لعل من ابتلاءات الزمان هي كثرة المجانين، وخصوصا إذا حاول أن يظهر للملأ "سوبرمان" زمانه. أحيانا تجده هائجا كثور إسباني كلما رأى لونا أحمر ازداد هياجه. ليس غريبا ذلك، فقد ابتليت الأمم منذ أمد بعيد بغريبي الأطوار. واحد يتنفس من منخر، وواحد يبكي على "المصب الرئيسي" وكأن بقية الناس عبيد وكفار، وآخر يشمشم كل يوم أي حدث ليتقيأ على الناس وعظا وإرشادا، وهكذا دواليك.
صاحب "المصب" يعاني من عقدة الانفصام، فكل يوم يلقي الرصاص على أحد، وتحولت الصحافة بقدرة قادر إلى مصحة نفسية لمجانين الفتن والمعتوهين. وقديما قال العرب: ليس العيب في اللحية وإنما في خفافة العقل. وقال الشاعر الدمشقي خليل مردم في هجاء رجل يوعظ الناس نهارا وهو مليء بالنواقص كصندوق قمامة:
أحفى شواربه ولحيته معا
أرأيت رأس التيس ساعة يمسط
وكلامه متقطع بسعاله
فهو بعير يبهر في النعيق فيعفط
هذه سمة العبد عندما يعمل على ذبح مجتمعه ويعمل على زرع بذور الفتن... ألم يقل المتنبي:
العبد ليس لحر صالح بأخ
لو أنه في ثياب الحر مولود
نامت نواطير مصر عن ثعالبها
فقد بشمن، وما تفنى العناقيد
ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن
يسيء بي فيه عبد وهو محمود
وإن ذا الأسود المثقوب مشفره
تطيعه ذي العضاريط الرعاديد
جوعان يأكل من زادي ويمسكني
لكي يقال عظيم القدر مقصود
ومن ضمن الهجاء السياسي ما طرحه أبوبكر اليكي في رجل راح يشتم الناس ليل نهار، قائلا:
أعد الوضوء إذا نطقت به
متذكرا من قبل أن تنسى
واحفظ ثيابك إن مررت به
فالظل منه ينجس الشمسا
ألم يهج الشاعر المعاصر بعض غوغائيي البرلمان، قائلا:
في البرلمان رجال ليس ينقصهم
عن البهائم إلا السرج والذنب
طبعا، ليس كل شخص بهيمة، فهناك أشخاص في الزمن السابق والحاضر، هم الصورة المضيئة ومن كل الأطياف. والحقيقة تقال، ليس كل صاحب لحية غبيا وأحمق ومعتوها، لكن العرب اتخذوا هذا الطريق في هجائهم السياسي لمن انتفخوا على حساب الناس وعلى حساب وحدة الإسلام.
فيذكر صاحب كتاب "أروع ما قيل في الهجاء" إميل ناصف، أن شاعرا عربيا ذهب يهجو كل شعرة، قائلا في ص 61:
كم شعرة فوق أخرى
تبدو كروث البغال
المسك فيها مضاع
بين الخنا والضلال
متى يصبح الإنسان محط نقد الشعراء وهجائهم؟ عادة عندما يضع له أنيابا ليأكل في لحوم البشر كعيدي أمين آكل لحوم البشر. وليس شرطا أن تكون أنيابا حقيقية، فتارة تكون بلاستيكية... وكم من ديك منفوش لو فتشنا جسده وجدناه بقلب أرنب على طريقة "أسد علي وفي الحروب نعامة"، لكن ماذا نعمل في العقلية الشرقية "فهي لا ترضى بدور غير أدوار البطولة".
دعونا من كل ذلك، ما رأيكم أن نقرأ ما قاله الكاتب الساخر أحمد رجب في بعض نواب "البلطجة" في مصر؟
يقول: "أضحت شروط الترشيح لمجلس الشعب أن يكون المرشح فوق الثلاثين ويجيد القراءة والكتابة وأن يكون حسن السير والسلوك، واشتهر بالموافقة"، وعلى حد قوله أيضا: "أتمنى أن يراعى في اختيار المرشح لمجلس الشعب ألا تكون له خبرة سابقة بالتصفيق والموافقة، وليس له هواية جمع إمضاءات الوزراء على الطلبات مقابل عمولات... وأن يستعمل الحصانة فيما شرعت له ولا يتخذ منها رداء ليليا وفي يده سلسلة مفاتيح".
أما عادل حموده، فقد كتب في كتابه "النكت السياسية" عن النواب: "عرف البرلمان في مصر من نواب السوء ما لم يعرفه في تاريخه الطويل... نواب المخدرات... نواب القروض... نواب النقوط... نواب البلطجة... طبعا، لم يكن الناس في حاجة إلى اختراع نكات على هؤلاء، فتصرفاتهم تتجاوز كل سخرية ممكنة وغير ممكنة".
يقول أحمد رجب: "مات نائب فرشح الناس مكانه لمجلس الشعب آخر كان فراشا في مصلحة"
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 992 - الثلثاء 24 مايو 2005م الموافق 15 ربيع الثاني 1426هـ