العدد 992 - الثلثاء 24 مايو 2005م الموافق 15 ربيع الثاني 1426هـ

واقع الأمم والمواثيق الدولية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تتجه الكثير من الدول العربية والمسلمة و"العالم ثالثية" إلى توقيع اتفاقات دولية صادرة عن الأمم المتحدة وهيئات تابعة لها تتعلق بمختلف شئون القطاعات الأمنية والاقتصادية والمالية والتجارية والحقوقية والتربوية والصحية والإعلامية والسياسية وغيرها من حقول تشمل كل ما له صلة بالحاجات الإنسانية والعسكرية. الاتفاقات كثيرة وهي في مجموعها تغطي عشرات النواحي حتى تلك المتعلقة بقوانين القضاء والاحوال الشخصية والبيئة والجمعيات والاتحادات والنقابات والعمال.

التواقيع جارية على قدم وساق وأحيانا توقع المعاهدات من دون قراءة دقيقة لها، الأمر الذي يعرض أمن تلك البلدان ومصالحها لمخاطر في المستقبل في حال تعارضت تلك المواثيق والاتفاقات مع حاجات البلد وقدراته وإمكاناته ومستوى تطوره. وهذا التعارض المفترض يرجح أن يطرح مستقبلا إشكالات قانونية بين الدولة العاجزة عن تلبية شروط الاتفاقات والمواثيق والمعاهدات وبين الدول الكبرى التي ستجد التهمة جاهزة للانقضاض على الدولة بذريعة مخالفتها للقوانين الدولية.

هذا لا يعني أن المواثيق والاتفاقات يجب ألا توقع، ولكن على الدول المعنية بها وتحديدا الصغيرة الحجم والضعيفة وقليلة الإمكانات أن تقرأ حيثيات وبنود تلك "المعاهدات" وتختار لتجنب ما تفرضه من شروط تتجاوز قدرات البلد على تلبيتها. فعدم التوقيع مشكلة ولكن التوقيع من دون التزام مشكلة أكبر لأنه سيجلب على الدولة تهمة عدم التنفيذ، ويعطي ذريعة للدول الكبرى بالتدخل المباشر وغير المباشر وإحداث خلل بالتوازنات الأهلية وما تعكسه من علاقات داخلية.

المشكلة أصلا ليست في الدول الصغيرة. فهذه الدول لا قيمة لها في التوازنات الدولية. لا من حيث الحجم ولا الاقتصاد ولا المال ولا التجارة ولا الإنتاج والاستهلاك. المشكلة أساسا تكمن في سياسات الدول الكبرى التي تستغل تلك الدول الهامشية أو المهمشة وتستخدمها كموقع جغرافي لابتزاز أو استفزاز دول إقليمية تتخوف القوى الكبرى من نموها السياسي والاقتصادي أو العسكري في المستقبل.

هذا على مستوى الاستخدام السياسي لتلك التوقيعات. أما المستوى القانوني فهو يشكل الجانب الأصعب من المعادلة، لأن التوقيع يلزم الدولة باتفاقات قد لا تتناسب مع حجم سوقها ودرجة تطورها ومقدرتها على التنافس في ظل غلبة نوعية وكمية تمتاز بها القوى الكبرى في مختلف الحقول والقطاعات. وهذا التفاوت في النمو بين العالم الأول والثالث لا تأخذه الاتفاقات في الاعتبار، الأمر الذي يلغي فكرة التنافسية التي تتفاخر بها القوى الكبرى ويعزز نظرية الاحتكار لمصلحة الدول المسيطرة الآن على الأسواق العالمية. فالقوي الآن يفرض شروطه على الضعيف لضمان استمرار تفوقه على الأمد الطويل وقطع الطريق على احتمال نهوض قوى إقليمية قادرة على الاستقلال أو تأمين موقع محترم في إطار التطور العالمي للعلاقات بين الأمم.

هناك فعلا مشكلة موضعية في تلك المعاهدات والمواثيق والاتفاقات التي تضطر الدول الصغيرة أحيانا إلى توقيعها. والمشكلة ليست فقط في الاستعجال في التوقيع وإنما أيضا أن تلك الأوراق القانونية "الدولية" لا تأخذ في الاعتبار ذاك التفاوت القائم اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا بين الدول. فهناك دول أنجزت تقدمها منذ فترة طويلة وتبحث الآن عن الاستقرار ومد مصالحها إلى خارج نطاقها القومي "الجغرافي - السياسي"، وهناك دول لاتزال في طور اقتصاد الكفاف. وهناك دول تعتمد على المنتوج الطبيعي. وهناك دول تسودها علاقات اقتصاد الريع ولم تتوصل بعد إلى حل مشكلة "المواطن". وهناك دول تعيش علاقات اجتماع متخلفة تتحكم بها بنى تقليدية لم تتطور إلى مستوى "الدولة". فهذه الاختلافات في تطور "الدول" المسجلة رسميا كأعضاء في الأمم المتحدة تعكس درجات غير متساوية في نموها وحاجاتها. وهذا التفاوت بين دول العالم الأول والثاني والثالث وصولا إلى الرابع لا تلحظه تلك المواثيق والاتفاقات التي أشرفت القوى الكبرى على صوغ موادها وبنودها.

التوقيع لا يفي بالحاجة لأن تلك الدول غير قادرة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا على تلبية الشروط القانونية لذاك التطور النظري الذي تفترضه مثل تلك البنود والمواد التي تنص عليها أوراق صادرة عن هيئات ومنظمات تابعة للأمم المتحدة. فواقع الأمم ليس بالضرورة صورة عن تلك المواثيق الدولية.

اتجاه كثير من دول العالم الثالث إلى التوقيع لا يعني على مستوى الواقع الملموس وجود تحولات حقيقية في إطار تطور العلاقات وما تمثله من بنى اجتماعية. فالتوقيع مجرد توقيع، أما الواقع فهو مسألة أخرى تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد للوصول إلى مستوى ربع ما أنجزته تلك الدول الكبرى منذ أكثر من قرن

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 992 - الثلثاء 24 مايو 2005م الموافق 15 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً