عرضت الحكومة أخيرا على مجلس النواب مشروع قانون مكافحة الإرهاب لبحثه بصفة مستعجلة قبل غيره من الموضوعات المدرجة، والتقى جلالة الملك برئيسي مجلس النواب والشورى، ورؤساء الكتل واللجان في المجلسين، وأكد جلالته في هذا اللقاء على اهمية صدور هذا القانون، وتداعت الجمعيات السياسية والحقوقية وبعض مؤسسات المجتمع الاهلي للتشاور بشأن اتخاذ خطوات عملية تجاه مشروع هذا القانون.
واذا كنا في المنبر الديمقراطي التقدمي لا نقلل من المخاوف الجدية من خطر الاعمال الإرهابية التي تجتاح بلدان المنطقة، ونقدر الحاجة الى تدابير احترازية لمواجهة أية مخاطر محتملة على وطننا من هذا النوع، الا اننا نرى في مشروع قانون مكافحة الإرهاب بصيغته الحالية وفي جل نصوصه، ينال من الديمقراطية النسبية التي تحققت في ظل المشروع الاصلاحي، ويمس الحريات والحقوق التي كفلها الدستور للمتهم ويتعارض معها بحجة مكافحة الإرهاب. كما يتضمن نصوصا تتعارض مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويحتوي على تعريف فضفاض واسع للإرهاب يتجاوز ما نصت عليه المواثيق والاتفاقات الاقليمية والدولية بما فيها الاتفاقيتين العربية والدولية اللتين انضمت اليهما البحرين، ويضع عقوبات قاسية واجراءات سريعة وحاسمة، ويمنح النيابة العامة مزيدا من الصلاحيات الواسعة على حساب سلطة القاضي، ويحد بشكل واضح من الضمانات القانونية والقضائية للمتهم، ويمكن أن يقلص هامش المشروعية الذي تتحرك في إطاره الجمعيات السياسية. انه باختصار يسهم في ارساء وتعزيز عقلية أمن الدولة التي سادت مرحلة ما قبل الإصلاح.
هل نحتاج إلى قانون يكافح الإرهاب؟
إذا كان موضوع الإرهاب أصبح محل اهتمام العالم، فإن اهتمامنا به مع سائر القوى الاجتماعية والسياسية في البحرين يتعين ان يكون موضوعيا وعلى قدر من المسئولية، وأقرب الى الحقيقة والواقع، وفي إطار احترام الحقوق والحريات العامة التي نص عليها الدستور، وأن نجيب على السؤال التالي: هل نحتاج الى قانون يكافح الإرهاب؟
لابد من الاقرار اولا بأن القانون وحده وبالعقوبات القاسية التي نص عليها لن يكافح الإرهاب، ذلك ان العنف باشكاله المتعددة له جذور واسباب اجتماعية وسياسية ولدته، أبرزها تفاقم ظواهر التخلف والفساد والبطالة، والانتقاص من الديمقراطية والحريات العامة أو غيابها. ولمكافحة الإرهاب والقضاء على جذوره إن كان له موطئ قدم في البحرين وهو محل نظر، فإننا لا نحتاج الى تشريع جديد يكافحه بل الى حلحلة ملفات الفساد والبطالة وتعميق مرحلة التحول الديمقراطي في البلاد، تحولا حقيقيا، تعزز فيه الحريات العامة، وتتحقق فيه عناصر هذا التحول الاجرائية والتشريعية، وفي مقدمتها الاقرار بالتعددية الحزبية في ظل قانون متقدم وديمقراطي للاحزاب، وتطوير النظام الانتخابي الذي يكفل لقوى المجتمع السياسية والاجتماعية المشاركة الفعلية في الانتخابات وتمثيل ناخبيها في المؤسسة التشريعية، وتعزيز وجود واستقلالية المؤسسات الدستورية، بما فيها آليات الرقابة والمحاسبة والمساءلة. إن الديمقراطية هي الاساس الذي يحول دون حصول العنف، كفعل وكردة فعل.
واذا كانت ديباجة مشروع قانون مكافحة الإرهاب اوردت بيانا للاسباب التي دعت الحكومة الى تقديمه، منها "ان قانون العقوبات الصادر بالمرسوم رقم "15" لسنة 1976 قد جاء خلوا من أي نص يجرم الاعمال الإرهابية صراحة"، فإنه بالرجوع الى قانون العقوبات نجده قد اشتمل على معظم الافعال التي اعتبرها مشروع قانون الإرهاب جرائم، وكل ما هنالك ان مشروع القانون قد شدد العقاب واشترط ان يكون ذلك تنفيذا لغرض إرهابي، ولعل الجرائم التي نصت عليها المادة الثالثة من مشروع قانون مكافحة الإرهاب ومقارنتها بقانون العقوبات كمثال بارز يكشف عن ذلك، من هذه الجرائم مثلا: جرائم الاعتداء على حياة الاشخاص أو سلامتهم أو حرياتهم، ويقابلها في قانون العقوبات الجرائم العمدية المنصوص عليها في الباب الثامن، من الفصل الاول المتعلق بالمساس بحياة الانسان وسلامة بدنه، وأبرزها القتل العمد إذ تكون عقوبته بموجب المادة 333 عقوبات السجن المؤبد أو المؤقت، والإعدام في حال سبق الاصرار والترصد، وجرائم الاعتداء على حرية الاشخاص المنصوص عليها في الفصل الثالث من الباب الثامن المواد "357 - 363".
وتقليد الاختام والعلامات العامة أو تزييف العملة، أو ترويج العملة المزيفة، يقابلها في قانون العقوبات ما هو منصوص عليه في الفصل الخاص بتقليد الاختام والعلامات العامة "م257 وما تلاها"، والفصل الخاص بتزييف العملة "م 262 وما تلاها". والتزوير في محررات رسمية أو عرفية أو استعمالها، يقابلها في قانون العقوبات ما هو منصوص عليه الفصل المتعلق بتزوير المحرارت "م 270 وماتلاها".
واذا كان قرار مجلس الأمن رقم ،1373 الذي يلزم جميع الدول الأعضاء في الامم المتحدة، ويدعوها لاعتماد تدابير واسعة لمحاربة الاعمال الإرهابية، واتخاذ خطوات لوقف تمويلها والامتناع عن تقديم الدعم لها وضمان تقديم المشاركين فيها الى العدالة، فإن ذلك لا يعني على الاطلاق التزام البحرين بسن تشريع كمشروع الحكومة لمكافحة الإرهاب، اذ يكفي ان تتطلع اللجنة التابعة لمجلس الأمن عند زيارتها الاستطلاعية للبحرين على المرسوم بقانون العقوبات وعلى المرسوم بقانون بشأن حظر ومكافحة غسل الاموال، وانضمامها للاتفاقتين العربية والدولية لمكافحة الإرهاب، وعلى قانون الاجراءات الجنائية، حتى تتأكد من تنفيذ البحرين للقرار المذكور.
واذا كان البعض يرى في قرار مجلس الأمن المشار اليه، ما يلزم البحرين في اصدار تشريع لمكافحة الإرهاب، فإن عليه ان يتذكر ما تنص عليه القرارات والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والتي تجاهلها مشروع بقانون مكافحة الإرهاب، ومن ابرزها قرارات لجنة الامم المتحدة لحقوق الانسان بشأن تعزيز حقوق الانسان وحمايتها، والتي تشدد على أن جميع تدابير مكافحة الإرهاب يجب ان تتقيد تقيدا تاما بالقانون الدولي بما في ذلك المعايير الدولية لحقوق الانسان، وألا يستخدم مكافحة الإرهاب كذريعة لتجاهل هذه الالتزامات أو التضحية بالحقوق والحريات الاساسية باسم القضاء عليه.
تعريف فضفاض وتفسيرات واسعة
تعرف المادة "1" من مشروع القانون بأنه "كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد باستخدام العنف ايا كانت بواعثه واغراضه، يلجأ اليه الجاني تنفيذا لمشروع اجرامي فردي أو جماعي بهدف: تعطيل احكام الدستور والقوانين واللوائح أو الاخلال بالنظام العام؛ أو تعريض سلامة وأمن المملكة للخطر والاضرار بالوحدة الوطنية؛ أو أمن المجتمع الدولي، اذا كان من شأن ذلك:
- ايذاء الاشخاص أو بث الرعب بينهم أو ترويع أو تعريض حياة أو حريات أو أمن الاشخاص للخطر أو الحاق الضرر بالبيئة أو الصحة العامة أو الاقتصاد الوطني أو المرافق أو المنشآت أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها أو عرقلة اداء اعمالها؛
- أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم عن ممارسة اعمالها.
ان هذا التعريف للإرهاب كما هو واضح تعريف فضفاض يخضع لتفسيرات واسعة، وهو لذلك يثير قلق المنبر الديمقراطي والفعاليات السياسية والحقوقية في مملكة البحرين، فهو:
اولا: يتجاوز تعريف الاتفاقية العربية
على رغم ان تعريف الإرهاب الوارد في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والتي صادقت عليها البحرين في 25 مايو ،1998 هو تعريف منتقد في الاصل من قبل منظمة العفو الدولية، الا ان مشروع قانون الحكومة لمكافحة الإرهاب لا يأخذ بهذا التعريف فحسب بل يزيد عليه.
في الوقت الذى تعرف الاتفاقية العربية الإرهاب على انه "كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر".
فإن المشروع الحكومي يتجاوز هذا التعريف ويتوسع فيه حين يضيف اليه "اذا كان الإرهاب يهدف الى: تعطيل احكام الدستور أو القوانين واللوائح والاخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة وأمن المملكة للخطر أو الاضرار بالوحدة الوطنية أو أمن المجتمع الدولي".
وهو في الحقيقة توسع لمفاهيم غير معرفة قابلة لتفسيرات متعددة ويمكن ان تشمل افعال المعارضة السياسية، بما فيها حريتها في التعبير والتجمع والتظاهر وتأسيس التنظيميات، إذ وفقا لهذا التعريف يمكن ان تفسر مطالبة القوى السياسية بتعديلات دستورية أو تعديل قانون ما أو لائحة معينة من خلال تجمع أو تظاهرة أو مسيرة على انه استخدام للعنف يهدف الى تعطيل احكام الدستور والقوانين واللوائح، ويخل بالنظام العام ويعرض سلامة وأمن المملكة للخطر ويضر بالوحدة الوطنية. وان ما يعزز هذا الفهم هو:
- حكم المادة "6" التي تقضي بالاعدام لكل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار على خلاف القانون جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو تولى زعامة أو قيادة فيها، يكون الغرض منها الدعوة بأية وسيلة الى تعطيل احكام الدستور أو القوانين الخ ما جاء في النص من اهداف ومنها الاضرار بالوحدة الوطنية اذا كان الإرهاب من الوسائل التي تستخدم في تحقيق أو تنفيذ الاغراض التي تدعو اليها الجمعية، وتعاقب هذه المادة أيضا بالسجن المؤبد كل من ينضم الى احدى هذه الجمعيات أو الهيئات أو يشارك في اعمالها بأي صورة، وهو يعلم بأغراضها الإرهابية.
- وحكم المادة "7" تعاقب بالسجن المؤبد كل من أكره شخصا على الانضمام الى احدى الجمعيات أو التنظيمات المنصوص عليها في المادة "6 " أو منعه من الانفصال عنها.
- وحكم المادة "9" تعاقب بالسجن المؤبد كل من أدار منظمة أو جمعية أو مؤسسة أو هيئة خاصة انشئت طبقا للقانون، استغل ادارته لها في الدعوة الى أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
- وحكم المادة "10" تعاقب بالحبس أو الغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استغل الدين أو دور العبادة أو الاماكن العامة أو المناسبات الدينية في بث دعايات مثيرة أو افكار متطرفة أو رفع لافتات أو وضع رسوم أو ملصقات أو صور أو شعارات أو رموز من شأنها إثارة الفتنة... أو الاضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو اضطراب الأمن أو النظام العام.
- وحكم المادة "23" تعاقب الشخص الاعتباري "كالجمعية السياسية مثلا" بالغرامة التي لا تقل عن مئة ألف دينار، ولا تزيد على خمسمئة ألف دينار، إذا ارتكبت إحدى الجرائم تنفيذا لغرض إرهابي وكان نتيجة تصرف وإهمال جسيم أو موافقة أو تستر ممن يتولى ادارته أو يتصرف بهذه الصفة، كما انه يمكن للمحكمة في حال إدانة الشخص الاعتباري ان تحرمه من المشاركة في المشروعات العامة، أو بإغلاق مقاره أو بحله، وفي جميع الاحوال بمصادرة الاموال وغيرها مما يكون قد استعمل أو أعد للاستعمال في الجريمة أو تحصل منها.
تلك هي بعض الاحكام التي اشتمل عليها مشروع الحكومة لمكافحة الإرهاب والخاصة بالجمعية أو المنظمة أو الهيئة أو المؤسسة والتي جاءت بمفردات تتصف بالعمومية منها على سبيل المثال "الدعوة بأي وسيلة، تعطيل احكام الدستور والقوانين، الاضرار بالوحدة الوطنية، العلم بالاغراض الإرهابية للجمعية، الدعايات المثيرة، اثارة الفتنة، السلام الاجتماعي، اضطراب الأمن، النظام العام، تصرف واهمال جسيم" وهي كلها مفاهيم قابلة لتفسيرات واسعة، يمكن ان تفسر ضد الجمعيات السياسية في ممارسة نشاطها السياسي، وفي السعي لتحقيق اهدافها من اجل التحول الديمقراطي الذي ننشده لمستقبل البحرين.
ان المطاعن والمآخذ على مشروع القانون تتجلى أساسا في أن الاعمال الإرهابية والنشاطات الإرهابية، أو كما يسميها ويصنفها مشروع القانون "بالغرض أو المشروع الإرهابي" قد جاءت واسعة لدرجة كبيرة وعلى نحو ما أسلفنا بحيث يمكن ان تستخدم للمساس حتى بالحرية الشخصية لغير المتهم، اذ كيف يمكن مثلا القبول بقيام رجال الضبط القضائي ومنهم طبعا رجال الأمن العام والأمن الوطني، بتفتيش غير المتهم ومنزله اذا قامت دلائل جدية من دون أمر من القضاء، أو بالقبض على المتهم لمدة 28 يوما إذا توافرت دلائل كافية من دون إذن من القاضي، أليس في ذلك مساس بحرية الانسان الشخصية وتقييد لحريته، ومخالفة صريحة لنص صريح نص عليه الدستور في المادة "19 البند ب": "لا يجوز القبض على إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الاقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون وبرقابة من القضاء". وهذا مثال من أمثلة أخرى تكشف عما اشتمل عليه مشروع القانون من نصوص تنال من حرية الانسان ومن حقوق المتهم.
ثانيا: لا ينسجم مع الاتفاقية الدولية
ليس هناك تعريف دولي متفق عليه لمفهوم الإرهاب في الامم المتحدة، ولا توجد اتفاقية شاملة متعلقة به، الا ان هناك عددا من الاتفاقات الدولية التي حددت افعالا معينة على انها جرائم إرهابية، منها الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل التي انضمت اليها البحرين بعد ان اقرها مجلسا النواب والشورى بموجب القانون رقم "9" لسنة ،2004 وصدق عليه جلالة الملك واصدره في 2 يونيو .2004 وأشار مشروع قانون مكافحة الإرهاب في ديباجيته الى هذه الاتفاقية.
هذه الاتفاقية التي اعتبرها بعض النواب الاساس التي بني عليها مشروع قانون الحكومة لمكافحة الإرهاب لا تضع تعريفا لمصطلح الإرهاب، بل حددت في مادتها الثانية الحالات التي يعد فيها الشخص مرتكبا لجريمة إرهابية، وهي حالات تبعد كثيرا عن تعريف الإرهاب الذي جاء به مشرع الحكومة، فالإرهابي في مفهوم الاتفاقية الدولية التي وافقت البحرين على الانضمام اليها هو:
1- من يقوم بصورة غير مشروعة وعن عمد بتسليم أو وضع أو إطلاق أو تفجير جهاز متفجر أو غيره من الاجهزة المميتة داخل أو ضد مكان مفتوح للاستخدام العام أو مرفق تابع للدولة أو للحكومة أو شبكة للنقل العام أو مرفق بنية أسياسية وذلك بقصد إزهاق الارواح أو إحداث إصابات بدنية خطيرة؛ أو إحداث دمار هائل لذلك المكان أو المرفق أو الشبكة، حيث يتسبب هذا الدمار أو يرجح ان يتسبب في خسائر اقتصادية فادحة.
2- وهو ايضا كل من يشرع أو يساهم كشريك أو ينظم أو يوجه آخرين في ارتكاب جريمة من الجرائم المذكورة اعلاه.
3-وهو ايضا كل من يساهم بأي طريقة أخرى في قيام مجموعة من الاشخاص يعملون بقصد مشترك بارتكاب جريمة أو أكثر من الجرائم المذكورة أعلاه، على ان تكون هذه المساهمة عمدية وتجري بهدف تعزيز النشاط الاجرامي العام أو الغرض الاجرامي للمجموعة أو مع العلم بنية المجموعة ارتكاب الجريمة أو الجرائم المعنية.
تلك هي الحالات التي تشكل إرهابا في الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل، فهل تصلح ان تكون اساسا لنصوص مشروع قانون الحكومة لمكافحة الإرهاب بما فيها النص المتعلق بتعريف الإرهاب؟ إذا كان الامر كذلك كما عبر عنه أحد النواب الذي اوضح أنه "يعلم أن مشروع قانون مكافحة الإرهاب جاء بناء على تصديق السلطة التشريعية على اتفاقية مكافحة الإرهاب الدولية"، ومستغربا "ان المنتقدين لمشروع القانون من النواب هم من وافق على تلك الاتفاقية في البداية"، فإن ذلك يعني ان مشروع القانون في تعريفه للإرهاب لا يتناسب البتة مع الحالات التي حددتها الاتفاقية، وانه ليس هناك ما يمنع السادة أعضاء الشورى والنواب على رغم موافقتهم على الاتفاق من انتقاد مشروع قانون مكافحة الإرهاب والاعتراض عليه بالرفض كليا أو جزئيا.
ولعل أبرز وجه لهذا الاعتراض يوجه لتعريف الإرهاب الذي نص عليه المشروع، اذ كيف يمكن القبول بتعريف الإرهاب هو "كل استخدام للقوة والعنف أو التهديد باستخدامه ايا كانت بواعثه واغراضه الخ..."، لتحقيق اهداف كثيرة ومتعددة وهو لا ينسجم مع ما جاء في الاتفاق من اعتبار الشخص مرتكبا لجريمة في مفهومها "إذا قام بصورة غير مشروعة وعمدية بتسليم أو وضع أو إطلاق أو تفجير جهاز متفجر أو غيره من الاجهزة المميتة... الخ" لتحقيق اهداف محددة وواضحة؟ وكيف يمكن القبول به من دون تحديد لمفهوم القوة أو العنف ومن دون معايير واضحة تحدد درجته، وكيف يمكن الركون اليه وهو تعريف يشتمل على التهديد باستخدام العنف والتي يمكن به ان يتهم اشخاصا لم يرتكبوا عنفا، بل بسبب انتمائهم الى تنظيمات سياسية قد تتهم هي الأخرى باستخدام العنف، وقد يفسر هذا الانتماء على انه تهديد بارتكاب فعل من أفعاله.
مشروع القانون يسلب سلطة القضاء
في الوقت الذي تنتقد فيه الاوساط القانونية والحقوقية والسياسية، الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها النيابة العامة والتابعون لها من مأموري الضبط القضائي، وفي الوقت الذي تدعو فيه الى تقليص هذه الصلاحيات وخصوصا فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي والتفتيش ومراقبة الاتصالات، يأتي قانون مكافحة الإرهاب ليوسع من هذه الصلاحيات في المواد "32,30,29". فالمادة "29" تعطي النيابة العامة استثناء من الاحكام المنصوص عليها في قانون الاجراءات الجنائية في تحقيق الجرائم المنصوص عليها في مشروع قانون مكافحة الإرهاب" بالاضافة الى الاختصاصات المقررة لها سلطات قاضي المحكمة الصغرى الجنائية المنصوص عليها في قانون الاجراءات الجنائية وسلطة المحكمة الكبرى الجنائية منعقدة في غرفة المشورة المنصوص عليها في المادة 148 منه وان ذلك معناه:
1- ان النيابة عند التحقيق في الجرائم المنصوص عليها لا تحتاج الى إذن من قاضي المحكمة الصغرى كما تشترط المادة 92 من قانون الاجراءات لتفتيش أحد الاشخاص من غير المتهم أو تفتيش منزله اذا ظهر لها من إمارات قوية على وجود أشياء تتعلق بالجريمة فى حيازته. ولنا ان نتصور الوضع اذا قام بإجراء هذا التفتيش مأمورو الضبط القضائي.
2- ان قانون مكافحة الإرهاب يجيز للنيابة العامة وبأمر من المحامي العام أو من يقوم مقامه اي من دون الحصول على إذن من قاضي المحكمة الصغرى كما تشترط المادة 93 من قانون الاجراءات الجزائية، ان تقوم بضبط جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود لدى مكاتب البريد، وجميع البرقيات لدى مكاتب البرق، وان تراقب المحادثات والمراسلات السلكية واللاسلكية أو اجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص. بل تضيف المادة 32 من المشروع إلى ذلك تسجيل ما يجري في الاماكن العامة، وكل ذلك من دون اية ضمانات ينص عليها كما تشترط المادة 26 من الدستور التي تنص على ان "حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية مصونة، وسريتها مكفولة، فلا يجوز مراقبة المراسلات أو إفشاء سريتها إلا في الضرورات التي يبينها القانون، ووفقا للإجراءات والضمانات المنصوص عليها فيه".
3- ان النيابة العامة في ظل نصوص هذا القانون، لا تحتاج الى التقدم بطلب الى قاضي المحكمة الصغرى الجنائية لمد مدة الحبس الاحتياطي للمتهم لأكثر من سبعة ايام كما تشترط المادة 147 من قانون الاجراءات، اذ يجوز لها من دون أمر من قاضي المحكمة الصغرى أو المحكمة الكبرى الجنائية منعقدة في غرفة المشورة حسبما تقتضيه المادة "148" من قانون الاجراءات ان تمد الحبس الاحتياطي لمدة أو لمدد متعاقبة وبأمر من المحامي العام أو من يقوم مقامه بحيث لا تزيد في مجموعها على تسعين يوما.
4- اذا كان قانون الاجراءات الجنائية قد أجاز لمأمور الضبط القضائي ان يقبض على المتهم في الاحوال التي تنص عليها المادتان "55 و56" من هذا القانون ومنها حال التلبس، فإن المادة "57" توجب عليه أن يسمع فورا أقوال المتهم المقبوض عليه، وإذا لم يأت المتهم بما يبرؤه عليه ان يرسله في مدة 48 ساعة الى النيابة العامة، التي يجب عليها ان تستجوبه في ظرف 24 ساعة ثم تأمر بحبسه احتياطيا أو إطلاق سراحه. إلا ان مشروع قانون الحكومة لمكافحة الإرهاب في المادة "30" أجاز لمأمور الضبط اذا توافرت دلائل كافية على اتهام شخص بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب أو التلبس بها أن يقبض على المتهم لمدة لا تجاوز 14 يوما، وله ان يتقدم بطلب الى النيابة العامة لتأذن له بمد مدة القبض، وللنيابة العامة في هذه الحالة ولضرورة وصيانة أمن المجتمع أن تأذن باستمرار القبض لمدة لا تجاوز أربعة عشر يوما أخرى، وبعد هذه المدة لمأمور الضبط بعد ان يسمع أقواله ان يرسله الى النيابة العامة، التي عليها ان تستجوبه في ظرف ثلاثة أيام من عرضه عليها، ثم تأمر بحبسه احتياطيا أو اطلاق سراحه.
5- ان حكم المادة المذكور يخالف ما هو مستقر في الفقه الجنائي بان القبض هو اجراء يستهدف سلب حرية الشخص، ولذلك يتعين أن تكون المدة قصيرة لا تتجاوز 24 ساعة، وهذة المدة هي التى تميز بين القبض والحبس الاحتياطي، إذ يتصف هذا الاخير بطول مدته نسبيا اذا ما قورن بالقبض، وفي مشروع القانون وطبقا للحكم المادة المذكورة فإن مدة القبض تصل الى 28 يوما بدلا من 24 ساعة وهذه المدة الطويلة للقبض، ليس لها من مبرر سوى فتح المجال للاجهزة الامنية لتعريض المتهم للأذى ان لم يكن هذا الاذى جسديا، فسيكون حتما معنويا، وربما يؤدي الى اعترافات غير صحيحة على المتهم وعلى غيره في ارتكاب جريمة من جرائم مشروع القانون تؤدي به أو بغيره للاعدام. ويأتي ذلك في وقت يتجاهل فيه مشروع الحكومة النص على تجريم التعذيب ومعاقبة مرتكبه من الاجهزة الامنية، والنص على حق المتهم في التعويض عن الاضرار المادية والمعنوية التى لحقته من جراء القبض أو الحبس الاحتياطي عند براءته أو صدور أمر بالا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
6- واذا كان مشروع القانون لا يخول تدبير الاعتقال الاداري، إلا ان التوسع في استخدام القبض والحبس الاحتياطي والتفتيش بالصورة غير المبررة التي اشرنا اليها يعد انتهاكا للحرية والامان الشخصي، ويشكل أرضية خصبة للاجهزة الامنية للاعتماد على نصوص مشروع القانون في معاودة ماكان سائدا إبان قانون أمن الدولة
إقرأ أيضا لـ "حسن علي اسماعيل"العدد 997 - الأحد 29 مايو 2005م الموافق 20 ربيع الثاني 1426هـ