انتهى "المنتدى الاقتصادي العالمي" في البحر الميت على وقع انغام "الإصلاح آت لا محالة". فهل الإصلاح فعلا ات ام ما هو آت اسوأ مما هو قائم؟
"النموذج العراقي" الذي بشرت الإدارة الأميركية به الشعوب العربية هو أحد تعبيرات مرحلة يقال انها تنتظر دول الجوار.
"النموذج" الذي وعدت واشنطن بتحقيقه في بلاد الرافدين ليكون قدوة يحتذى استقر بعد أكثر من سنتين على الاحتلال على الصور الآتية: انفجارات، اغتيالات، خطف على الهوية، تفخيخ سيارات، سرقات، فساد، رشوة، صفقات مشبوهة، نهب المال من دون محاسبة، تهريب آثار، قطع المياه والكهرباء، انعدام الأمن، تعطيل مؤسسات، تخويف، إرهاب الناس، غلاء فاحش، ارتفاع أسعار، تضخم، تراجع القوة الشرائية، انهيار الحياة اليومية، تفكيك العلاقات الأهلية، اتهامات متبادلة، شكوك بين المجموعات السياسية، عدم استقرار، عدم اطمئنان، هروب الرساميل، هروب الادمغة، تعطيل دوائر الدولة، استفزازات طائفية ومذهبية، احتمالات باندلاع مواجهات بين أبناء البلد الواحد، تلميحات بتقسيم العراق إلى دويلات طوائف "شمالية، جنوبية، ووسطى"، توتر في العلاقات السياسية مع دول الجوار، مخاوف من حصول توترات حدودية مع المحيط الجغرافي للعراق... إلى آخر ما يمكن وصفه من انهيار شبه شامل تطلق عليه مجموعة الشر في "البنتاغون" تسميه شفافة: "الفوضى البناءة".
"الفوضى البناءة" إذا هي الشكل المرجح لمقولة "الإصلاح آت لا محالة". وهذه الفوضى التي تفتخر واشنطن انها انجزتها في أقل من ثلاث سنوات، ترى أيضا إدارة جورج بوش انها "مشيئة الرب" وهي معجزة إلهية قررت "قوة غير مرئية" اختيار هذا "الرجل المخلص" لتحقيقها وبهذه السرعة الجنونية. فهذه الإدارة تؤكد يوميا على نجاحها غير المنتظر، لأنها ترى المسألة من جانب آخر. فهذه "الفوضى" الموصوفة في سلبياتها ليست الجانب المهم من المسألة وانما "البناءة" هي ما يجب أن ننظر إلى جانبها في الوجه الآخر من المسألة.
"البناءة" تعني احتلال القوات الأميركية للعراق في وقت قياسي، تقويض الدولة في لحظات زمنية، تركيز المارينز في مواقع عسكرية ومهابط طيران وقواعد جاهزة للانطلاق، رفع موازنة الدفاع من 265 مليار دولار في عهد بيل كلينتون إلى 416 مليارا في عهد الرئيس "المعجزة"، تهديد دول الجوار، زعزعة الاستقرار في المنطقة، حماية "إسرائيل" من جيرانها العرب، كسر شوكة ياسر عرفات، اخراج السوريين من لبنان، تحسين "تمكين المرأة" في بعض الدول العربية... وذهاب نصف الشعب العراقي إلى "صناديق الاقتراع".
هذا هو الجانب "البناء" من الرؤية الأميركية وهي رؤية، كما يلاحظ، لا تتناسب مع آمال ولا طموحات الشعوب العربية، ولكنها في النهاية تخاطب شريحة من المثقفين العرب "نخبة متغربة" ترى ما تراه واشنطن... اضافة إلى تلبية رغبات الناخب الأميركي وتبرير هذا الانفاق الهائل على الدفاع والحروب لدافع الضرائب.
إذا هناك أكثر من قراءة للسياسة الأميركية في العراق ودول الجوار. القراءة العربية تركز على "الفوضى" أو "الهوشة" التي "عفست" الأخضر واليابس، والقراءة الأميركية التي تركز على "البناءة" وهي اغداق الوعود على شعوب عربية مسكينة بحاجة فعلا إلى تغيير وخلاص من واقعها المزري وحتى الآن لم تحصد سوى "خفي حنين".
الى متى ستستمر موسيقى "الإصلاح آت لا محالة" وما هو المدى الزمني الذي تحتاجه "الفوضى" ليبدأ "البناء" من بعدها؟ والجواب ليس بحاجة إلى ذكاء لالتقاط عناصره التفجيرية "النموذج العراقي مثالا".
"الفوضى" سهلة ولا تحتاج إلى جهد وعناء وكلفة لتحقيقها ونشرها وبعثرة تداعياتها السلبية على دول الجوار العراقي... بينما "البناء" يتطلب الوقت والجهد والعناء والكلفة العالية لانجازه. وبين "الفوضى" و"البناءة" يمكن أن يقرأ المشاهد العربي الكثير من الإصلاح الـ "آت لا محالة" من العراق ووفق مواصفات ليست بعيدة عن "النموذج" القائم الآن في بلاد الرافدين
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 991 - الإثنين 23 مايو 2005م الموافق 14 ربيع الثاني 1426هـ