يقول أحد علماء السلف الصالح في الأصدقاء: "لا تدم مودتك لأخ حتى تكون إذا أضناه الألم ضويت معه، وإذا عضه الجوع خويت أنت، وإذا مسه الضر لم تعرف كيف تبيت ليلتك". وقال آخر، من السلف الصالح، واصفا الصديق الوفي: "الأولى: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثانية: أن يرى زينك زينه وشينك شينه، والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال". يا ترى إلى أي مدى تنطبق تلك المقولة على واقع الصداقة في عالم اليوم؟
البعض يؤكد وصايته على الأفكار، ورعايته للاخوة والصداقة إلا أنه يتراجع القهقرى مع أول مكالمة من صاحب نفوذ أو سلطان! ويلج في ثرثرة أبوية دكتاتورية، في ليلة ظلامها دامس كما هو وصفه سبحانه وتعالى "للران" في القلوب في الآية الكريمة... موجها "هذا الصديق" فيها أقذع الصفات وأقبحها، ومصوبا سهامه لظهرك، محاولا خنق صوتك، والجثوم على صدرك بكمية هائلة من العبارات السخيفة والملتوية "المطبوخة" تحت الأقبية، وبمكالمات "مؤامرات" تنم عن الكيدية في القول والعمل، وفي قبال ذلك، تقوم أنت وتنثر خلف ظهره أحلى الورود رونقا وأنقاها عبقا.
وفي غمرة الأحزان وحالة خنق العبرات الليلية، وأنت متوسد أمل الحرية وحلم الكرامة الإنسانية لجميع البشر في هذا الوطن، وفي ساعة صفاء مع النفس تتساءل: لماذا يقوم "البعض" بالوضوء خمس مرات يوميا ولا يقوم "هذا البعض" بعملية غسيل لقلبه مرة واحدة في السنة؟ مرة واحدة في السنة فقط!
لا تجعل ذلك يزعج مبادئك فإن الكثير من دموعهم هي دموع تماسيح تتخدد متوسلة الرضا في الليل، وتنهش لحمك في النهار. تبكيك في المكالمات الليلية وتسفر عن وجهها القبيح في النهار أمام علية القوم. ولا أحد أغلى من كرامتنا وأغلى من حريتنا.
تماسيح تشرى لديها المبادئ وتباع من جراء مكالمة واحدة فقط! إذا ماذا لو كان "سطار أو راشدي" من مخابرات أمن الدولة؟! حتما فإنه لن يبقى لدى هذا البعض، من مبادئه سوى ما يخص منها أدنى مراتب مخاضات النساء الفسيولوجية!
الصداقة، أو الاخوة ليست كلمة تباع وتشرى، وليست كلمة نقولها في الليل ونخرج مضادها في النهار. الصداقة حب وتضحية، والصداقة صدق مع الآخر. الصداقة صدقة نسدد فاتورتها من راحتنا ومن شبع بطوننا. الصداقة طهارة نفس وحفظ لكرامة إنسان. الصداقة تأكيد مبادئ عربية إسلامية أصيلة؛ كالنخوة والمروءة والرجولة "وليس الذكورة". الصداقة هي أعز ما يملك الإنسان من معنى جميل في حياته وعلاقاته مع الآخرين.
الصداقة قيمة إنسانية راقية. الصداقة من الصدق، والصدق كلمة مضادها الكذب. الصداقة ثقة غالية نمنحها من يستحقها وأحيانا من لا يستحقها. وفي الشعر قيل قديما:
صديقي من يقاسمني همومي
ويرمي بالعداوة من رماني
ويحفظني إذا ما غبت عنـه
وأرجوه لنائبـة الزمــان
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 993 - الأربعاء 25 مايو 2005م الموافق 16 ربيع الثاني 1426هـ