تحتضن دلهي هذه الأيام أعمال اللجنة العليا للمحكمين المنبثقة عن قمة الجائزة العالمية (WSA)، من أجل تقويم مئات الأعمال المتقدمة من بلدان العالم كافة للمشاركة في المسابقة التي تقام مرة كل عامين، والتي تتوزع على ثمان فئات هي: الحكومة الإلكترونية، الأعمال الإلكترونية، الخدمات الصحية الإلكترونية، التعليم الإلكتروني، الثقافة الإلكترونية، الترفيه الإلكتروني، الإحتواء الإلكتروني، العلوم الإلكترونية، وكان من بينها ما يربو على 75 عملا من البلدان العربية المختلفة، بما فيها العراق التي تقدمت بثلاثة أعمال، والسودان وجاء منها أربعة أعمال.
أما البحرين فقد شاركت في الفئات الثمان وكان معضمها من تلك الفائزة في مسابقة جائزة البحرين للمحتوى الإلكتروني 2009.
والجدير بالذكر أن البحرين كانت من الدول العربية السباقة التي ولجت علم بناء المحتوى الإلكتروني، وشرعت، ومنذ العام 2005 على المشاركة في هذه المسابقة، ولها سجل حافل بالفوز في بعض فئاتها. ففي العام 2005، كان هناك عملان نجحا في أن يكونا من الأعمال الفائزة، هما بوابة المرأة من فئة الإحتواء الإلكتروني، وموقع سمات الدخول للأجانب (eVisa) من فئة الحكومة الإلكترونية.
ويكتشف المتابع المستمر للأنشطة ذات العلاقة بالمحتوى الإلكتروني، أن هناك شيئا من لالتباس والغموض يشوب فهم جوهر «المحتوى الإلكتروني»، ليس على المستوى العربي فحسب، بل وحتى في مناطق متقدمة من العالم مثل مؤسسات صناعة المحتوى الإلكتروني في الغرب، سواء في الولايات المتحدة، التي قطعت صناعة تقنيات المعلومات فيها خطوات واسعة على طريق تقنيات معالجة المحتوى، أو أوروبا التي انطلقت منها معظم اجتهادات تقييس وتحديد مراسم (Protocols) بناء المحتوى الإلكتروني، والشبكة العنكبوتية العالمية أحد أبرز شواهدها.
أول أدلة ذلك الغموض هو الخلط الواضح بين النسخ اللينة للمحتوى (Soft Content)، والهيئات الإلكترونية للمحتوى (eContent). فبينما تحصر الأولى مكوناتها في الانتقال من نصوص أو سمعيات بصريات (Audio-Visuals) محفوظة في أوعية معلومات تقليدية، إلى أخرى رقمية، نجد أن الثانية تقوم بالعملية ذاتها، بعد أن تعالجها بمحركات إلكترونية تمدها بآليات متطورة تساعد من يستخدمها على توليد القيمة المضافة التي يختارها وفقا لاحتياجاته الذاتية فردية كانت أم سوقية (مشتقة من سوق).
ولكي يحقق مستخدم المحتوى الإلكتروني الفائدة القصوى من ذاك التحول، عليه في نطاق جمعه لذلك المحتوى أو في إطار معالجته أو عند تخزينه من أجل إعادة استخدامه أو بثه، عليه مراعاة مجموعة من العوامل، التي من بين أهمها:
1- التقنيات المستخدمة، وهذا يشمل تلك المستخدمة في إعداد المحتوى أو عند الاستفادة منه.
فعلى المستوى الأول ينبغي تحاشي تلك التي تتطلب مبالغ ضخمة أو موارد بشرية ذات كفاءات عالية يندر توفرها، وعلى مستوى الاستخدام، لابد لها أن تكون سهلة الاستخدام، وبعيدة عن أي شكل من أشكال التعقيد. وفي الوقت ذاته ان تكون ذات كلفة منطقية تتناسب والخدمات التي تقدمها، وغير مكلفة لمن يريد الاستفادة منها.
2- الجمهور المخاطب، وبخلاف نوعية المعلومات التقليدية، المأسورة بحدود الزمان والمكان، تنطلق أوعية المعلومات الإلكترونية، وعلى وجه الخصوص تلك التي تستخدم تقنيات الإنترنت، في فضاء واسع على مستوى النطاق الجغرافي، ولا محدود على مستوى الحيز الزمني، وبالتالي فعلى من يقف وراء إعداد المحتوى الإلكتروني من مواد أوخدمات، أن يراعي هذا النطاق الرحب عند دخوله في أي مشروع له علاقة بالمحتوى الإلكتروني.
عند الحديث عن الجمهور المخاطب، لابد من مراعاة: اللغة والجندر والفئة العمرية والوضع الاجتماعي.
3- المواد المقدمة والخدمات المتوافرة، إذ على من ينتج محتوى إلكتروني، أن يتقن المزاوجة بين المواد والخدمات، وأن يتملك مواهب التكامل بينهما.
فبقدر ما ينبغي أن تتوافر للمواد كل مقومات الاستحواذ على انتباه المستخدمين وتلبية احتياجاتهم، على الخدمات المتوافرة في ذلك العمل أن تستفيد من تلك المواد في تسهيل أوجه استخدام تلك المعلومات لتسيير الخدمات.
هنا يبرز الفرق الكيفي والقدرات المتميزة بين النسخ الليّنة من المواد الإلكترونية والنسخ ذات الجوهر الإلكتروني. فبينما تنحصر الأولى في إطار استاتيكي محدود تتمتع الثانية بمحرك ديناميكي متفاعل قادر على توليد قيم مضافة مبدعة من خلال المزاوجة الخلاقة بين المحتوى والخدمات من جهة، والاستخدام الأفضل لمحركات تفعيل تلك الخدمات من جهة ثانية.
4- التغذية الراجعة، وهذه الميزة تنفرد بها حاضنات أعمال المحتوى الإلكتروني عن سواها من أوعية المعلومات الأخرى. فمنصات المحتوى الإلكتروني وحدها القادرة على بناء علاقات اتصال وتواصل مع جمهورها الذي يستفيد منها، من خلال قنوات التغذية الراجعة (FeedBack)، التي تمد من يقف وراء بناء المحتوى الإلكتروني القدرة على بناء علاقة تفاعل بناءة بينه وبين الجمهور المستخدم لتلك المادة.
هذه التغذية الراجعة الآنية والمتواصلة والمستمرة، هي حجر الزاوية في كل أشكال التطوير النوعي السريع الذي نلمسه في الأعمال الإلكترونية الأصيلة.
ومن الطبيعي أن يكون أمام البحرين اليوم، ولكونها، كما ذكرنا سابقا، من الدول العربية السباقة في دخول ميدان صناعة المحتوى الإلكتروني، فرصة تاريخية لتأسيس صناعة إلكترونية تقوم على الفهم الصحيح لمفهوم وآفاق الأعمال الإلكترونية، التي آخر ما تحتاجه صناعاتها رؤوس الأموال الضخمة، وأول ما تتطلبه نجاحاتها موارد بشرية مؤهلة وتمتلك مهارات بناء وتشغيل منصات إلكترونية كفوءة تضع هذه الصناعة في خانتها الصحيحة.
والبحرين أكثر دول مجلس التعاون ثراء في الموارد البشرية، حتى وإن لم تكن الأكثر غنى عند الحديث عن الموارد المالية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2406 - الثلثاء 07 أبريل 2009م الموافق 11 ربيع الثاني 1430هـ