على الطريقة العربية المعهودة عندما يصر المسئولون العرب على كسب رضا المواطن العربي، من خلال السعي لإشاعة الطمأنينة في قلبه، ودعوته إلى التمسك بثقته في قدرة حكومته على حل مشكلاته، والتصدي لأية أزمة طارئة قد تواجهه، اقتصادية كانت أم حتى غذائية، لجأ رئيس مجلس الوزراء المصري أحمد نظيف، إلى هذه السياسة التقليدية العربية عندما انفجرت أزمة «شحة القمح» قبل أيام في السوق المصرية، داعياً المواطن المصري إلى طرد مخاوفه من احتمال اندلاع أي شكل من أشكال الأزمات الغذائية الناجمة عن غياب القمح الذي يمد نسبة عالية من الشعب المصري بأحد المكونات الرئيسية لغذائه وهو الخبز من الأسواق.
وأكد نظيف استمرار توفر «رغيف الخبز المدعوم»، بشكل كبير من الحكومة كي يبقى سعره «في المتناول في مصر التي يعيش خمس سكانها على أقل من دولار يومياً بحسب أرقام للأمم المتحدة». وعلى هذا الأساس فمن المفترض أن يظل سعره كما هو دون تحميل المواطن أية أعباء إضافية، جراء أزمة القمح العالمية».
لم يتطرق نظيف في مجمل تصريحاته عن احتمال نشوء «سوق سوداء خاصة بسلعة الدقيق»، التي ارتفع سعرها بصورة كبيرة، مباشرة إثر إعلان روسيا عن إعادة النظر في التزاماتها تجاه سوق القمح العالمية.
وإمعاناً في سياسة الطمأنة، أكد نظيف أن «الاحتياطي الإستراتيجي لمصر من القمح، يكفي شهوراً مقبلة». وكما تناقلت وكالات الأنباء، فقد أدى قرار روسيا حظر تصدير القمح دفع الأسعار العالمية للارتفاع في الآونة الأخيرة. وسوف ينعكس ذلك على مصر، حيث أعلنت وزارة التجارة المصرية أن ارتفاع الأسعار سيكلف الدولة ما بين 441 و705 ملايين دولار في السنة المالية الحالية. كما ارتفعت أسعاره في السوق المصرية، وفقاً لمصادر إعلامية مسئولة «إلى الضعف».
تنبع المكانة المميزة للسوق المصرية، من كون مصر، ووفقاً لمصادر كثيرة من بينها الصحافة المصرية، «أكبر بلد مستورد للقمح في العالم، إذ تستهلك مصر نحو 14 مليون طن من القمح سنويا وتعتمد على الاستيراد لتلبية نحو نصف احتياجاتها. كما إنها لم يكن في وسعها
تحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح بنسبة 70 في المئة قبل حلول العام 2020 مع قيامها بزراعة سلالات جديدة عالية الإنتاجية.
أخطر ما في الأمر هو احتمال سعي الولايات المتحدة للاستفادة من هذه الظروف الصعبة التي قد يعاني منها الاقتصاد المصري، جراء زيادة كلفة استيراد القمح، لفرض بعض الشروط السياسية، ذات علاقة بإعادة ترتيب الأوراق في منطقة الشرق. بدأت رائحة مثل تلك المساعي في المؤتمر الصحفي الذي شارك فيه سوية وزير الزراعة أمين أباظة، والسفيرة الأميركية بالقاهرة مارغريت سكوبى، وحضره أيضاً رئيس مركز البحوث الزراعية أمين أباظة، والقائم بأعمال سفارة أفغانستان بالقاهرة محمد محق، وركزوا فيه جميعاً على كون «الفترة المقبلة ستشهد تنفيذ عدد من البرامج لدعم التعاون الاقتصادي بين مصر والولايات المتحدة الأميركية تركز على دعم التعاون في المجال الزراعي وتبادل الخبرات، وقد تم الاتفاق بين البلدين على تعزيز التعاون فيما يتعلق بإنتاج تقاوى القمح».
ولم يكن في وسع أباظة أن يخفي قلقه السياسي، فحاولوا التقليل من أهمية المساعدات الأميركية لمصر قائلاً، «الاعتماد على المعونة الأميركية ليس هو الأساس، ولا أظن أن أي دولة في العالم يمكن أن تبنى سياساتها أو برامجها على المعونة، وأن مصر وصلت إلى مرحلة يمكن من خلالها توظيف إمكانياتها بالشكل والطريقة التي تسمح بفتح مجالات مع الجانب الأميركي تعتمد على الاستفادة المشتركة من التجارة البينية والاستثمارات المشتركة وتبادل الخبرات».
من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن مصر، ليست الدولة العربية الوحيدة «المكشوفة غذائياً»، كما أنها ليست الوحيدة التي تحاول التأكيد على قدرتها لمواجهة الأزمات. فقد كشف وزير الزراعة السعودية فهد بالغنيم عن حاجة السعودية «لفتح المجال لزيادة الإنتاج في القطاع (المقصود هنا قطاع زراعة القمح)، مضيفاً أننا نعمل دائماً على توفير مخزون من القمح لستة أشهر مقبلة». وفي سياق الأخذ بسياسة «الطمأنة»، أكد بالغنيم أن السوق السعودية، حتى في حال «ارتفعت أسعار القمح عالمياً فلن نتأثر بهذه الارتفاعات بتاتاً».
هذا على مستوى كل دولة على حدة، لكن اليوم، تستعيد ذاكرة مستوردو القمح في الشرق الأوسط تلك الأزمة التي انفجرت إثر الجفاف الذي اجتاح المنطقة خلال سنوات 2006-2007، وأدى إلى إرتفاع الأسعار، وكاد أن يقود إلى انفجارات لعدم قدرة بعض حكومات الشرق الأوسط حينها» على إطعام الشعوب التي تعتمد على الأسعار المدعومة للاحتياجات الضرورية من الغذاء». ودعا بعض التجار الدوليين وأصحاب المطاحن والمسئولين المؤسسات الحكومية المشترية إلى أن تتحاشى «المجازفة بالمساس بنظام دعم الأسعار الذي يحد من ارتفاع أسعار الخبز بشكل حاد بعد أن تسببت قفزات كبيرة في أسعاره قبل سنوات في إثارة اضطرابات مدنية في عدة دول من بينها مصر والأردن». ويستند الكثير من تلك الدعوات إلى نصائح محللون وخبراء في مجال القمح الذين يؤكدون «أن الاستقرار الاجتماعي يرجح على كفة أي مكاسب مالية من خفض الدعم في منطقة تعيش أغلبية سكانها على الأغذية المستوردة».
حينها أيضاً حذر الكثيرون، من احتمال دس أميركا أنفها في المشكلة من خلال استفادتها منها، وعرض المشاركة في حلها عن طريق المساعدات التي أبدت واشنطن استعدادها لتقديمها لقاء أثمان سياسية دفعت مجموعة من الدول العربية بعضاً منها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2897 - الأربعاء 11 أغسطس 2010م الموافق 01 رمضان 1431هـ