ماذا عساي أن أقول، وأنا أسمع بكاءها وهي تشكو بحرقة قلب عن أحوالها من جراء مداهمة رجال الأمن لغرفتها وهي نائمة مع أطفالها ليلا في غياب زوجها نظرا إلى ارتباطه بنوبة عمل ليلية.
شهقاتها تشتد كلما اقترب حديثها من وصف صورة أطفالها، فمن يصمد أمام حرقة أم على أطفالها، تمتلكها الحيرة لا تدري ما سر بكائهم الطويل، أمن حرقة الفلفل المطحون الذي رش على مناماتهم، أم روعا مما رأوه من جر وركل لثلاثة من أعمامهم وهم في غفلة من أمرهم، أم سقوط جدتهم مغشيا عليها أمام أعينهم؟.
وأم أخرى تقول: كاد طفلي أن يضيع من بين يدي، لقد رأى النار تشتعل أمامه في وسط الشارع، كان معي حينها بالسيارة، توقف فجأة عن اللعب، وكان الهلع والخوف باديا من عينيه، ظل واجما طوال الطريق، فهو لا يستطيع البوح عن خوفه لأنه لم يتعد السنتين من عمره، نام وهو خائف واستيقظ قبل الفجر فزعا، لا يستطيع أن يلتقط أنفاسه ودقات قلبه من علو سرعته تسمع من بعد، احتضنته وأنا أبكي وأقرأ عليه آيات من القرآن الكريم، حتى هدأ ونام، لكن قلبي ظل يعتصر ألما مما جرى على ولدي، ولم يزل كذلك حين أتذكر منظره وهو واضعا يده على صدره، فمن أشعل النار أشعل الخوف في قلب صغيري.
إن أصحاب المطالب هم أصحاب رسالة ومبادئ، فهل الحرائق توصل المطالب؟
ومتى كانت النار راية للمظلوم والمتضرر، وفيها من ترويع الصغار وتعطيل مهمات الكبار الشيء الكثير؟.
فهل كان أتباع الأنبياء والأئمة المهديين من يتروع منهم الناس كل الناس؟
بل هم ملاذ للناس حين يفزعون، وهم أمن للناس حين يخافون، وهم ملجأ للناس عند السؤال والحاجة، فلا السكوت عن الحق حق، ولا طلبه بالعنف مرضي، فلا تكونوا كالتي نقضت غزلها بيديها.
أما رجل الأمن المناط به حماية الوطن والمواطن فلا نريد له في بلادنا أن يمتهن مهنة التخويف والترويع، ولا نريد له أن يبرز عضلاته في بيوت عتيقة تملؤها الحرمان والحاجة، ولا يختبر مهارة قنصه على أجساد أطفال كل ذنبهم أنهم في بلد يمر بأزمة أمنية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، أطفالنا أصبحوا يكرهون رجال الأمن، ويتوجسون منهم الخيفة والرهبة، إذ أصبحوا لا يأمنون على أجسادهم الضعيفة من أن تصاب بطلقات سلاح الطيور المسمى بالشوزن وكأنهم فعلا طيور يصطادون من صياد يعشق أن يرى تساقط الريش الناعم أمامه.
صورة الأطفال المصابين بطلقات الشوزن عندما كانوا يرقدون على أسرة مستشفى السلمانية خير دليل على التعدي على الطفولة، وانتهاكات واضحة لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل الصادرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1989م، إذ وقعت البحرين على هذه الاتفاقية، وصدر مرسوم أميري رقم (6) في عام 1991م، بالمصادقة عليها، وبذلك أصبحت البحرين طرفا في هذه الاتفاقية وأصبح لهذه الاتفاقية قوة قانونية تلزم الدولة بتطبيقها والعمل بما تنص عليه من أحكام.
من يتصفح مواد هذه الاتفاقية الدولية يرى أنها تكفل حماية الطفل والاهتمام به، بل تعلق الآمال على الدولة بمراقبة تطبيق هذه المواد وتتولى أخذ التدابير من أجل حمايته من سوء المعاملة حتى من والديه ومعلميه، فكيف بالحال بمؤسسة الأمن التي يعلق عليها هذه الحماية وليس انتهاكها، ونذكر هنا وزارة الداخلية ببعض من بنود هذا الاتفاق:
المادة (19): تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من جميع أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال أو إساءة المعاملة أو الاستغلال.
المادة (37): تكفل الدول الأطراف: ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة.
المادة (40): تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل يدعى أنه انتهك قانون العقوبات أو يتهم بذلك أو يثبت عليه ذلك في أن يعامل بطريقة تتفق مع رفع درجة إحساس الطفل بكرامته وقدره.
لا يوجد أمر أكثر فضاعة من ترويع الصغار، فالأطفال ليس لديهم الأهلية لانتهاك قانون، فكيف بالأمن، فإن عز الاعتذار فهل تكون هذه آخر المرات؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 2406 - الثلثاء 07 أبريل 2009م الموافق 11 ربيع الثاني 1430هـ