كان حلمها في الحياة عندما كانت طفلة أن تكون طبيبة نفسية للأطفال، وذلك لأن حبها للطفولة شغف لا يقاربه شيء، ولكنها تحمد الله أن أنعم عليها لتكون مدرسة ذات يوم، لأن التعليم في نظرها ليس أقل شأنا من الطب.
"الوسط" تفتح نافذة مع تربوية متميزة بذلت عمرها بين التحصيل والتدريس والتدريب في مواقع تربوية كثيرة، انها التربوية شهناز مسلم بهمن التي تشغل اليوم منصب مديرة المرحلة الابتدائية في مدرسة عبدالرحمن كانو الدولية.
رسالتي في الحياة أن "أتعلم وأعلم"، هكذا تبدأ التربوية شهناز حديثها عن تجربة ممتعة في مهنة سامية عشقتها، وربما تكون شهناز واحدة من القليلات اللاتي يتميزن فضلا عن موقعهن التربوي بنشاط منقطع النظير في العمل التطوعي مع مؤسسات المجتمع المدني، وتمضي الكثير من وقتها في البحث والتحصيل وإقامة المحاضرات وورش العمل المعنية بمختلف الموضوعات التربوية وخصوصا بالطفولة وكيفية تنمية طفل متوازن الشخصية.
تتحدث شهناز عن سر اختيارها لمهنة التعليم قائلة: "لقد كان حلمي في الحياة عندما كنت صغيرة أن اكون طبيبة نفسية للأطفال، إذ إنني أحمل حبا شديدا للأطفال وقضايا الطفولة، ولكن أشكر الله كثيرا الذي أنعم علي أن اكون معلمة، فطوال فترة عملي كمعلمة استمتعت كثيرا بالتدريس وبعلاقتي بطالباتي. فأن اكون مدرسة بالنسبة إلي مهنة ليست أقل أهمية من مهنة طبيبة، لأنني من خلال موقعي التربوي والتعليمي أساهم في تكوين مستقبل جيل يعتمد عليه، وأنا مهتمة كثيرا بقضايا الطفولة لإيماني بأهمية هذه القضايا في خلق نواة أو بذرة اجتماعية سليمة يترتب عليها مستقبل الأمة. وفي الفترة الأخيرة تحديدا أصبحت قراءاتي تنصب على تنمية ذكاءات ومهارات الأطفال. وأقمت في العام الماضي عدة ورش عمل تحت عنوان "كيف ننمي الذكاءات المتعددة لدى أبنائنا؟"، وهذا الموضوع يحظى لدي بأهمية قصوى، إذ إن الأطفال يتمتعون بتسعة أنواع من الذكاءات وكلها على درجة كبيرة من الأهمية.
وتؤكد شهناز أن الكثير من المعنيين بالشأن التربوي لا يولون الذكاءات المتعددة للأطفال الأهمية المطلوبة، إذ إن الكثيرين في مجتمعنا من مدارس ومجتمع مدني يركزون فقط على الأمور الأكاديمية، فترى ولي الأمر مثلا يصب جل اهتماماته ليحصل طفله على درجة الامتياز في المواد الرئيسية، وهنا أنا لا أقلل من أهمية ذلك مطلقا، ولكني أود التنبيه إلى أن هناك جوانب أخرى من شخصية الطفل ليست أقل أهمية من التحصيل الأكاديمي، وهذه الجوانب - نتيجة للنظرة القاصرة - أصبحت مهملة، والنتيجة هي أن بعض الأطفال لا يتمتعون بشخصيات متوازنة، بل أن عدد التلاميذ الذين يتسربون من المدارس وعدد الأطفال الذين يترددون على العيادات النفسية في تزايد مستمر فالكثير من الأطفال لا يتمتعون بالمهارات الحياتية المطلوبة وما أعنيه هنا "مهارات الذكاء العاطفي" وفي الواقع أن الدراسات الحديثة تثبت أن 80 في المئة من الناجحين والسعداء في الحياة ليسوا هم الذين كانوا يأخذون درجة الامتياز في المدارس، بل هم الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي.
آليات التطبيق
أنت مديرة في مدرسة، كيف تحولين هذه النظريات من كلام نظري على الورق إلى واقع عملي، فما هي آليات التطبيق؟
- نحن على وعي بأن تطبيق هذه الأفكار لا يتم بين ليلة وضحاها، وذلك لما يتطلب من تقييم دقيق للمدرسة على مختلف الأصعدة من رؤية ورسالة وبرامج ومناهج، وأساليب التقويم وتدريب الكادر التعليمي... الخ، لضمان نجاح البرامج التي تهدف الى تحقيق الأهداف المطلوبة، وقد بدأنا في ذلك فعلا وكانطلاقة عملية بدأنا بتدريب المعلمين على الذكاءات المتعددة، والسنة المقبلة سأنفذ ورش عمل مكثفة عن "الذكاء العاطفي"، كما وقمت بدراسة المناهج المطبقة حاليا ووجدت بأنها تهتم بجميع انواع الذكاءات ما عدا الذكاء العاطفي، ولكن لدينا برامج وأنشطة منوعة تهتم بتنمية بعض الجوانب الاجتماعية لدى التلاميذ، و كمبادرة لتعليم مهارات الذكاء العاطفي بصورة منظمة أكثر تم تكريس حصة واحدة أسبوعيا لتدريس مادة "المهارات الحياتية".
ماهي المهارات التي يتم تدريسها؟
- الذكاء العاطفي يتكون من ذكاءين، ذكاء الذات وذكاء الأفراد، لتنمية ذكاء الذات مثلا يجب التركيز على معرفة الذات من أحاسيس وطرق تفكير، توجهات، عادات، اهتمامات، أهداف وأحلام... تقدير الذات، الثقة بالنفس والقائمة طويلة ومشوقة جدا، وفي ذكاء الأفراد يتم التركيز على المهارات الاجتماعية مثل معرفة الآخرين، قراءة أحاسيسهم، اختيار ردود الفعل، مهارات التواصل، مهارات التعاطف.
كلام جميل، ولكن هل تتوقعين أن يكون عامة الناس على دراية بهذه المهارات وأساليب تعليمها للأطفال؟
- طبعا لا، فالحياة تخصصات! ولكن عموما أجد شعب البحرين ذا مستوى فكري جيد، حتى رجل الشارع البسيط تجده حريص جدا على تربية ابنه بصورة سليمة ولديه طرقه الخاصة، التي ربما تكون من التميز لدرجة لا تجدها في الكتب، فطريقته تكون نابعة من فطرته، معتقداته وحبه لأبنائه وحرصه عليهم، وتكريس جزء من وقته لهم، ولكن الطامة الكبرى تكون عندما يكون ولي الأمر متعلم بينما ابنه ليس على سلم أولوياته!
ولكنني أتفق معك أن التربية ليست سهلة، لا للتربوي ولا لغير التربوي، كما وانني أؤمن بأن تربية الأبناء يجب أن يكون التخصص الرئيسي في حياتنا قبل أي تخصص آخر ندرسه من أجل المهنة. ولكن، هل هناك جهة تتبنى هذا التخصص أو على الأقل برامج تدريبية لأولياء الأمور تساعدهم في أداء هذا الدور الصعب! ففي الدول المتقدمة هناك دورات مستمرة للآباء في مختلف الموضوعات التربوية أو حتى الأكاديمية.
كمدربة تربوية هل لك أية مساهمات في هذا المجال؟
- لدي مساهمة من خلال ورش العمل التي أعقدها بالتعاون مع بعض الجمعيات المهتمة بهذه الموضوعات فمثلا في العام الماضي أقمنا ورشة عمل بعنوان كيف ننمي الذكاءات المتعددة لدى أبنائنا مع جمعية البحرين الثقافية الاجتماعية وفي هذا العام كانت هناك ورشة عمل "لدي حلم وسأحققه" بالتعاون مع جمعية تنمية الطفولة، كما أننا نقيم ورش عمل خاصة بأولياء أمور طلبة مدرستنا، ففي هذا العام وبالتعاون مع منسقة مواد اللغة العربية مها الترك عقدنا ورشة عمل "كيف أساعد ابني ليكتب تعبيرا" هذه أمثلة لبعض مساهماتي المتواضعة. ومعظمها كانت مجانية ولكني كذلك نفذت محاضرات و دورات وكانت مدفوعة الأجر من قبل المشاركين في الدورة أو الجهة المنظمة لهذه الدورات.
لماذا تركت العمل في المدراس الحكومية؟ هل هذا راجع لما يزعمه البعض أن الوزارة ليست حاضنة للابداع ؟
- لقد أخذت تقاعدا مبكرا من عملي في وزارة التربية، ولن أنسى فضل الوزارة علي فيما وصلت إليه اليوم، وذلك يرجع للفرص الدراسية، أو العملية التي اعطتني اياها الوزارة، والسبب الآخر يتمثل في رغبتي لتنويع مهاراتي وخبراتي، فالإنسان عندما يتعلم يعطي، وأنا أرغب دائما إلى اقتحام تجارب جديدة، لكي اخرج بخبرة تتسم بالشمول والتنوع، فبالنسبة إلي أجد أن التغيير تجربة مثيرة حقا.
ماذا عن الكتابة؟ هل لديك أية مساهمات؟
- منذ فترة بسيطة جدا أصبح لدي اهتمام بتوصيل بعض الرسائل التربوية من خلال أسلوب القصة، وقد بدأت فعلا بكتابة بعض القصص التربوية نشرت منها اثنتان، في صحيفة "الوسط" مثل "ليس لدي أصدقاء" وهي قصة واقعية، وقصة "درس من طفلة"، ولدي مشروعات كتابية أخرى طموحة أتمنى أن أوفق في تحقيقها.
الواقع التربوي لأطفال البحرين
ما أهم المشكلات والتحديات التي تواجه الواقع التربوي والتعليمي لأطفال البحرين؟
- أنا أرى أن التحدي الأكبر الماثل أمامنا يتمثل في النظرة الضيقة لقدرات الأطفال فأنا أؤمن أن الله سبحانه وتعالى أنعم على الأطفال بقدرات مهولة كامنة تحتاج إلى من يجعلها ترى النور ويفعلها، فالطفل كمن يملك رصيدا بنكيا كبيرا لكنه لم يتم اكتشافه وتوظيفه، وهنا يأتي دور التربويين وأولياء الأمور لمساعدة الطفل على اكتشاف قدراته، وتنميتها وتوظيفها بطريقة سليمة وهذه العملية تحتاج إلى آليات ومنهجيات تختلف من طفل لآخر، لأن كل طفل له خصوصية تختلف عن غيره، وهي مسألة مرتبطة بالذكاءات المتعددة، فكل طفل متميز على طريقته، ودورنا هنا هو اكتشاف هذا التميز ومساعدة الطفل على تفجير طاقاته، وهذا ليس بالأمر السهل طبعا، لكنه من الممكن تنفيذه في حال تكاتفت جهود جميع المعنيين من وزارة التربية والمدارس الخاصة وأولياء الأمور والجمعيات الأهلية.
والتحدي الآخر يكمن في التركيز على تنمية الذكاء العاطفي لدى الأطفال في جميع مدارسنا الحكومية منها والخاصة، فمن حق كل طفل أن ينعم بالتعليم الذي يساعده أن يكون إنسانا ناجحا، صاحب شخصية متوازنة، يعرف كيف يحيا حياة سعيدة؛ بعيدا عن العقد النفسية. فالتعليم ليس مجرد حشو أدمغة الأطفال ببعض المعلومات التي غالبا ما تنسى بمجرد أن يخرج الطالب من قاعة الامتحان.
لقد عشقت التدريب
وتقول شهناز إن الكلمات ربما لا ستعفها للحديث عن علاقتها مع التدريب والتحصيل "في مسيرتي المهنية عشقت التدريب، وأقمت الكثير من الدورات المستمرة لتدريب المعلمين وهذه المسيرة بدأتها في وزارة التربية التي عملت فيها مدرسة ثم موجهة تربوية، ومازلت أمارس هذا الدور من خلال موقعي الحالي مديرة للمرحلة الابتدائية بمدرسة عبدالرحمن كانو الدولية. فمن الأمور التي أمارسها الآن، إقامة دورات تدريبية وورش عمل للمعلمين، فأنا الآن أقيم دورة تدريبية للمعلمين باللغة العربية بعنوان "تدريب المدربين" وهذه الدرورة ذاتها التي أقمتها في العام الماضي لمجموعة من المعلمين باللغة الإنجليزية.
ما الهدف من هذه الدورات؟
- في الحقيقة أن الهدف الحقيقي الذي أرتجيه من إقامة هذه الدورات هو أن أكون فريق عمل من المدربين الذين أدربهم على تقنيات التدريب وهم بدورهم يدربون غيرهم من المعلمين في نطاق الموضوعات التربوية المختلفة. وفي العام الماضي قمت بتدريس ستة مدرسين أجانب، ثم اتبعت ذلك ورش عمل أقامها المدرسون الأجانب لغيرهم من المعلمين لمدة 3 أيام، وكانت تحت عنوان: "الإدارة الصفية".
وربما تكون مساهماتي متواضعة، فقد نفذت 3 ورش لأولياء الأمور فبالاضافة إلى ورشة عمل الذكاءات المتعددة، كانت هناك ورشة عمل كيف أساعد ابني ليكتب تعبيرا وكانت خاصة لأولياء أمور طلبة مدرسة عبدالرحمن كانو الدولية. وورشة "لدي حلم وسأحققه" اشترك فيها أولياء الأمور مع أبنائهم وكانت قد نظمتها جمعية تنمية الطفولة.
وبصراحة أجد متعة في المناقشات مع أولياء الأمور في هذه الورش. لأننا نكتشف أن في قاعة واحدة طبقة مثقفة من مختلف التخصصات تناقش موضوعا تربويا، وكل من يساهم فيه يضيف خبرته وتخصصه.
وما دور البيت في ذلك؟
- انه دور مهم جدا، لأن الدراسات الحديثة تبين أن نحو 80 في المئة من ذكاءات الأطفال تنمو في السنوات السبع الأولى من حياة الطفل، وهي الفترة الحرجة التي يجب منحها كل الرعاية والاهتمام لما لها من تأثير كبير في تكوين شخصية الطفل المستقبلية. وحتى بعد هذه الفترة فالطفل يقضي معظم وقته في البيت وطبعا إذا تم تعليم أو تعزيز هذه المهارات في البيت يكون الناتج طفل سعيد، ناجح بل ومتميز. ومن منا لا يريد أن يكون ابنه أو بنته كذلك!
الإعلام... مساعد أم مشاكس؟
كيف تنظرين إلى دور الإعلام في الحقل التربوي عموما، وفي شئون الطفولة خصوصا، أهو دور مساعد أم مشاكس؟
- يجب الاعتراف بأن الإعلام البحريني يهتم بقضايا التربية و الطفولة، فتلفزيون البحرين وكذلك الصحافة المحلية تلعب دورا مهما في طرح قضايا مختلفة في هذا الشأن ولكنني أتمنى وأتوقع المزيد من الاهتمام، فنحن نعتبر الإعلام شريكا مؤثرا لنا، وبامكاننا إنجاز الكثير في حال تكاملت جهودنا في تقديم رؤية تربوية وتعليمية واضحة تخدم أطفال البحرين وكل المهتمين بالقضايا التربوية
العدد 994 - الخميس 26 مايو 2005م الموافق 17 ربيع الثاني 1426هـ