بكل المعاني المثيرة كما أن القراءة بمعنى المشاهدة ووالمتابعة والإستماع الخ.