الوضع في البحرين بالنسبة إلى وضع اليد على الأراضي ومياه البحر، أو حتى بالنسبة إلى الاستملاك المجاني بحاجة إلى سياسة إصلاحية قبل فوات الأوان. ولا يمكن لأي إصلاح أن يكتمل إلا مع إدراج سياسة خاصة لإصلاح استملاك الأراضي. وهذا كان ومازال الأمر في كل مكان حتى بالنسبة إلى تاريخ البحرين.
ففي مطلع القرن العشرين ضج الناس من سياسات وضع اليد والاستملاك غير الصحيحة، وهذا كان أحد اسباب استحداث إصلاح إداري. وأول معالم الإصلاح الإداري بعد الحرب العالمية الأولى كان تأسيس بلدية المنامة وتأسيس إدارة "الطابو". و"الطابو" مشتقة من كلمة انجليزية، وهي topology ويقصد بها "تخطيط الأراضي". ولقد تم تثبيت كثير من الأراضي وملكياتها من خلال الطابو، ولكن كثير من الأراضي لم يتم تثبيتها حتى الان، من بينها أكثر من 800 قطعة أرض تابعة للأوقاف الجعفرية. وقد أسهمت الاصلاحات الادارية في انطلاق البحرين إلى العصر الحديث قبل غيرها من الدول المجاورة، واستمرت تلك الادارة الإصلاحية حتى نهاية الخمسينات من القرن الماضي عندما قمعت انتفاضة الهيئة وأعلنت حال الطوارئ. وبعد ذلك اختفت كثير من الإجراءات الحسنة التي كانت البحرين سباقة إليها، ومن تلك الإجراءات الحسنة التي اختفت كانت سياسة إصلاح استملاك الاراضي.
في بريطانيا أيضا، لم يكتمل الإصلاح السياسي والانتقال من عصر الإقطاع إلى الرأسمالية الديمقراطية إلا بعد إصلاح سياسة استملاك الأراضي. وقد كانت منطقة غرب لندن محجوزة فقط للعائلة المالكة، وكانت الحدائق العامة الكبرى "هايد بارك، ريجنتس بارك، سانت جايمس، كنسنغتون جاردن، وغيرها"، جميعها خاصة للعائلة المالكة البريطانية فقط. وكان شارع الملك Kings Road الشهير في لندن محجوزا للملك فقط ليسير عليه بعربته من مكان إلى مكان، ولذلك أطلق عليه "شارع الملك"... بالنسبة إلى من يعرف لندن فإنه سيعرف أيضا أن كل الأسماء التي ذكرتها "وغيرها كثير" أصبحت الآن ملكا عاما لجميع الناس.
كما أن بريطانيا لديها قانون "حق المرور" وهو حق لكل الناس "مواطنين أو غير مواطنين" في أن يمروا داخل المقاطعات الكبرى والمزارع وغيرها من خيرات الطبيعة التي يمتلكها أحد الأثرياء أو الإقطاعيين. وسيرى الناس إشارة Right of passage مكتوبة على بوابات منتشرة في كل مكان وهي تفسح المجال لمن يود ان يعبر الأراضي الشاسعة "التي لازالت مملوكة بشكل خاص" وأن يرى الطبيعة ويستنشق الهواء، وبذلك يشعر انه يعيش في بلد وليس في شركة خاصة.
البحرين بحاجة إلى سياسة إصلاحية لاستملاك الأراضي تضع حدا للاستملاك من خلال وضع اليد، ويتم فتح أراضي البحرين وجزرها وسواحلها ومناطقها لجميع الناس لكي نستنشق الهواء في بلادنا من دون الحاجة إلى أن نسافر إلى دول الجوار لنمشي على السواحل أو نسير في الحدائق.
إننا بحاجة إلى استكمال خطوات الإصلاح السياسي من خلال خطوة يتمناها الجميع تعيد للبحرين صدارتها التي كانت لديها في السابق، وهذه الخطوة الجريئة ستحتاج إلى أكثر من "إدارة الطابو" لكي نشعر بأننا نعيش في وطن يتكون من أرض ترحب بشعبها الذي يعيش عليها
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 996 - السبت 28 مايو 2005م الموافق 19 ربيع الثاني 1426هـ