لو فتحت نافذة غرفتك، فكيف يا ترى سيكون وصفك للمنظر الذي تراه يوميا وأنت تخرج من بيتك إلى العمل، وترجع إليه بعد عناء وجهد تحصيل الرزق، ومن ثمَّ تفكّر قليلا في حياتك، واسأل نفسك: هل أنا فعلا أشعر بطعم هذه الحياة؟!
لقد أصبحت حياتنا مجرّدة من الحياة، فلا الشارع ينطق بها، ولا الفرد يتمتّع بهذه الحياة، وطغى الروتين على يومنا الحافل، وانتهى اليوم قبل أن ينتهي، بدخولنا الى منزلنا، وفتح التلفاز، أو استخدام الإنترنت.
فبعدنا كل البُعد عن تجمّع الأهل والأصدقاء والمعارف، ورمينا كل التبعات على عصر العولمة والحداثة المجتمعية، بينما نحن من نصنع شقاءنا بأنفسنا، فلا هي الحياة الحضرية الحديثة ولا العولمة تجعل الإنسان لا يتمتّع بطعم الحياة.
أصبحت الشوارع خالية من الاخضرار إلا في الأماكن العامة، ولكننا لا نسكن الأماكن العامة، لذلك لا نجد شيئا يشعرنا بنبضها وجمالها، إلا البحر الذي لا نستطيع حاليا رؤيته بالعين المجرّدة!
حتى الأطفال دمّرناهم داخل البيوت، فكل الذي يمارسونه من هوايات، لا يتعدى أجهزة إلكترونية، تضغط على أعصاب المخ، وتسرح بهم في عالم الجريمة والعنف، وتزيد نسبة السمنة في وطننا البحرين.
إن البيوت البحرينية قديما تضجُّ بالحياة، فتشاهد الأسر الممتدة تمتد على كبر المنطقة، وداخل البيوت تجد الجيران والأحباب متى تشاء، وكذلك الشجر والزرع ينتشر في كل مكان من أرجاء البيت، حتى تظن بأن هناك منقّي للهواء وُضِع من أجل راحة أصحاب هذا البيت!
كما أن وجود الحيوانات الأليفة كالغنم والبقر والأرانب والقطط والكلاب، منظر يدل على الحياة، ويزيدنا رحمة، ونحن أهل الإسلام أو من يجب أن يكون عندنا رحمة بالحيوان، إلا أن الوضع تغير في عصر دولة المدن، فالأطفال لا يمسكون بالحيوانات ولا يلعبون معها، وما إن تمسك حيوانا لتجعل ابنك لا يخاف، تتفاجأ بالصراخ والهلع والتوتّر، خشية من هذا الحيوان الأليف!
وإذا ذهبت إلى المطاعم عند الساعة الواحدة والنصف تقريبا، فستجد مظاهرات الناس للحصول على صحن «مجبوس» بخمسمئة فلس، فلقد قلَّ الاهتمام بالطبخ داخل البيوت، وأصبح الكسل يغطيّ الجو العام حتى في الأكل، لذلك انتشرت المطاعم بكثرة في أرجاء المعمورة.
وفي لقاء مع إحدى الأجنبيات الجديدات على عالمنا، أخذنا نسألها عن رأيها في البحرين، فقالت لنا ملاحظة حزينة جدا، بأنّها منذ قدمت تفاجأت بكثرة اهتمام الناس بالأكل وبُعدهم عن الرياضة والمشي، ففي كل زاوية هناك مطعم وناس حوله، وأنها سمعت عن المسلمين الرحمة وحب الكائنات الحية، إلا أنها لم تجد أيّا من ذلك ولم تلمسه!
لقد تغيّرت حياتنا بتغير أعمالنا عما كانت عليه في السابق من بساطة، فكلما تعقّدت بعدنا عن الحياة التي يجب أن نحياها، وأصبحنا لا نتذوّق طعمها، وللأسف نحن من قمنا بتغذية ما آلت إليه الأمور، وإذا كنا نريد السخط على أحد، فيجب علينا أن نسخط من أنفسنا أولا، لابتعادنا عن أوجه بسيطة تجعلنا نستشعر جمال هذه الحياة!
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2406 - الثلثاء 07 أبريل 2009م الموافق 11 ربيع الثاني 1430هـ