لم يكن صدفة أن تنطلق أول انتخابات حرّة شهدتها البحرين في عهدها الجديد من ميدان السلطة الرابعة، من أجل جسّ نبض الشارع وتحسس اتجاهات المستقبل.
كانت البلد تنفض أثوابها من غبار مرحلة «أمن الدولة»، وكانت التوقعات كبيرة. وكانت الجهات الرسمية بحاجة لما يطمئنها بعدم حدوث قفزات كبيرة غير محسوبة. من أجل ذلك وضعت عدة ضمانات، من بينها ضمان من يمسك بمقود القيادة، وإدخال أعداد كبيرة من منتسبي وزارة الإعلام كأعضاء، من أجل (تغليظ المرقة) كما يقولون.
الخطوات نفسها تكرّرت لاحقا على مستوى أكبر، في الانتخابات البرلمانية، واكتشفنا أن انتخابات الجمعية لم تكن مجرد جس نبض، بل باتت تجربة أولية قابلة للتعميم والاستنساخ على المستوى الوطني. وللأسف كانت تجربة مليئة بالثقوب والثغرات، لم يفلح الزملاء الصحافيون في تصحيحها، سواء من كانوا داخل التجربة أو خارجها، فبقينا مشتتين بين جمعيةٍ رسميةٍ، ونقابةٍ تحت الإشهار، ولم تفلح المساعي لتوحيدهما رغم الكثير مما كتب وقيل.
ضمانات المرحلة الأولى كانت مفهومة بحسابات تلك الفترة، لكن أن تستمر نفس الحسابات والمعادلات بعد ثلاث دورات انتخابية، فهو أمر يتطلب التغيير، خصوصا بعد أن لمس الجميع آثار تلك الإجراءات على شلّ الجمعية، وتقسيم الوسط الصحافي، وضرب التجربة وتفريغها من محتواها كمؤسسة نقابية جامعة للصحافيين.
الوضع اليوم ونحن مقبلون على انتخابات ساخنة لأول مرة، يحتاج إلى مصارحة ومكاشفة، خصوصا الطلب الذي يُجمع عليه كل الصحافيين، وهو ضرورة ابتعاد كلّ رؤساء التحرير عن منصب الرئاسة، فهذا الوضع الشاذ ينبغي تصحيحه وللأبد. هل سمعتم رئيس مؤسسةٍ أو شركةٍ يتولى رئاسة نقابة العمال فيها؟ أليس الأمر مضحكا؟ أليست مهزلة أن يجمع شخصٌ ما، منصبي الخصم والحكم في يده؟
ليست القضية شخصية وإنما هو خلافٌ في المبدأ منذ انطلاق الجمعية، ولابد من تصحيح هذا الشذوذ لتنصلح مسيرتها. وهذا المطلب يجب أن يوضع على رأس أولويات الإدارة الجديدة إذا أردنا مغادرة الشلل والانقسام... فهذه الخطوة ستسهم في تقديري في إزالة أحد أكبر المعوّقات أمام دمج الجمعية والنقابة تحت سقف واحد. المطلب واضح، ومن يقف بوجه ذلك تغليبا لمصلحةٍ شخصية، يتحمّل أمام الرأي العام وتاريخ الصحافة مسئولية استمرار المسيرة المتعثرة للجمعية.
كثيرون يقولون إن هذه الانتخابات ستكون ساخنة، والبعض يتكلّم عن تحالفات واتفاقات غير معلنة، وكلها أمورٌ متوقعة في مثل هذه التنافسات، لكن أن يصل الأمر بجهةٍ تدّعي الدفاع عن المبادئ «الليبرالية» إلى استخدام أقذر الأسلحة (الطائفية)، فهذا أمر مدانٌ وغير مقبول.
الانتخابات قد تفرز مجموعة جديدة تدفع باتجاه التغيير والإصلاح، وقد تكرّس الوضع الحالي بما فيه من شَلَلٍ وشلليةِ وركودٍ وانقسام. والأمل بأن يصوّت كل الصحافيين لمعايير الصدق والكفاءة والخبرة، بعيدا عن الخضوع لضغوط السياسة أو المؤسسة، لكي يكون المجلس الجديد معبّرا حقا عن مجموع الصحافيين. ربما نكون حالمين أكثر من اللازم، ولكن تطوّر المجتمعات يبدأ حُلُما حتى يزهر. فالأطراف المعادية للإصلاح لن تسلّم بسهولة، ومن أسفٍ أن تدفع «جهةٌ» تدعي الليبرالية، بأحد الصغار لكتابة بيانٍ رديء ومكذوب، فبركه على لسان صحافيين من طائفةٍ، يتآمرون على زملائهم من الطائفة الأخرى. هذا البيان المتخيّل المريض، أخذ طريقه إلى المنتديات الطائفية... فهذا هو قصارى ما تنتجه عقلية العسس وكتّاب التقارير والمخبرين.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2406 - الثلثاء 07 أبريل 2009م الموافق 11 ربيع الثاني 1430هـ