سؤال بقي عالقا في ذهني منذ رحت انقب في ملفات متنوعة من ملف وزارة التربية إلى الأوقاف الجعفرية إلى ملف التقاعد والتأمينات إلى ملف بنك الإسكان مرورا بوزارة الصحة وليس انتهاء بوزارة العدل.
هذا السؤال هو: اذا كان هذا هو وضع وزارات ومؤسسات لا تحتاج إلى دقة في الممارسة والحكم فماذا عن وزارة العدل؟ ماذا عن المحاكم الشرعية الجعفرية والسنية، ما وضعها، وإلى أين تسير؟ كان هذا السؤال عالقا وازداد تعمقا وتعقيدا عندما رأيت شخصيتين نزيهتين تقدمان استقالتهما من القضاء الشرعي الجعفري، اعني الشيخ عبدالحسين العريبي وعلي العريبي وكلاهما يمتلكان متانة علمية واكاديمية. ما الذي جعل العريبيين يخرجان من القضاء على رغم انهما دخلاه وهما يحملان طموح الاصلاح والتغيير، وغديا محل رضا عشرات من النساء البحرينيات اللائي مازلن متألمات لغياب هذين الشخصين. لقد جلست مع أكثر من امرأة جئن لي يحملن شكاية من الوضع في القضاء وكلما سألت واحدة منهن عن العريبيين رحن يتأسفن لغيابهما فقد كانا من ضمن الاضاءات الاصلاحية في المحاكم الجعفرية.
لقد تأثرت كثيرا لبعض الحملات المشوهة للجنة العريضة النسائية والتي تستهدف ضرب الناشطة الحقوقية والمدافعة عن حقوق المرأة البحرينية غادة جمشير. وللعلم لابد أن اطرح كلمة حق: انني لم اتلق اتصالا من امرأة بحرينية تعاني من اية ازمة من حضانة أو حكم تريد استئنافه أو ظلم وقع عليها من زوج إلا ووجدتها تتكلم عن موقف انساني تلقته من الناشطة غادة جمشير، بل إن هذه الناشطة دعمت بعض النساء من مالها الخاص واحتضنت العشرات من النساء البحرينيات. لا اقول ذلك جزافا هذا ما سمعته بأذني من النساء أنفسهن وفي فترات مختلفة، بل حتى عندما ذهبت إلى المؤتمر الذي عقد قبل اشهر لمواجهة التمييز ضد المرأة وجدت نساء هناك يشدن بالدور الانساني والحقوقي الذي تقوم به جمشير.
في عالم اليوم أية شخصية عاملة تبحث عن ارساء الاصلاح وترسيخ الحقوق ستتعرض للتصفية المعنوية ولكل الضغوط. لجنة العريضة النسائية ليست معصومة عن الخطأ ولكن لأنها تعمل بضمير فستزرع في طريقها المشانق. لقد استطاعت لجنة العريضة النسائية ان تكسب ود وتعاطف العشرات من النساء لانها نزلت إلى الشارع ولم تجلس في عاجية لتنظر من بعيد، ولأنها لامست ألم النساء المتضررات. ولعل صدقية اللجنة ازدادت عندما راحت تترافع عن المواطنة البحرينية، بعيدا عن الطرح الطائفي أو المناطقي أو الفئوي.
يوم أمس قرأت كتاب "الجلاد والضحية في المحاكم الشرعية" من تأليف غادة جمشير وهو يتكلم عن رؤية لجنة العريضة في المحاكم البحرينية الجعفرية والسنية، وفي الكتاب قضايا متنوعة ومقابلات وبيانات ووثائق، بعض اللقاءات مع الشيخ حسين نجاتي والقاضي الشيخ يوسف الصديقي والشيخ عبدالحسين العريبي. الكتاب سيترجم إلى عدة لغات وسيثير جدلا واسعا فهو يعتبر من اكثر الكتب اثارة للتجاذب الذي حصل ما بين لجنة العريضة والمحاكم الجعفرية والسنية والنيابة العامة وعدد كبير من البحرينيات المتفاعلات مع اللجنة.
ان محاولة الضرب تحت الحزام للناشطة الحقوقية غادة جمشير ستزيد الطين بلة وخصوصا أن القضية بدأت تتحرك في الخارج وبدأت منظمات تعلن تضامنها مع غادة. باعتقادي ان الحل يكمن في تعزيز ايجابيات المحاكم وتصحيح الاخطاء واعطاء المرأة البحرينية حقوقها ووقف اي عنف يوجه ضدها وايضا على الحكومة ان تتحرى الدقة في اختيار بعض القضاة أو فيمن يقوم بترشيحهم للدولة بعيدا عن منطق العائلة أو النسب أو الثقة أو المعرفة السياسية ولابد من مراعاة الكفاءة العلمية. فالكفاءات العلمية في القضاء البحريني موجودة ولكنها قليلة.
بعيدا عن أي طرح سؤال علمي واقعي يفرض نفسه: لماذا استقال العريبيان من القضاء وهما المصلحان والكفآن. سؤال يجب أن تفكر فيه الحكومة جيدا ليكون مدخلا لفهم واقع القضاء وبداية الخيط. ان محاولات تشويه العريضة النسائية ستزيدها شعبية على شعبيتها، وستنقلها من السمعة المحلية إلى الدولية لذلك العقل يفرض التعامل معها بدقة وعلمية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 997 - الأحد 29 مايو 2005م الموافق 20 ربيع الثاني 1426هـ