بعد كتابة مقال الاسم جاءتني اتصالات من أهل الخير لكفالة أو مساعدة أبنائنا المعوقين الذين يقوم برعايتهم مركز البحرين الشامل، فقلت للمتصلين: اذهبوا إلى مركز البحرين الشامل وباشروا الأمر بأنفسكم، وهناك سيشرح لكم المسئولون كيفية كفالة أي معوق فقير أو يتيمة معوقة، وأتمنى من تجارنا أصحاب الأيدي البيضاء دعم مثل هذه المشروعات. المركز موجود في منطقة جنوسان بجانب نادي كونتري.
أنا على يقين أن قلب المجتمع البحريني مازال ينبض بالخير والعطاء، ويمكن لأي متبرع أن يتصل بمكتب العلاقات العامة في هذا المركز على رقم: 39165999 أو 17591900 ليسأل عن كيفية كفالة هؤلاء الأبناء الذين يحتاجون إلى مساعدتنا للأخذ بيدهم إلى حيث النور... نور الحياة.
وأنا أتلمس مواقع الألم، وأنا أتصفح هذه الزهور، وأتنشق هذه النسمات البريئة فكرت كثيرا في مستقبلهم... بعض المعوقين عوائلكم مقتدرة. ولكن السؤال الجوهري: ما مستقبل بعض هؤلاء الأبناء؟ كم من معوق تاه بعد رحيل أبويه أو بعد أن أصابهما الكبر، في ظل عالم قائم على الماديات وتكاد تتلاشى فيه النزعة الإنسانية؟ هل من تأمين مستقبلي لبعض هؤلاء الأطفال، وخصوصا ممن يعانون تخلفا عقليا؟
نحن أساتذة في لعن المجتمع الغربي ولسع ظهره بالسوط، ولكن، نتناسى إيجابيات الغرب نحن أحق بتطبيقها كمسلمين. هناك مؤسسات غربية حكومية تقوم برعاية الطفل المعوق أو المصاب بالتخلف العقلي طيلة عمره، حتى بعد فقدان أبويه، لأن هؤلاء في النهاية بشر يستحقون الرحمة والعطف، ومن حق آبائهم أن يطمئنوا على مستقبلهم. والمسألة التي ينبغي للبرلمان أن يطرحها بدلا من الانغماس في الهوامش هو فرض كوتا على القطاعين العام والخاص لتبني ذوي الاحتياجات الخاصة.
لابد من اقتطاع مقاعد جامعية لهم، وغرف خاصة بهم في المستشفيات، حتى في لوازم الحياة ينبغي أن تعطى لهم بطاقات خاصة للمشتريات مدعومة من الدولة لدى شرائهم حاجاتهم وأجهزتهم. لماذا عندما نحتاج إلى كرسي متحرك لطفل صغير نضطر إلى الكتابة في الصحافة؟ فالأولى بالمجتمع والدولة والقطاع الخاص مراعاة هذه الفئة من الناس. حتى في الوظائف، كم من شاب موهوب أغلقت في وجهه أبواب التوظيف بسبب الإعاقة؟... يجب ألا نكون نحن والزمان على هذه الفئة.
لعل البعض منا لا يشعر بمدى الألم والحزن والوجع الذي ينتاب أم المعوق وهي تجاهد في هذه الحياة القاسية لتوفير راحة طفلها، يكفي العذاب الذي تعيشه وهي ترى طفلها غير قادر على أن يتأرجح في أرجوحة كأي طفل صغير، أو ينظر إلى لعبة جميلة تتدلى بين يديه من دون أن يفهم مغزاها. هذه الأمهات المكافحات لا يعرف مدى صبرهن وقوة إرادتهن إلا من يحاول أن يسمع جزءا من كلماتهن... وتتعجب من تلك الإرادة وذلك الطموح الكبير.
لقد علمتني الحياة وأنا أقرأ في بعض دراسات تتعلق بالمعوقين، أن هناك أبطالا صنعوا التاريخ على رغم إعاقتهم، ذلك لأن وراءهم أمهات عظيمات أو آباء ما برحوا يحفرون الصخر أحرفا ذهبية مزجت بدموع الصبر وقوة الارادة. دعونا نضع الجرح على الجرح والحزن على الحزن، فقد ينبت الجرح زهرة أمل في مستقبل ليس بعيدا عن طفل قسا عليه الزمن.
أتمنى من كل عائلة أن تقرأ كتاب "عظماء ومشاهير معاقون غيروا مجرى التاريخ" لأحمد الشنواني. ألم يكن أبو العلاء المعري كفيفا؟ ألم يكن أديسون يعاني الصمم؟ كلكم تعرفون بتهوفن، صاحب السمفونيات التسع، كان يعاني الصمم! امادو ستوفسكي، أحد أئمة الرواية الروسية، فقد كان صاحب طفولة عليلة. هل تعرفون هيلين كيلر، فهي مؤلفة وعمياء وصماء، وعلى رغم ذلك عاشت سعيدة.
لقد امتلأت البحرين مساجد، ولكن فكروا كيف نبني مراكز للرحمة، مراكز للعلم، كيف نقوي إرادة هذه النسمات، كيف نزرع الضوء في الظلام، كيف نزرع الابتسامة على دمعتي الحزن... إنها قناديل تحتاج إلى زيت الرحمة، وكم تكبر المأساة عندما يكون أحد هؤلاء الأطفال من اليتامى.
عندما دخلت مركز البحرين الشامل ورأيت الأطفال، قرأت في عيونهم العتب الكبير على المجتمع، وأثر في طفل صغير سألت عنه مدرسته، فقالت: هذا الطفل يتيم، فهو جمع الإعاقة مع اليتم. ما الذي سنخسره لو اتصل كل واحد منا بإدارة المركز وكفل له يتيما أو فقيرا ولو لمدة عام؟ فهو عمل يزكي به أعماله ويجنبه مكاره الدهر هو وأبناؤه، وكل شيء إلى زوال ويبقى العمل الصالح
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 991 - الإثنين 23 مايو 2005م الموافق 14 ربيع الثاني 1426هـ