العدد 992 - الثلثاء 24 مايو 2005م الموافق 15 ربيع الثاني 1426هـ

ملكيادس لن يدفن تحت الإعلانات الأميركية

تومي لي جونز مقنع

كانت التوقعات بالنسبة إلى فيلم "دفن ملكيادس 3 مرات"، كبيرة منذ ما قبل بدء عروض الدورة الأخيرة لمهرجان "كان" السينمائي. أولا لأن هذا الفيلم هو الأول الذي يخرجه تومي لي جونز، أحد أهم الممثلين الأميركيين من ابناء جيله أبدع في "دوبل جيو بارادي" أمام آشلي جاد... كما بدا متميزا في حلقتي "رجال بالأسود" وثانيا كان الفيلم، على رغم كونه ينتمي إلى طينة أفلام رعاة البقر، كان يريد قلب الموقف، أن ينظر إلى مسألة الحدود الاميركية - المكسيكية، وعبور المهاجرين السريين لها، ولكن من وجهة نظر هؤلاء، لا من وجهة النظر الأميركية كما اعتادت الأمور أن تكون في أفلام سابقة.

وحين عرض الفيلم بدت خيبة الأمل كبيرة: لم يكن هذا ما توقعناه! كان لسان حال معظم الذين شاهدوا الفيلم. وكثير قالوا إن اضعف ما في الفيلم إخراجه... على رغم قوة السيناريو. كما أن كثيرا أشادوا باداء تومي لي جونز بالدور الأساسي فيه.

لاحقا... أعلنت النتائج. ولم يكن أحد يتوقع لهذا الفيلم أن يفوز بأية جائزة. ولا سيما بجائزة أفضل ممثل... ذلك ان الاجماع كان منصبا حول بيل مواري، عن الدور الرائع الذي أداه في "زهور محطمة" لجيم غارموش.

ولكن مرة أخرى جرت الرياح بما لا تشتهي السفن: فاز فيلم تومي لي جونز، بجائزتين. وليس بجائزة واحدة وهما تحديدا جائزة السيناريو لكاتبه المكسيكي غيير مو آرياغا. ثم جائزة افضل ممثل لتومي لي جونز. هنا صفق البعض... وصفر البعض الآخر، واذ اعتلى الكاتب آرياغا المسرح لتناول جائزته ابدى سروره ولوح بعلم المكسيك ما أثار حماس الصالة وإن كان البعض رأى في فوزه صفقة دبرتها الممثلة المكسيكية عضو لجنة التحكيم سلمى حايك. مهما يكن بعد ثوان أعلن فوز تومي لي جونز فاعتلى المسرح والغضب ملء وجهه ثم رفض أن يصافح رئيس اللجنة اميركوستوريتسا. كان واضحا انه يتطلع إلى جائزة الإخراج... أو إلى السعفة!

والحقيقة ان "دفن مليكادس 3 مرات" لا يستحق لا هذه ولا تلك ولا حتى أيا من الجائزتين اللتين فاز بهما على رغم يساريته الإنسانية وعدائه المعلن للسلطات الاميركية. هو في نهاية الأمر، فيلم تجاري مليء بالنوايا الطيبة، بطله راعي غنم عتيق يدعى بيث. يرفض دائما حلق لحيته. وعمله وكيل مزرعة عند الحدود المكسيكية... حيث تكثر المشكلات بين خفر الحدود الاميركيين والعمال المهاجرين سرا. ويحدث ذات يوم أن يطلق رجال الحدود النار ليقتل العامل المكسيكي ملكيادس برصاصة. على الفور تقيد الحادثة ضد مجهول وتعمد السلطات إلى دفن الجثة وتكاد الأمور تتم "على خير" لولا تفصيل صغير: ان بيث صديق للعامل القتيل. وكان قد تعهد له في حال ما اذا قتل ان ينقل جثمانه علنا في احتفال ليدفن في قريته الصغيرة مسقط رأسه... لكي يرتاح الجثمان "في ظل اللوحات الإعلانية الأميركية"!

وهكذا. تدور بقية حوادث الفيلم حول تحقيق بيث لما تعهد به. ويبدأ بالتوجه إلى بيث الأجير القاتل يجبره على اخراج الجثمان ثم مرافقته إلى المكسيك. ولكن اعتبارا من هذه اللحظة لا نعود امام ذلك الفيلم الإنساني - السياسي، الذي كنا نتوقع بل نغوص، حتى نهاية الفيلم، التي لن نرويها لكم، وسط عوالم رعاة البقر التقليدية.

إذا... من حكاية جميلة إلى قواعد سينمائية عادية يتنقل هذا الفيلم، الذي لا يخلو هنا من لحظات فائقة القوة والجمال. ولكن، أسئلة كثيرة، هل كان هذا يبرر بشكل كاف، فوز هذا الفيلم بجائزتين من أصل سبع هي كل ما يقدمه مهرجان "كان"؟





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً