«قرائن ومعطيات وليست أدلة قطعية». هذه هي الخلاصة السياسية التي خرج بها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في مؤتمره الصحافي الأخير بشأن جريمة اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط 2005. فالقرائن التي أشار إليها تمثلت في أشرطة جوية صورتها طائرات استطلاع إسرائيلية للطرق والممرات التي يسلكها رئيس الوزراء السابق للوصول إلى مقر إقامته. وأرفقت الأشرطة بصور جوية أخرى تؤشر إلى مسالك ومعابر في الجنوب والجبل وغيرها من أمكنة تتحرك في وسطها قيادات من جماعة 14 آذار. والأشرطة التي تصورها طائرات الاستطلاع كان لها وظيفة محددة وهي رسم خريطة طريق للهدف قبل ضربه. وهذا ما حصل قبل تنفيذ عملية أنصارية الفاشلة في العام 1997.
إلى الأشرطة التجسسية هناك الفريق العملاني الذي ينشط على الأرض ويقدم المعلومات ويروج الشائعات ويحدد نقاط عبور أو إقامة الأهداف المطلوب تصفيتها بغض النظر عن هويتها السياسية ومواقفها الإيديولوجية، لأن القصد في النهاية إثارة البلبلة وإرسال إشارات غامضة ومتضاربة حتى تتورط القوى المحلية في مواجهات جزئية واتهامات متبادلة تؤدي إلى مصادمات داخلية أهلية تعزل الأطراف عن بعضها وتضعها في مواقع متخاصمة تضعف الوحدة وتكشف غطاء الحماية عن الدولة والمقاومة معاً.
الأشرطة لاشك تعتبر قرينة لأنها عادة تصور الهدف قبل ضربه أو تصفيته. وشبكة المخبرين والمتعاملين تشكل أيضا قرينة مضافة لأن طائرات الاستطلاع لا تعتبر كافية لتنفيذ العمليات والجرائم ميدانياً من دون مرافقة مجموعات تعمل على الأرض تساعد أو تسهل الوصول إلى الهدف.
كل هذه المعلومات تعتبر في مجموعها قرائن تؤشر سياسياً إلى ناحية ولكنها قانونياً يصعب اعتمادها أدلة اتهامية قاطعة تأخذ بها المحكمة الدولية قبل صدور قرارها الظني. فالأشرطة قوية ومحكمة كذلك التحقيقات التي تم أخذها من الموقوفين الذي تجاوز عددهم المئة في أقل من سنة. القرائن قوية وهي في معطياتها التقنية (الصور الجوية) والبشرية (شبكات التجسس) تؤكد إشارات سياسية في بلد تعتبر ساحته مكشوفة ومفتوحة على تدخلات واحتمالات. ولهذه الأسباب المجتمعة تعتبر جريمة اغتيال الحريري سياسية بامتياز لأن الطرف الذي أخذ القرار (الفاعل) ونفذه (القوة الميدانية) ارتكب فعلته لأغراض سياسية وليس لدوافع السرقة. وحين تكون المصلحة سياسية تصبح النتيجة مرهونة بالمعطى الزمني والظروف التي حصلت خلالها الجريمة وبالتالي يمكن وضع المسألة في إطار من هو المستفيد؟ ومن هو المتضرر؟
العودة إلى تلك الفترة وإعادة قراءة فضاءاتها الدولية والإقليمية والجوارية والمحلية خطوة مهمة للمساعدة في كشف شبكة «الجينات» السياسية التي شجعت على توجيه هذه الضربة القاسية التي أنهت الوجود العسكري السوري في لبنان وقسمت البلاد إلى 8 و14 آذار وأفرزت خريطة أهلية «طائفية – مذهبية» للتحالفات والخصوم وكادت أن تدفع التناذبات والاستقطابات إلى صدامات تشطر بلاد الأرز إلى كونفيدراليات مناطق تتقاتل على ترسيم حدودها المحلية.
آنذاك كان العالم دخل في تجاذبات دولية بسبب الحرب الأميركية على العراق. ولعبت فرنسا (جاك شيراك) الدور المفصلي في قيادة جبهة الاعتراض على الضربة الاستباقية التي قررها تيار المحافظين الجدد (جورج بوش الابن) ما ولد تناحرات عنيفة بين واشنطن وباريس على المستويين الدولي والإقليمي. دولياً قاد شيراك الجبهة الرباعية المضادة للحرب وتألفت من فرنسا وألمانيا (شرودر) وروسيا (بوتين) والصين. وإقليمياً لعبت سورية دور قوة الاعتراض العربية في مواجهة تداعيات احتلال العراق وتقويض دولته في العام 2003.
هذه الصورة السياسية الدولية والإقليمية ليست أدلة أو قرائن ولكنها معطيات تشير إلى الفضاءات التي عصفت بالمنطقة وأدت إلى زعزعة الاستقرار بعد سقوط بغداد وأطلقت المارد الطائفي – المذهبي من زجاجة بلاد الرافدين. وبطبيعة الحال كان لابد أن تتأثر ساحة بلاد الأرز بأجواء التحولات التي عصفت بالدول المجاورة وأدت إلى عزل سورية وتعريض أمن السعودية إلى موجات متتالية من العمليات الانتحارية والتفجيرات في مختلف المناطق وعلى مستويات متفاوتة من القوة خلال السنوات الثلاث التي أعقبت إستراتيجية التقويض في «الشرق الأوسط». بالعودة إلى لبنان شهدت الساحة آنذاك هزة سياسية غير متوقعة ولم تكن محسوبة في تبعاتها تمثلت في قرار التمديد لرئيس الجمهورية السابق اميل لحود لنصف ولاية (ثلاث سنوات). القرار دستورياً غير سليم ويخالف الأعراف إلا أن ردة الفعل الدولية عليه كانت أكبر بأضعاف مضاعفة من الفعل.
المفاجأة الكبرى التي فاقت التوقعات والحسابات هي أن تجتمع الدول الكبرى وتصدر في العام 2004 عن مجلس الأمن القرار 1559 رداً على محاولة التمديد ثلاث سنوات للرئيس السابق لحود. ردة الفعل كانت أكبر من الفعل (الخطأ الدستوري) لأن القرار الكارثة اشتمل على فقرات مدمرة لا تستطيع دولة ضعيفة وهزيلة تنفيذها، كذلك كان بالإمكان أن تجرجر بلاد الأرز إلى حروب أهلية وصغيرة لا تنتهي بخسارة طرف أو ربح طرف.
مطالبة الدولة آنذاك بفقرات تشتمل على إخراج الجيش السوري من لبنان وتجريد الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية من السلاح وضعت بلاد الأرز على خط زلزال أهلي وإقليمي كان من الصعب تنفيذها من دون تدخل دولي أو وقوع حادث ضخم يقلب الطاولة ويضغط شعبياً على كسر المعادلة. في ضوء هذه المعطيات السياسية الكبرى والتقلبات الدولية الحادة المعطوفة على تداعيات احتلال العراق وتقويض دولته وقعت جريمة اغتيال الحريري والجرائم المتتالية الأخرى. فالفعل أدى إلى ردود فعل تمثلت في طورها الأول بإخراج الجيش السوري بقرار من دمشق ما أدى بدوره إلى تعديل التعديل وسحب الذرائع من الدول الكبرى على استكمال هجومها وتنفيذ ما تبقى من فقرات نص عليها القرار 1559.
كل هذه المعطيات السياسية ليست قرائن وبالتأكيد ليست أدلة للإشارة إلى الفاعل (المستفيد) أو المنفذ (الناشط ميدانياً) ولكنها في النهاية تضع ملاحظة عن تراجع حدة الخلاف الأميركي – الفرنسي بشأن ملف العراق ونمو نوع من التنسيق بين واشنطن وباريس تمثل في التفاهم على الملف اللبناني وما يتضمنه من أوراق.
بعد اغتيال الحريري تحسنت العلاقات الأميركية – الفرنسية لأن الجريمة وجهت ضربة مباشرة للرئيس شيراك وأضعفت النفوذ الفرنسي في لبنان وأربكت القوى المحلية وامتداداتها الإقليمية لما كان يتمتع به رئيس الوزراء السابق من دور خاص واستثنائي في ترسيم خريطة طريق تربط باريس بالرياض من خلال بوابة بيروت.
الجريمة إذاً سياسية ومعطياتها الدولية والإقليمية والجوارية والمحلية متنوعة القنوات. كذلك القرائن فهي تشتمل على عوامل ودوافع شديدة التعقيد والتداخل لأنها مرتبطة بمتحولات صاخبة ومتغيرات عاصفة هزت توازنات وتحالفات «الشرق الأوسط» بعد سقوط بغداد وتمزيق العلاقات الأهلية وامتداداتها المذهبية في المحيط الجغرافي من إيران إلى لبنان. اللحظة المكانية لا يمكن فصلها عن الفضاء الزماني لوقوع جريمة الاغتيال وتلك الشبكة العنقوية العمودية والأفقية من أجهزة المخابرات. لذلك فإن هذه الجرائم المرعبة من الصعب كشف الجهة التي ترتكبها (الفاعل والمنفذ) بالأدلة القطعية لأنها تنتمي إلى عالم المخابرات السفلي والخفي الذي يتحرك تحت الأرض وبعيداً عن المسرح المرئي.
السيد نصر الله في مؤتمره الصحافي كشف عن صور وأشرطة ومواقع وأسماء وتحقيقات ولجان مشتركة ومعطيات وغيرها من وقائع ومعلومات أخذت من عملاء ومخبرين، ولكنه انتهى في آخر المطاف إلى التأكيد على الجانب الظني (قرائن) ولم يذهب إلى حد الاتهام القطعي تاركاً الباب مفتوحاً على الحفر في مسرح الجريمة لكشف الحقيقة.
قرائن في مواجهة قرائن، ظنون في مقابل ظنون، معطيات تقارع معطيات... والنتيجة تكافؤ الأدلة وعدم القدرة على انتزاع اعتراف أو كشف وثيقة (أمر يومي) تؤكد هوية القاتل وعنوانه. وهذا الاحتمال المفتوح يعود سببه إلى أن الجريمة سياسية وجرت في سياق معطيات زمانية – مكانية جرفت الكثير من التحالفات وساهمت في إعادة تشكيل توازنات القوى في «الشرق الأوسط» بعد إسقاط بغداد. وبيروت في خضم هذه المتغيرات الدولية والإقليمية ليست مدينة بعيدة عن كل الفضاءات التي تولدت في المنطقة. ولأن الأمر كذلك يرجح أن يبقى الجواب عن سؤال من ارتكب جريمة اغتيال الحريري غير قاطع في أدلته.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2896 - الثلثاء 10 أغسطس 2010م الموافق 29 شعبان 1431هـ
قرائن ولكن!
بما أن المستفيد متعدد ومن ضمنها إسرائيل ... وبما أن القرائن تقابلها قرائن.. فلماذا يتم إستبعاد فرضية أن تكون إسرائيل هي من قامت بالجريمة؟
اسرائيل المسئولة يا عرب النار
نعم إسرائيل المسئولة عن اغتيال الحريري ونحن لم نعهد أن السيد تحدث في شي لا يثق به حاشاه، وسائل اعلام العدو اعترفت صراحة بصدق السيد ودائماً ما تحمل تهديداته على محمل الجد، أما أنتم يا عرب النار فلا يرجى منكم شيء.
معطيات أم حقائق ؟
هذه المعطيات هي حقائق لا تؤدي الا الى " اسرائيل " , وسننتظر لنرى أن من قام بالإغتيال هم عملائها . سيد نصر الله قال أن لديه الكثير فلا تستعجلوا . الموضوع ماذا لو وضحت " اسرائيل " في الصورة هل يقبل بعض اللبنانيين وهل يقبل المجتمع الدولي والأكثر من ذلك أن بعض الدول العربية لا يمكن أن تقبل , لذلك ستبقى هذه الحقائق مجرد معطيات والا فهي عين الحقيقة !
اخي وليد كيف تفكر؟
ربما لم تضف في مقالك اي جديد وكررت ما قاله السيدحسن نصر الله قرائن ومعطيات غير قطعية ولكن العيب في مقالك هو انك لم تحاول حتى الاشارة الى العدو الصهيوني لا من قريب او بعيد !!!
هذا يدل القارىء على انك لازلت تشكك ، وربما لا تريد توريط اسرائيل في هذه الجريمة التي هزت لبنان .
وهنا نضع خط عريض على طريقة تفكيرك ؟!!
التوازن
قرائن الصديق و خشان ووسام الحسن تسمى قرأئن أيضا, ثمن الدم سيكون أقل في حال كون المقتول لم يقتل لذاته بل للوصول لغيره, لكن في حال توجيه التهمة لحزب الله سيكون هناك ربح أكبر وفائدة سياسية ل 14 آذار, سيكونون هم وحدهم في لبنان, لكن لو اتهمت إسرائيل سيكون الربح أقل لأنه لم يقتل لذاته بل للوصول لحزب الله, فلن تكن هناك فائدة ترجى من هذا الإتهام داخليا, ثانيا هو أمر مستحيل من جناب المحكمة,
العقل والمعطيات المقدمة تدين الصهاينة
من خلال عمليات الاغتيال التي قامم بها العدو الصهيوني في لبنان ولاكثر من مرة ، ومن خلال قرائن السيد نصر الله تثبت بما لا مجال للشك بأن العدو الصهيوني هو من قام بالجريمة ؛ لانه هو المستفيد المباشر والوحيد من حدوث إرياكات في الساحة اللبنانية بين الفرقاء ، من أجل تحقيق أجنداته، فضلا أن هناك مقالا لاحد الصهاينة كتبه في صحيفة صهيونية منذ 2004 يقترح بالقيام بعملية اغتيال تهز المجتمع اللبناني، كما أن إبعاد وصرف الاتهام عن الصهاينة وحتى وضعهم في موقف الاتهام مثير للعجب والدهشة فكيف لا يتهمون ويحقق معهم
إسرائيل هي المجرمة
التقنية في الجريمة ليست متوفرة إلا لدى الدول المتقدمة ولا يستطيع القيام بهذه الجريمة إلا جهاز مخابراتي متقدم والكل يعرف ذلك بما فيهم أهالي الضحايا !!! ولكن من يستطيع الكلام ؟؟؟
من المستفيد ؟
جهات عديدة كانت تناصب الحريري العداء وكانت تختلف معه بقوة . . ولكن أي جهة التي نفذت عملية الإغتيال ؟ هذا شىء لا أحد يعرفه . أما الإستدلال على الظنون فقط فهذا خطأ .