يبدو أن النشاط الثقافي الذي تشهده مملكة البحرين، والذي أخذ بالازدياد يوما بعد يوم، ومن حال إلى حال أفضل، وذلك بالتحديد مع الأمر الملكي بتعيين الشيخة مي بنت محمد آل خليفة لمنصب وزيرة الثقافة والإعلام، وهو ما أتى بالتزامن مع تغيير مسمى الوزارة من مسماها الذي التصق بها طويلا وهو وزارة الإعلام فقط، لتصبح الأولوية في هذه الوزارة للثقافة قبل كل شيء.
هذا الاهتمام المتزايد بالنشاط الثقافي، وما أنتجه من مهرجانات تهتم بالثقافة والسينما والمسرح، ألقى بظل كبير على العقليات السائدة حتى بين أفراد المجتمع البحريني، الذين باتت الثقافة جزءا متداخلا مع حياتهم، وصاروا يتعرفون عليها بشكل مستمر من خلال جميع وسائل الإعلام والإعلان.
المعماري مصطفى سلمان الزرقي حاز على المركز الأول لشعبة الهندسة المعمارية في جامعة البحرين عن مشروع التخرج الذي قدمه، وهو المشروع الذي وجده متأثرا ومتقاطعا بشكل كبير مع الهوية الثقافية لمملكة البحرين، والاهتمام المتزايد من المملكة لدعم وتشجيع هذا القطاع، والمدى التوسعي الذي احتله في الآونة الأخيرة.
وقد قام الزرقي بتصميم مشروع لمدرسة فنية تفاعلية مع المجتمع في منطقة المنامة القديمة، وهو أمر وجده يصب ضمن توجهه الذي بدأه في «تطوير شيء ثقافي في منطقة المنامة بمنظور وطريقة فنية حديثة، وذلك بسبب قلة الاهتمام الشعبي بالفن في تلك المنطقة، واقتصاره على أشخاص معينين ومناطق معينة؛ لذلك قررت أن أصمم مدرسة فنون جميلة تفاعلية مع المجتمع، بحيث تصبح هذه المدرسة جزءا من نسيج المجتمع والمنطقة، ولا تكون دخيلة عليها، وتتفاعل مع المنطقة لتكون جزءا متكاملا معها، ويشكل الحي شريان الحياة في الجامعة».
وقام الزرقي باختيار المنامة كمنطقة لتصميم المدرسة بناء على دراسة قام بها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وهي حول تطوير مناطق معينة في البحرين مثل المنامة والمحرق، وإدخال بعض العناصر التي تجعل في هاتين المنطقتين عوامل جذابة للناس، إذ يقول «طبقت هذه الدراسة في المحرق في المنطقة التي تضم مراكز الشيخ ابراهيم وبيت عبدالله الزايد ومكتبة اقرأ، وبيت الكورار وبيت القهوة مؤخرا، إلا أنها لم تطبق في المنامة، ولذلك قمت باختيار بيوت تم الاتفاق عليها في الدراسة، والتي تميزت بأنها تقليدية ولها وزنها التاريخي في المنطقة مثل بيت العصفور والمدرسة الإيرانية وبيت يتيم ومبنى وزارة التربية والتعليم القديمة؛ كل هذه الأماكن اخترتها كمواقع لها ثقلها التاريخي في المنطقة، وإذا ما تمت إعادة إنشائها وأضفنا لها لمسات خاصة مثل بيت العصفور الذين يشتهرون بالأدب، فإن اختيار هذا الموقع سيؤتي نتائج أكبر، وهو بالتحديد الموقع الذي اخترته ليكون مكتبة المشروع ودار لتعليم الخط العربي».
وعن باقي المواقع فيقول الزرقي «أما بالنسبة للمدرسة الإيرانية التي كانت أول مدرسة أهلية في البحرين وأنشئت عام 1901، فقد أصبحت من ضمن مشروعي الجزء المعني بالتدريس النظري، واستغليت تصميم الصفوف القديمة، مضيفا لها غاليري، يعرف بالمدرسة وتاريخها والحقبات التي مرت في السابق»، مضيفا «قمت بتخصيص مساحة كمرسم حر ليتمكن الأهالي من الرسم فيه خلال أوقات الفراغ دون التأثير على الخط التعليمي في المدرسة، وفي الوقت نفسه يكون هناك مجال للتدريس الاحترافي فيه أيضا، والمدرسة في فكرتها تعتمد بشكل كبير على التغير الذي يحدث في المنامة كل يوم خلال المواسم الدينية التي تمثل الطابع الاجتماعي للمنطقة، والذي من الواجب استغلاله، فتتحول المدرسة خلال المواسم لما يشبه تجربة المرسم الحر والمرسم الحسيني ومعارض التصوير والفيديو حينما تفتح القاعة الأساسية في الجامعة لاستقبال الوفود واستعراض نتاج التفاعل الفني مع الحدث الديني في المنطقة».
ووجد مصطفى بحسب دراسته للموقع أن من الأحق استغلال هذه المنطقة والشارع الرئيس بالتوازي مع خط برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حتى يرى هذا المشروع النور، وقد ارتكز الاختيار على هذا الشارع لقلة السيارات فيه، واعتماده على حركة الناس بشكل أكبر، إذ يقول «اخترت الشوارع الرئيسية ليكون فيها الغاليري، وصممت صالات متعددة الوظائف، حتى يستعرض الناس الأعمال الفنية ويكتشفونها حينما يمرون، إلى جانب المطعم الفني، وهو يساعد الناس على الدخول للمدرسة ويساعدهم على التقرب والتعرف على الفن في نفس الوقت».
ومن أهم الأفكار التي يعتمدها المشروع فكرة النقطة المنتشرة، وهي أن تبدأ الفكرة بمكان وتنتشر على باقي المساحة المحيطة به.
«هذه تجربة متأثرة بتجربة مدينة أصيلة المغربية، التي بدأت بسيطة وأخذت تتفاعل مع المجتمع حتى تحولت المدينة إلى أيقونة فنية يعمل كل من فيها لخدمة الغرض الثقافي والفني، كذلك هذا المشروع الذي إذا نجح في هذا الشارع ستتحول باقي مناطق المنامة إلى استنساخ هذه التجربة وتمتد الفكرة حينما يبدأ الأهالي باتباع خط المدرسة في التصميم الخارجي والروح الفنية العامة» كذا يقول الزرقي، الذي يضيف «حتى في تصميم المشروع استخدمت مبانٍ متباعدة ولم أهمل النسيج، ولكن داخلت بين الشوارع الضيقة والأزقة وما بين الجامعة حتى يتمكن الناس من الدخول حتى من الأزقة ويستشعرون في الجامعة القرب، كما يمكنهم استغلال ساحاتها كممرات مختصرة بين شارع وآخر، وهو سبب لاستعراضهم لمحتويات الجامعة ما يجعلهم يتفاعلون ويبدأ الفن الدخول لقلوب الناس».
وصمم مصطفى الزرقي الواجهات بحيث يرسم الشارع بشكل متكامل، من خلال تطوير المشاريع، مع الإبقاء على التناسق ما بينها وبين باقي المباني القديمة، وليصبح نموذج التمازج والتداخل مابين التصميم القديم والحديث، وهو ما يبرز في تصميم المدرسة الإيرانية ودخولها لنمط العمارة الحديث تدريجيا مع باقي أجزاء المدرسة التفاعلية.
الزرقي يقول «الأشياء والأحداث الثقافية الرائعة التي تشهدها البحرين، والاهتمام المتزايد من وزيرة الثقافة والإعلام الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بتطوير وتفعيل النشاط الثقافي في المنطقة كان مصدر إلهام لي، وهو ما شدني لأن أقدم مشروعا يصب في هذا التوجه العام، وأنا أتمنى أن يطبق المشروع على أرض الواقع، وذلك لأنني مؤمن به، وسيحدث نقلة في المنطقة بشكل عام وستعم الفائدة على المنطقة، وستستطيع المنامة أن تعرف بثقافتها، والحركة في المنطقة والسوق ستتبادل مع الجامعة المنفعة من ارتياد المتسوقين للجامعة والزائرين للجامعة للسوق وهو ما يحرك العجلة الاقتصادية أيضا».
وتمنى الزرقي في ختام الحديث أن يتم احتضان ورعاية مشروعه، إذ يقول «هو مشروع متكامل للنهوض بالمكان، ويمكن لكبار التجار والمؤسسات الخاصة تبني هذا المشروع لأنه سيدعم تاريخهم ويجذب مزيدا من الاستثمارات وعوائد مالية على المشروع، وهو ما أتمنى أن يرعاه ويتبناه قطاع الثقافة والتراث ووزارة الثقافة والإعلام متمثلة في الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، إذ سيسد هذا المشروع النقص والفراغ الذي يحدثه غياب مدرسة خاصة بالفنون الجميلة في البحرين ومنطقة الخليج بشكل عام، ويعوض إغفال المنامة من المشاريع الثقافية- التنموية».
العدد 2407 - الأربعاء 08 أبريل 2009م الموافق 12 ربيع الثاني 1430هـ