العدد 993 - الأربعاء 25 مايو 2005م الموافق 16 ربيع الثاني 1426هـ

الليبراليون الجدد "مروجو الحيلة": أصدقاء الحرية... أعداء الديمقراطية

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

"إني أحب المؤسسات الديمقراطية، بعقلي، ولكني أرستقراطي بغريزتي، أي أنني احتقر وأخاف الجماهير، إني احب الحرية والشرعية، واحترام الحقوق حبا شديدا، ولكني لا أحب الديمقراطية".

دي توكفيل

الليبراليون الجدد في الخليج هم أصحاب ليبرالية جنينية مجهولة المولد، لا تستطيع أن تشرح حالها، أو اهتماماتها، أو برامجها، أو أسس تكوينها السياسي، أو حتى أن تدافع عن نفسها! يلتف حولها خطاب إعلامي غوغائي لا يختلف عن خطاب الحلول الكبرى للتيارات الإسلامية العتيقة، فإذا كان الخطاب الإسلامي يروج لشعار "الإسلام هو الحل"، فكذلك خطاب الليبراليين الخليجيين، فيمكن للقارئ الكريم أن يختصر ما يكتبه ليبراليو الخليج في "الليبرالية هي الحل".

الحلول التي يطرحها الليبراليون لدينا شبيهة بحلول كتب المقدمات الزجاجية في مكتباتنا التجارية "كيف تصبح مليونيرا في شهر"، "كيف تبرمج الآخرين وتسيطر على مديرك"، وأخيرا "كيف تصبح ليبراليا تنويريا تقدميا في ثانية!"، هو خطاب التنوير والبحث ومحاربة الجهل والأمية، لكنه لا يجيب على الأسئلة الرئيسة، كيف يكون هذا التنوير؟ ولا تحت أي نظام سياسي؟ فهم لا يملكون إجابة، أو هي إجابات رهينة لمفاهيم الدولة الجديدة! أليست تسميتهم هي "الليبرالية الجديدة"!

يقول هيغل في معرض وصفه للدولة الحديثة "هذه الحيلة، إنها الدولة الحديثة، التي تخدع، فعلا، فبمقدار ما تعطي أو تمنح من الحرية "الخاصة" المتروكة للناس، تحملهم على التعرف على سمو سلطتها، وعلى الصفة الواقعية لقانونيتها"، وهكذا تكون ليبراليتنا الجديدة هي المروج لهذه الحيلة، ويصف ستندهال "أحد مؤسسي المفهوم الليبرالي" نفسه في معية هذا القلق بالتوصيف الغريب "أنا الليبرالي، أجد الليبراليين حمقى بشكل مهين..."!

ويصف جان توشار الذين يروجون لهذا الخطاب المتعالي بأنه خطاب خرافة فيقول: "يبدو حال وحدة الليبرالية كخرافة، إذ ترتدي الليبرالية أشكالا مختلفة جدا بحسب الأزمنة، وبحسب البلدان، وبحسب الأهواء، في الحقبة نفسها وفي البلد نفسه"، وخطاب ليبراليينا في هذا السياق تحديدا، خطاب شعارات لا برامج سياسية مكتملة... هم نموذج لليبرالية المرتاحة، التي تشتري النتائج البيئية المتاحة لتكون خيار المرحلة الأوحد. هم عاجزون فعلا أن يجيبوا عن سؤال واحد من وزن "ما أسس ليبراليتكم المعرفية أو حتى السياسية المسطحة؟" فتراهم يتشدقون بأنهم محاربون تارة، أو أنهم متأمركون تارة أخرى، على رغم علمنا بأن أي تدخل أميركي معناه "أن تنتهي مصالحهم أولا".

وهم "الحرية الفردية"

إن خطأ الليبراليين الرئيسي - كما يرى هيغل - هو أنهم لم يتأملوا في الإرادة الحرة عند الفرد إلا تجريدا، هذه الحرية الفردية يجب أن تبحث في تنظيم معقول وكوني للحرية. والسياسة هي علم تحقيق الحرية في صور العائلة والمؤسسات المدنية، والتي تقع الدولة ضمن دائرتها، والليبراليون الخليجيون يغضون أعينهم عن حرية الناس في الدولة، وهذا التناقض أزلي، حتى في صورته الأميركية اليوم، إذ تعتمد الليبرالية الجديدة هناك على "الحرية الجمهورية"، لكنه تناقض أميركي مبرر، فليست لديهم هموم اقتصادية ولا مآزق انتهاكات صارخة لحرية التعبير أو الإنسان. لكنه خليجيا تناقض مريض تاريخيا، ونسقيا، فالسياسي العربي، كان ولايزال "صياد جوائز وطنية" على حساب أبناء أمته.

الليبراليون في الخليج يدافعون عن حرية الفرد "المرأة"، لكنهم يصمتون أمام حريتها مع بقية الإناث في المطالبة بأي مطلب سياسي وطني! وهذا ما أفسره بأن الليبرالية الجديدة في الخليج في مجملها هي خطاب الدولة في لباس تقدميين ليبراليين إصلاحيين، لا يقلون عن كلاسيكيي السلطة شراسة وقمعا للحريات. أو هم نظير الإسلاميين الإصلاحيين، الذين يتبرأون من الأصوليين، ولكنهم يسعون الى النتائج ذاتها. هكذا يكون الخطاب معارضا في الشكل، لكنه يصب في مصلحة السلطة في النتائج.

محاكمة الغنوشي

تزداد في الآونة الأخيرة حملة جمع التواقيع لعقد محاكمات تاريخية لفقهاء الإرهاب، أو لليبراليين الذين يتعدون على الرموز الإسلامية، وكنت قد وضحت في مقال سابق ذلك الإشكال الذي حوته عريضة التهجم التي قادها شاكر النابلسي والعفيف الأخضر ضد راشد الغنوشي، وبينت إحجام النابلسي عن توضيح هذا "الاتهام الكاذب" بادعاء دعوة الغنوشي إلى قتل السادات والحكام العرب. وها هم ليبراليونا الأفاضل يشاركون في الاستمرار في هذه الدعوة والترويج لها، وهي فقط محاولة بائسة للارتباط أدبيا بالليبراليين الجدد "النموذجيين" في باقي الدول العربية، والجميع في الحقيقة هم ضحية خلاف شخصي بين القطبين العفيف الأخضر وراشد الغنوشي، دونما رؤية أو مطالعة فاحصة لمنتج أي واحد منهما، إذ نكن الاحترام لما أنتجه الرجلان.

ولأنه كان هذا منزلقا خارجيا لليبراليين الجدد في الخليج، فإنه لا يحمل ما هو أكثر إيلاما من واقعهم في الداخل السياسي الخليجي، فالمتتبع لخطاباتهم المطولة في الصحافة الخليجية يجد لهم من السقطات السياسية ومن التعالي عن قراءة الواقع السياسي الخليجي ما يثير الضحك، وما قد يثير في بعض الأحيان إحساسا بالشماتة، ذلك أنهم بهكذا لغة مهلهلة وخطاب أجوف، لا يستنفدون من شيء ثمين، سوى أوقات من يقرأ لهم.

الإصلاح السياسي، الذي نرى أنه لا يمكن أن يكون ممكنا دونما رغبة مكتملة في بناء متحد مجتمعي جديد، لن تحققه مزايدات مراهقات سياسية، لن يتحقق هذا الإصلاح دونما خطاب مثقف وظيفته "وقف الهراء" كما يذهب الفرنسي بيير بورديو، دونما إنشاء مؤسسات سياسية حقيقية متجاورة ومتعايشة في مجتمع مدني حقيقي، مجتمع لا تنطبق عليه حلحلة هيغل للحرية في الدولة الجديدة بأنها مجرد "حيلة"

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 993 - الأربعاء 25 مايو 2005م الموافق 16 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً