العدد 993 - الأربعاء 25 مايو 2005م الموافق 16 ربيع الثاني 1426هـ

حديث عن الإصلاح

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أخطر ما يمكن توقعه من حفلة التهريج التي تطلقها واشنطن بشأن الإصلاحات في منطقة "الشرق الأوسط الكبير" ونجاحاتها "الباهرة" في هذا المكان أو ذاك أن تنطلي الحيلة على الشعوب العربية، ويصدق الناس الأبرياء أن المسألة بسيطة وسهلة ولا تحتاج إلى عناء وتعب وإعادة بناء علاقات تؤسس للنهضة الحقيقية.

الخطورة من الكلام الأميركي المعسول وما يرافقه من تبجح بتلك الإنجازات والمعجزات أن ينقلب إلى العكس، ويؤدي إلى تكريس واقع التخلف وتثبيت أنظمة تتحمل مسئولية رئيسية في حماية المصالح الأجنبية وتجميد إمكانات التطور السياسي للجماعات الأهلية.

الخطورة ليست مستبعدة، وخصوصا إذا استمر الإعلام الأميركي في إطلاق صيحات الفرح بشأن تلك الديكورات أو مساحيق التجميل التي لجأت إليها أنظمة "الشرق الأوسط الكبير" لتغطية تلك الفجوات التي بسببها يستمر التخلف لمصلحة الهيمنة الأجنبية على الثروات والأسواق.

الإعلام الأميركي الآن بدأ بتدشين فصل جديد في السيرك. ففي الفترة الأولى من عهد بوش الابن استخدم ذلك الإعلام كل مفردات التخلف والجهل والعبودية والأمية، وألصقها بالمنطقة، متهما دولها بأنها تتحمل مسئولية الاستبداد وضعف التنمية وتبديد الثروة. وكانت تلك الحملة تغطية للهجوم العسكري - السياسي على المنطقة ودولها بقصد إحكام السيطرة وتطويعها. بعد تلك الفترة لجأت الإدارة الأميركية إلى إطلاق تصريحات تعترف بجزء من المسئولية، مشيرة إلى دعم البيت الأبيض لأنظمة فاسدة ومستبدة طوال فترة امتدت إلى ستة عقود. اعتراف واشنطن بجزء من المسئولية توقف عند هذه النقطة، ولم يتطور إلى نوع من الاعتذار من شعوب المنطقة، ولم يترجم سياسة جديدة تعيد النظر في الأساليب التي اتبعت خلال 60 سنة من العلاقات العربية - الأميركية.

عدم الاعتذار ورفض إعادة النظر والإصرار على دعم "إسرائيل" في عدوانها على الشعوب العربية كلها عناصر فتحت الباب أمام حفلة التهريج بشأن الإصلاحات. الآن بدأت واشنطن في الفترة الثانية من عهد بوش تروج لدعاية وردية وزاهية تشير إلى إنجازات غير مسبوقة حصلت في أكثر من مكان، وستحدث في أمكنة أخرى من "الشرق الأوسط الكبير".

حفلة التهريج الجديدة لا تقل خطورة عن أكاذيب الفترة الأولى من عهد بوش. وأخطر ما في هذه الحفلة أنها تسوق سياسة زهرية "وردية"، وتريد من الناس المساكين والشعوب البريئة تصديقها، وهي: الإصلاح بدأ فعلا، وما على الشعوب سوى القعود والانتظار حتى يثمر.

هذا النوع من التسويق الإعلامي لإصلاح لم يحدث يهدف إلى زرع الأوهام في مخيلة الناس، وتكريس فكرة الكسل "القعود" من خلال تزوير الوقائع وتدوير الحقائق. فالكلام عن أن الإصلاح بدأ والناس لا تدري به يعزز تلك الأفكار التي تتحدث عن التخلف من دون وعي منها لأسبابه. وعدم وعي التخلف يستدرج الناس إلى التحدث عن الإصلاح من دون وعي بشروطه وعناصره وصعوباته وتعقيداته.

هذا النوع من الدعاية الأميركية عن إنجازات إصلاحية تحققت يبتغي في النهاية طرح مجموعة تصورات تستسهل معنى الإصلاح الحقيقي، وتكتفي بهذا القدر من "الديكورات" و"المساحيق" لمنع الناس من التقدم والمطالبة بالتغيير الذي لا تخدعه شعارات "الشفافية" و"تمكين المرأة". فالتخلف العربي في ظل "الشرق الأوسط الكبير" أعمق بكثير، ويتطلب الكثير من الجهد ومدة زمنية طويلة لتجاوز العثرات والثغرات والعقبات التي تعترض النمو والازدهار والتوزيع العادل للثروة.

أخطر ما يمكن توقعه من حفلة التهريج الأميركية بشأن الإصلاح هو تلك الآثار السلبية التي ستظهر لاحقا حين يكتشف الناس الخدعة، وتبدأ المطالبة الحقيقية بإصلاح لا يكتفي بالديكورات ومساحيق التجميل.

مسألة الإصلاح والحديث عنه ليس سهلا، كذلك تجاوز علاقات التخلف لا يحصل بمثل هذه السهولة. فتبسيط الإصلاح يعطل إمكانات حصوله. فالمسألة في النهاية لا تقتصر على مجموعة شعارات، وإنما تتصل بالواقع وعلاقات الاجتماع وثقافة العمل والاستعداد للتعلم والاعتماد على النفس... وكل هذه المتطلبات مرهونة بدرجة التطور ومدى استعداد الناس لأخذ المبادرة وعدم الاتكال على العمالة المستوردة والجيوش الأجنبية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 993 - الأربعاء 25 مايو 2005م الموافق 16 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً