يزور البحرين هذه الأيام أحد مراجع الدين في النجف الأشرف آية الله العظمى السيدعلاء الدين الغريفي للالتقاء بأبناء عمومته وبأهل البحرين الذين يرتبطون معنويا وثقافيا بالمرجعية الدينية في النجف الأشرف. ولعل المراقب يستغرب من العودة القوية للنجف الأشرف بعد أن كادت تندثر بسبب سياسات النظام العراقي السابق.
تتكون المرجعية الدينية في النجف الأشرف حاليا من خمسة علماء دين كبار "آيات الله العظمى" وهم: السيدعلي السيستاني "إيراني"، السيدمحمد سعيد الحكيم "عراقي"، الشيخ محمد اسحق فياض "أفغاني"، الشيخ بشير النجفي "باكستاني"، والسيدعلاء الدين الغريفي "عراقي من أصل بحريني". والواضح أن المرجعية أكبر من الحدود القومية، لأن هؤلاء المراجع هم الذين استمع إليهم شيعة العراق في الشأن السياسي، وهم بزعامة السيدعلي السيستاني، الذين حسموا كثيرا من المواقف لصالح العملية السياسية الحالية، وهم الذين حرموا على الشيعة الدخول في فتنة طائفية، وهم الذين وجهوا حكومة إبراهيم الجعفري إلى وجوب إدخال السنة في العملية السياسية كطرف أساسي ومحوري وليس بشكل جانبي أو على الهامش.
النجف الأشرف تأسست قبل نحو ألف عام "بعد انتهاء الدولة البويهية وقيام الدولة السلجوقية" وتعزز موقعها الروحي لدى المسلمين الشيعة على مر السنين. وفي منتصف القرن التاسع عشر أجمع أكثرية علماء الشيعة على إعطاء النجف الأشرف الصدارة، وتمت لأول مرة الإشارة إلى منصب المرجع الأعلى، وأول من تسنم هذا المنصب كان الشيخ مرتضى الانصاري.
مدرسة النجف تميزت عن المدارس الدينية الأخرى في كثير من الأمور، لاسيما في عمقها التاريخي وقربها من مرقد الإمام علي "ع" ونزوح كبار العلماء الشيعة إليها من كل مكان في العالم، وهذا هو السبب في ان المرجعية الحالية متعددة الجنسية. وهذا التعدد في الموطن الأصلي لم يؤثر ولا شعرة واحدة في مكانة وأثر المرجعية الدينية على شيعة العراق.
المدرسة النجفية الحالية قريبة جدا، ان لم تكن متطابقة، مع مدرسة الشيخ مرتضى الانصاري، بالنسبة إلى التصدي لقضايا الشأن العام. فالمراجع الدينية الموجودون حاليا في النجف الأشرف لا يؤمنون بنظرية "ولاية الفقيه" كما طرحها الإمام الخميني، ويعتبرون دورهم "ارشاديا"، و"توجيهيا"، وان الالتزام بهذه الارشادات أمر طوعي خاضع لإرادة الطرف المتلقي. كما يعتبرون أن تدخلهم في الشأن السياسي من باب الاضطرار لدفع الضرر، بمعنى أنه في حال سكوتهم فإن الضرر على الإسلام سيكون كثيرا. وعليه فإنهم يقللون تدخلهم إلى الحد الأدنى لدرء الخطر وحماية المؤسسة الدينية لكي تبقى مستقلة ترشد الناس إلى التعاليم الإسلامية في حياتهم اليومية.
آثار هذه المدرسة أصبحت واضحة ليس في العراق فحسب وإنما في بقية أنحاء العالم وحيث ما يوجد مسلمون شيعة. وفي البحرين فإن الناس بدأت تتوجه لمشاهدة الفضائيات الجديدة التي انطلقت، من العراق وتلتزم بارشادات المرجعية الدينية في النجف الأشرف. وحتى في إيران، مركز الثقل بالنسبة إلى المدرسة الفقهية المؤمنة بنظرية ولاية الفقيه، فإن نفوذ السيدعلي السيستاني بين المتدينين الإيرانيين في تصاعد مستمر.
البحرينيون الشيعة معروف عنهم حبهم وترابطهم الروحي مع جميع المدارس في العراق وإيران، ولكن بدا واضحا في الفترة الأخيرة انتشار النفوذ القادم من النجف الأشرف، بحكم التواصل المستمر "زيارة العتبات المقدسة" وعامل اللغة العربية الذي يسهل توصيل الأفكار والمفاهيم لقاعدة أوسع من الناس. ويبدو تأثير النجف الأشرف أكثر بطئا على الجانب السياسي للشيعة في البحرين، وهذا أمر متوقع، لأن الشأن السياسي يعتبر من "الموضوعات" التي يؤخذ فيها رأي القريبين لتشخيص طبيعة الموضوع بحسب الزمان والمكان والاعتبارات الأخرى. ولكن من المتوقع أن تتحرك الأمور مستقبلا باتجاه مختلف فيما لو طلب الناس توجيها من الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وفيما لو قررت المرجعية "التي تعتبر آراؤها استرشادية أساسا" ان تبدي وجهة نظرها في هذا الشأن أو ذاك
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 997 - الأحد 29 مايو 2005م الموافق 20 ربيع الثاني 1426هـ