غدا يتوجه أهالي بيروت إلى صناديق الاقتراع لانتخاب نواب العاصمة اللبنانية. النتائج متوقعة وكل استطلاعات الرأي تشير إلى احتمال فوز لائحة "تيار المستقبل" التي يقودها سعد الدين ابن رفيق الحريري.
مشهد فوز لائحة واحدة في دائرة معينة يمكن أن يتكرر في الجولات الأربع التي تشمل مختلف المحافظات والأقضية اللبنانية. مثلا لائحة تحالف حركة أمل وحزب الله يرجح أن تفوز بكل مقاعد الجنوب من دون منافسة تذكر. كذلك يرجح أن تفوز لوائح "التحالف الرباعي" كما تطلق عليه الصحف اللبنانية بغالبية مقاعد البقاع "الهرمل، وبعلبك، وزحلة" والبقاع الغربي. والتحالف الرباعي يتألف من حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي "وليد جنبلاط" وتيار المستقبل "سعد رفيق الحريري".
هذا "التحالف الرباعي" كما يبدو أثار قلقا لدى الطوائف اللبنانية الأخرى، فهو يتشكل من قيادات مسلمة سنية وشيعية ودرزية إضافة إلى رموز مسيحية موجودة في أقضية تطغى على محافظاتها غالبية مسلمة.
مصدر قلق الطوائف الأخرى يعود إلى اعتبارات عدة منها الاحتجاج على قانون الانتخابات الذي يعتمد على الدائرة الكبرى "المحافظة في أمكنة والقضاء في أمكنة والدمج بين قضاءين في أمكنة أخرى" الأمر الذي نزع من الأقليات حق ترشيح من يمثلها في بعض المقاعد. يضاف إلى الاحتجاج على القانون ظهور مخاوف من احتمال نشوء تحالفات انتخابية تستقر لاحقا على توجهات "برامج" سياسية تلغي الكثير من التفاهمات التي حصلت بين الأطياف اللبنانية بعد خطوة التمديد غير الدستورية للرئيس اميل لحود وصدور القرار الدولي الرقم .1559
هناك ما يبرر هذه المخاوف إلا أنها تحتاج إلى قراءة سياسية خارج إطار الطوائف ومصالحها الانتخابية. فالمخاوف صحيحة في جانب ولكنها ليست كافية لتفسير كل التحولات ورسم صورة واضحة عن واقع لبناني هو أقرب إلى "الفسيفساء" تختلط فيه كل عناصر الاجتماع والتنوع الطائفي والمذهبي المنتشر مناطقيا في كل المحافظات. فالمخاوف المشار إليها في الجنوب والبقاع وبيروت يمكن أن نجد ما يقابلها في محافظات الجبل والشمال وطرابلس. فهذه المحافظات أيضا تعاني من تلك التداخلات التي أسهمت بدورها في خلط التحالفات بين مراكز القوى بسبب ظهور تيارات سياسية على خط الانتخابات مثل تيار الجنرال ميشال عون أو عودة تيار القوات اللبنانية إلى ساحة التنافس إضافة إلى انقسام حزب الكتائب وتأرجح تجاذباته بين كتلتين.
المسألة إذا معقدة، فهي من جهة مسلمة ومسيحية ومن جهة أخرى مسيحية - مسيحية ومسلمة - مسلمة. فهناك الانقسام الكبير بين طائفتين وهناك انقسامات صغيرة "مذهبية ومناطقية" في كل طائفة كبيرة. وبسبب هذه الانقسامات المتداخلة بين العناصر الكبرى والمجموعات الصغرى اتجهت التحالفات إلى الخلط "المزج" بين السياسي والانتخابي. فالتحالفات ليست صافية سياسيا ولا تعتمد على برنامج مبدئي ثابت لا يتغير، كذلك ليست انتخابية صافية في اعتبار أن هناك وجهات نظر متقاربة بين اللوائح.
المشكلة إذا تتجاوز كثيرا نوعية القانون الانتخابي المعتمد. فالقانون هو نتاج آلية دستور تقوم فكرته على الاعتراف بالطائفية أساسا للاختيار بين اللبنانيين. فلكل طائفة عدد محدد من المقاعد. ويملك كل مذهب في الطائفتين مقاعد محددة، كذلك لكل منطقة "قضاء أو محافظة" حق التمثيل النيابي وفق توزيعات نسبية تعتمد الفرز بين الطوائف والمذاهب من جهة ثم تعيد الدمج بينها وفق لائحة معينة ومركبة من المجموعات التي تعيش في تلك الدائرة الانتخابية.
هذا النوع من التقسيم "الفرز" والتوحيد "التركيب" يشكل قاعدة سياسية لفكرة الدستور وما يتعارف عليه بـ "الصيغة اللبنانية". والتوافق على الصيغة أنتج ما يسمى بالديمقراطية التوافقية التي تتعارض في الجوهر مع مسألتين: الأكثرية المطلقة والنسبية المطلقة.
المشكلة إذا تبدأ من شبكة انتخابية تولد الكثير من الطائفيين والقليل من اللبنانيين. وهذه المشكلة تفسر إلى حد كبير تلك التقلبات في المواقف بين قوى تلتقي على شيء وتختلف على أشياء
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 995 - الجمعة 27 مايو 2005م الموافق 18 ربيع الثاني 1426هـ