منذ سـقوط الخلطة الليبراليـة العربية لحساب الأنظمة العسكريـة والدكتاتوريـة، ولمدة نصف قرن، كان الطابع الغالب في العالم العربي هـو الاسـتقرار لدرجة الركـود السياسي والفكري.
وعندما هبت رياح الديمقراطية على العالم في تسعينات القرن الماضي، على إثر سقوط جدار برلين والانتفاضات الشعبية في دول أوروبا الشرقية، وسقوط المعسكر الاشتراكي والأنظمة الشمولية، توقف هذا التيار الديمقراطي عند حدود الوطن العربي، الذي أظهر مناعة ضد التغيير لدرجة تدعو إلى اليأس. وكلما بزغت شمس حرية جديدة - تبشر بتطهير الأرض العربية - عكستها الحكومات على شعوبها "لتبخرها"، فيكون بذلك صيف جميل للحكومات. إلا أن شـواهد العصر الحالي تدل على أن هذا المناخ السلبي بدأ الآن يتفسـخ، ففي هذا القطر العربي أو ذاك انتفاضات متفاوتـة في قوتهـا وأثرها، وإن لم تكن حاسمة أو تبخر معظم قادتها، فإنها بلاشك تشكل بداية لفرض التغيير، فقد تم وضع الأنظمة تحت الإشعار بأن الأوضاع السابقة لم تعد صالحة أو قادرة على البقاء. ولن نضرب أمثلة أو نسمى الأسماء، حرصا منا على متابعة سقوط "أوراق الخريف اليابسة".
أميركا تريد أن تقول إنها صاحبة الفضل في بروز المناخ العربي الجديد، وإن تصريحاتها وتهديـداتها، على الأصعدة العسكرية والدبلوماسية والإعلامية، هي التي فتحت الباب أمام طلائع الحرية العربية، إلا أن ذلك غير صحيح نسبيا، ذلك أن الأنظمة العربية كانت تسـتمد جانبا من قوتها من التعاون والدعم المتبادل مع الإدارة الأميركيـة، كثمن لإطلاق يدهـا في التنكيل بشعوبها، ونهب خيراتها.
ما حدث أخيرا أن تلك الأنظمة وجدت نفسها شبه عارية، بعد أن سحبت أميركا البساط من تحت أقدامها، إذ لم تعد بحاجة لمقايضة المصالح معها، لأنها تستطيع أن تحصل منها على ما تشاء من دون مقابل. وبذلك تكون الأنظمة التي فشلت في تجديد وتطوير نفسها تعيش الآن خريف عمرها، وقد لا يطول انتظارنا للربيع العربي المقبل
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 993 - الأربعاء 25 مايو 2005م الموافق 16 ربيع الثاني 1426هـ