دشن الناقد الكويتي توفيق فهد الهندال كتابه الفكر والحجر في أمسية بالملتقى الأهلي الثقافي بحضور مجموعة من المثقفين والكتاب والمهتمين والأصدقاء، حيث ألقى الهندال مجموعة من مقالاته وبعدها أهدى للأصدقاء مجموعة من نسخ الكتاب ممهورة بتوقيعه.
حين وقعت عيني على كتاب «الفكر والحجر» لمؤلفه فهد الهندال تبادر إلى ذهني أنه الفكر الحَجْر بفتح الحاء وسكون الجيم لما بينهما من تضاد وكأن الكاتب أراد أن يجمع بين المتضادين كصيغة نقدية فالفكر يحتاج لحرية وليس لحَجْر وإغلاق ومنع، في نبرة تنديدية حيث تلاقي بعض الأفكار نوعا من الصد والمواجهة والمنع أحيانا، ولكن ما استوقفني مرة أخرى لأقرأ العنوان أنه لم يكن كما قرأته بل كان بفتح الحاء والجيم «الفكر والحَجَر» فتوقفت علِّى أعود لتلك القراءة وألغي تأويلها ولكني وجدت مجددا أن الدلالة لن تختلف حيث الفكر حرية وليونة وطراوة وجدة وفعل حركة، في مقابل الحَجَر حيث الصلابة والشدة والجمود والصد الذي يصنعه الحَجَر بما يفتح الدلالة على المقابلة بين الفكر وانفتاحه والحَجَر وجموده مرة أخرى، من هنا فإن الدلالة لن تختلف فيما بين الحَجْر والحَجَر لما بينهما من مشتركات واجتماعهما في جذر لغوي واحد والرجوع إلى دلالة لغوية واحدة في بنيتهما العميقة.
وتعود للكتاب مرة أخرى فتتأكد أن المقصود «الفكر والحَجَر» بالفتح حيث ورد في إهداء الكتاب «إلى من نقش الفكر في حَجَر طفولتي وأماط اللثام عن حقيقة حياتنا» هكذا يكشف لك السياق ما ذهبت إليه من قراءة وتأويل.
بعد العنوان والإهداء يسوق الهندال مجموعة من المقولات لإدورد سعيد وأليوت وبلقزيز وعلي حرب وشريعتي وفوكو ياما ولعله باقتطاع هذه المقولات والأسماء يريد أن يضع كلامه في سياق خاص يدور مدار ما اشتغلت عليه هذه المجموعة من أفكار ومتبنيات شغلت الكثيرين وما زالت تشغل ساحة الفكر العربي.
وبتصفح الكتاب تجده مجموعة من المقالات التي نشرها في الصحافة الكويتية والعربية أو شارك بها في الملتقيات أو المنتديات الثقافية، وهي كما ذيل في العنوان بتوصيفها «مجموعة تأملات ذاتية في مدارات الهوية» تنطلق في الواقع العربي لتبحث عن ذاتها عبر حوار يحمل الصيغة الاستفهامية ليستفز المتلقي بشحنة من التساؤلات التي ترصد أسباب الصراع بين الثنائيات الجوهرية في الثقافة العربية حيث « الأنا والآخر، الشرق والغرب، الحداثة والقدامة التاريخ والحاضر.
هي كما يقول عنها ليست مقالات استهلاكية فهي لا تنتهي بنهاية الحدث الذي ترصده بل تظل صدى يتردد تجعل المتلقي يعيش الحدث المستمر الذي صنعه الصدى والذي يظل متسائلا علّه يصل للأجوبة، فلا أجوبة جاهزة ولا حقيقة جاهزة، إذ «تسحبنا الأسئلة من ياقة فضولنا» فنسأل بكل براءة عما احتجب عنا من أسرار فنكشف أشياء جديدة قد تبرق لنا من أفكار لم نكن نلتفت إليها لولا هذا التحفيز الذي صنعه الكاتب، ولذلك ليس غريبا أن يرد على أسئلتنا بأسئلة أخرى.
وزع الكاتب تأملاته على ستة فصول هي عند عتبة الجسر، وضفاف أخرى، وغثيان، وانفصام، وغرق.
في محطاته الأولى يوصف القراءة بالعالم الجميل فيستدعي عنوان تاريخ القراءة لألبير مانغويل الذي يرى أن «القراءة ضرورة للحياة كالتفس» وبعد هذه المقولة ينطلق في مقاله محلقا في أجواء هذه المقولة وما أوحت إليه به مؤكدا على أن تاريخ القراءة هو تاريخ الحياة.
وفي محطة أخرى يعنون مقاله بثمن الكتابة والدور الغائب ويسوق عبارة أطلقها في إحدى الحوارات « أن الكتابة من أقدم ما عبر به الإنسان منذ بداية الخلق وهي حاضرة بحضور الإنسان المبدع نفسه.
وفي محطة أخرى يتساءل لماذا نكتب ولمن نكتب ويوصفهما بالسؤالين المزمنين حيث رصدهما سارتر، وينطلق الهندال باحثا عن القارئ الضمني القارئ الخاص حيث يتوقف مع مهنة الكاتب ورأي توفيق الحكيم في أن مهمة الكاتب تربية الرأي.
ويفرد مقالا آخر بعنوان عداوة الكلمة والحسد الثقافي وهذا عنوان يشي بإيحاءات كثيرة لعلها ما ختم به مقاله من أن «الناس أعداء ما جهلوا» حيث يتعرض الكاتب للكثير ويدفع ثمن ما لم يقترفه بل ثمن ما يلبسه الآخرون.
أخيرا صدر هذا الكتاب «الفكر والحجر» عن الدار العربية للعلوم ناشرون في طبعته الأولى في 120 صفحة من الحجم المتوسط، ويعد هذا الكتاب إصداره الثاني بعد كتاب صدر له مسبقا بعنوان «العالم الروائي للطيب صالح من سارد إلى كاتب للنص»
العدد 2407 - الأربعاء 08 أبريل 2009م الموافق 12 ربيع الثاني 1430هـ